في زمن تتعالى فيه أصوات المطالب والحقوق، وكأننا نعيش صراعًا بين رجل وامرأة، أجد نفسي أتساءل: هل صار الحوار بيننا مجرد منافسة على من يحصل على “الراحة” والاحترام أولًا؟ أم أن الحقيقة أعمق، وأسمى من هذا كله؟
أنا رجل، وأنا أرى نفسي جذر شجرة الحياة. إذا كان الجذر قويًا وسليمًا، تنمو الشجرة بأزهارها وثمارها، وتكون ملاذًا للراحة والحياة. أما إذا فسد الجذر، تظهر الفطريات التي قد تكون ضارة أحيانًا، ونجد أنفسنا في دوامة من الخلافات والتوترات. لكن ليست كل الفطريات سامة، فبعض الأصوات النسائية التي ترتفع اليوم هي رد فعل طبيعي على فساد الجذر، على تجاهل معاناة الرجل، على إنكار دوره وحقه في الراحة والاحترام.
المرأة، بكل ما مرت به من عقود طويلة من التهميش والظلم، تستحق التمكين والاعتراف والتقدير. وهذا حق لا نقاش فيه. لكن ليس الحل أن يُهمّش الرجل ويُجعل عبئًا عليه أن يتحمل كل الأخطاء، أو أن يُنظر إلى ألمه كشيء وظيفي لا يستحق التقدير الإنساني.
الظلم لا يُصلح بظلم آخر. وإذا كانت المرأة قد عانت في الماضي من التهميش، فليس الحل أن يُهمّش الرجل اليوم. العدالة لا تعني قلب الموازين، بل تحقيق التوازن.
لماذا يحدث هذا أحيانًا؟ لأن بعض الحركات، في محاولة لتقوية صوت المرأة، تسقط في فخ المبالغة أو الانتقام الرمزي، فتُصبح الرسالة كأنها: "لن نعترف بقيمة الرجل حتى تُعطى المرأة كل شيء." وهذا يؤدي إلى إحساس كثير من الرجال بأنهم أصبحوا "أعداء" بدلًا من أن يكونوا شركاء.
الفرق بين التمكين والإقصاء: تمكين المرأة لا يجب أن يكون على حساب الرجل. والاعتراف بتضحيات الرجال لا يعني التقليل من شأن النساء.
المجتمع السوي هو الذي يعترف بفضل الأم والجندي، بالمعلمة والعامل، بالطبيبة والفلاح، الأب والبنت، سواسية في الكرامة والحقوق.
رسائل يجب أن تصل للجميع: أن تكون رجلًا لا يعني أنك ظالم بطبيعتك. وأن تكون امرأة لا يعني أنك ضحية بطبيعتك. القوة والشرف ليست حكرًا على جنس معين.
وأنا لا أتحدث فقط عن العلاقة الزوجية، بل عن كل علاقة رجل بامرأة في حياته: أمه، أخته، ابنته، أو حتى امرأة يراها في المجتمع. هل المشكلة في أن تريد امرأة أن تعيش محتشمة، مستقرة، تحصل على أكلها وشربها من نفس صحن رجلها في راحة، بعيدًا عن التعقيدات والمناكفات؟ بالطبع لا. المشكلة الحقيقية أن المجتمع أحيانًا يعقّد هذه العلاقة الطبيعية، ويجعل من بساطة الاحترام والراحة أمرًا مثيرًا للجدل أو الاستغراب.
إن راحة المرأة ليست فقط في الطعام أو الملبس، بل في أن تعيش وسط احترام وتقدير، وأن يشعر الرجل في حياته بأنه جذر صلب يُقدر ولا يُحمل أكثر مما يطيق. وإن راحة الرجل ليست ترفًا، بل ضرورة لاستمرار استقراره النفسي والاجتماعي، وكي يكون قادرًا على الوفاء بمسؤولياته بسلام.
في النهاية، يجب أن نعيد النظر في خطابنا المجتمعي، وندرك أن العدالة لا تُبنى على تمكين طرف على حساب الآخر، بل على توازن يضمن لكل فرد حقه في الكرامة، الراحة، والاحترام.
الرجل ليس عبئًا على المرأة، والمرأة ليست عبئًا على الرجل، بل كلٌ منهما جذور في شجرة واحدة، فلا تنمو هذه الشجرة إلا بتكاتف الجذور معًا، وبدون تعقيدات لا داعي لها.
التعليقات