لا أعزل نفسي عن هذا السؤال بالتأكيد. لكن على الرغم من تأثير هذه المنتجات علينا جميعًا، فأنا أطرح التساؤل حول تأثيراتها على الأجيال التي ظهرت بعد أن انتشرت. كيف شكّلت وتشكّل منصّات التواصل الاجتماعي وعي هذه الأجيال بأنفسهم؟ وما هي المشكلات التي تظهر وستظهر؟
كيف تشكّل منصّات التواصل الاجتماعي وعي الأجيال الجديدة بأنفسهم؟
يتشكل الوعي بمتابعة منشئي المحتوى الهادف، الذي يركز الضوء على ضرورة نسف القوالب التي تضعهم فيها منصات التواصل.
قوالب موحدة للحب، للنجاح، للجمال، لنظام الحياة، لتحقيق الأهداف، منتهى السُّخف.
متابعة من يكسرون هذه السلسلة المتتابعة من القولبة والتقليد والانقياد تشكل الوعي بضرورة فهم كل فرد لمعطيات حياته وعدم الانسياق وراء الجميع.
كنت بالأمس أقلب في واحدة من المنصات، استوقفني مقطع لسيدة في صالون تجميل، هل هذه المذيعة فلانة؟ كلا ليست هي، بل إنها هي، ثم وجدت أن هذا القالب من الشكل بات منتشرًا فصارت السيدات يعتبرنه معيار الجمال وكلهن يتقمصنه.
كذلك بخصوص كافة مجالات الحياة، ذلك الشاب يلتحق بصالة الألعاب الرياضية، يجب أن يصور مسحوق البروتين الخاص به من شركة كذا، ويرتدي ساعة رقمية من علامة كذا.
تلك الشابة التي أعجبت بنظام حياة منتشر في مقاطع كثيرة تصور نظام الحياة المثالي، يجب أن تحتسي القهوة وتلتلقط الصور للكوب الورقي الذي يحمل شعار المتجر، وأكثر ما أثار دهشتي حد الجنون، أن أقارن بين عدد من مقدمات المحتوى الخاص بنظام الحياة، تجدهن جميعًا متفقات على ضرورة شراء كوب ماء الخاص بشركة أيكيا، لماذا؟ فقط فقط؛ لأنه مميز، والله كدت أقتنع وأفكر في شرائه، ثم طبعًا ألتقط له صورة تبدو عفوية ليظهر على حساباتي في منصات التواصل! طبعًا لم أفعل.
المهم، أن الوصول إلى الإدراك الكافي الذي يمنعنا من إسقاط هذا الزيف على واقعنا، هو مكسب كبير ربما لا نصل إليه إلا بعد فترة من التيه.
وعلى التوازي، أنا لا أعارض الاستفادة من المقاطع الموجودة والمحتوى المنتشر، لكن بما يتناسب مع معطيات حياتي.
بكل تأكيد لا يستطيع أحدنا أن ينكر ما قدّمته له منصات التواصل الاجتماعي من مميّزات. إن هذا الأمر مفروغ منه، خصوصًا بالنسبة للأجيال التي نشأت قبل وجودها، فقد أدركوا الفروق الجوهريّة التي طرات على الحياة بعد ظهور مثل هذه المنتجات. لكن في المقابل، أجد أن تربية العادات السلبيّة بهذا الكم أصبح أمرًا أكبر وأعم بكثير من الإيجابيّات التي تعود علينا. والمحتوى السريع الذي ذكرتيه يا فاطمة كان من الممكن أن يكون شيئصا إيجابيًّا بالتأكيد. لكنّه في المقابل لا يعد نموذجًا أو مصدرًا للتعلّم أبدًا في ظل هذا الكم من التشتّت.
منصات التواصل الاجتماعي بالتأكيد شكلت وتشكل عيون الأجيال الحالية بشكل كبير، فهي توفر لهم وسيلة للتواصل مع بعضهم البعض وتبادل المعلومات والأفكار والصور والفيديوهات بسهولة وسرعة لم يسبق لها مثيل. ومع ذلك، هناك العديد من المشكلات التي تتعلق بهذه المنصات والتي قد تؤثر على الأجيال الحالية والمستقبلية.
من أبرز المشكلات التي تواجه الأجيال الحديثة، هي تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية، حيث أظهرت العديد من الدراسات أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب والقلق والتوتر والعزلة الاجتماعية. كما أنها قد تؤدي إلى تفاقم الإدمان على الإنترنت، مما يمكن أن يؤثر على الصحة العقلية والجسدية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي منصات التواصل الاجتماعي إلى انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات غير الدقيقة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى الخلط والتباس والتحريض، وقد تستغل هذه المنصات من قبل الجماعات المتطرفة والمتطرفين لترويج أجنداتهم وتأثير الرأي العام.
كما أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى فقدان الخصوصية، حيث يتم جمع البيانات الشخصية والمعلومات من خلال هذه المنصات واستخدامها في الإعلانات وتوجيهها إلى المستخدمين.
بالتالي، يجب على الأجيال الحديثة أن تكون حذرة في استخدام منصات التواصل الاجتماعي، وأن تتعلم كيفية الحفاظ على خصوصيتها وتجنب التأثيرات السلبية على الصحة النفسية.
ومن ضمن الآثار السلبيّة لمثل هذه المنصّات أيضًا التنميط الخاص بالمظهر الشخصي يا روند. تمثّل هذه الكارثة العديد من الأزمات النفسيّة، خصوصًا لدى المراهقين والأطفال. لأن منصّات التواصل الاجتماعي منتج يقوم على المثاليّة الزائفة. وبالتالي فإن التحسين المستمر لصورة المؤثّرين وصنّاع المحتوى يجعل من سقف طموحات المشاهدين حدًّا غير طبيعي بالمرّة. ممّا يسبّب لهم مشكلات نفسيّة حادة، أقلّها الاكتئاب والعنف تجاه الذات والتقليل من شأنها وانخفاض مستويات الثقة بالنفس إلى ما هو أبعد ممّا نتخيّل.
التعليقات