هذا الموضوع يبدو أنّهُ يتحوّل تدريجياً إلى محض جدال مستمر بين الناس والمحترفين طبعاً، هل السينما يجب أن تكون فلسفية إنسانية أم بصرية، أو الأصح إلى أي كفّة يجب أن تميل أكثر؟
لو كنت تملك الخيار، هل ستفضّل أن يتحكّم بالسينما: الفن أم التكنولوجيا؟
أعتقد أنه سيكون الفن فى المقام الأول حيث أنه يحمل فى داخله رسالة مفيدة للمشاهدين ، ويتم استخدام التكنولوجيا فى خدمته حيث يكون للفيلم مكان في سوق المنافسة .
بمعنى أنه إذا عرض فيلمان أحدهما يحمل رسالة فنية راقية جداً وبدون استخدام وسائل التكنولوجيا العصرية ، والأخر ليس به أى رسالة فنية مع استخدام جيد فى مهارات التكنولوجيا ، حينها سوف ينخدع المشاهد ليشاهد النوع الثانى .
لذا فن مسخر فى سبيله التكنولوجيا هو أفضل حل .
وهذا طبعاً وفعلاً ما يحدث في الحياة الواقعية، إذ أنّ شركات كبيرة كـ مارفل و DC المُختصّة بالكوميكس أو بما نعرفه عنها من إنتاج شخصيات باتمان ورجال العدالة وآخرون من الرسوميات أو الأفلام التي أعتقد أنّها صارت مضحكة وطفولية إلى مستوى كبير، كل ذلك يحصل بسبب ميل الناس إلى الكفة الأخرى، كفة التكنولوجيا على حساب الفن، الفن الحقيقي.
الافضل بالطبع المشاركة ، وهذا يحدث احيانا مثل ثلاثية مملكة الخواتم او حتي افلام ديزني وسوني مثل Ice Age ، لكن المشكلة في ضمان استمراريتها ، الوقت الحالي نحن في توقيت سينما المخرج ، وهي ان المخرج هو المؤلف والمخرج والمشترك في الانتاج وهنا هو قادر علي وضع شروطه لخدمة امكانياته مثل ستيفن سبيلبيرج او اليخاندروا ايناريتو و بيدروا الموديفار وغيرهم ، والمشاهد مستفيد جدا في هذه الحالة لانها افلام فلسفية بصرية .
بالنسبة لي لو كنت صاحب القرار سيكون المشاركة .
ثلاثية مملكة الخواتم
تلك كانت آخر فترة يُجمع بين الامرين، بين الضفّتين ولذلك بقيت هذه الافلام إلى يومنا هذا مع أنّها من انتاجات الـ 2003 ,ولم تبقى الكثير من الأعمال، مئات المئات منها منذ تلك الفترة إلى اليوم، كُل ما تلاهم، إذ أنّ العصر صار يُبدّي مشاريع البصريات المبهرة على الدراما المؤثّرة فعلاً في الإنسان، في الجوّاني منه، لا فقط عيونه ومعدّلات الأدرينالين في جسمه.
قد لا أستطيع المشاركة بجواب لهذا التساؤل ولكن أود أكثر المشاركة بالرأي في توصيف السينما (والتكنولوجيا المعاصرة عموما) أنها بمثابة "واقعا موازيا" يعيش فيه الناس أوقاتا يأخذهم عن واقعهم الطبيعي الحقيقي المعيش.
عالما (الكترونيا تكنولوجيا) موازيا يمتزج فيه الخيال بالواقع. وقد تختلط فيه الحقيقة بالدجل والباطل والحقائق بالظنون والأوهام وهكذا. عالما موازيا قد يكون نافعا للغاية وقد يكون مضرا للغاية.
عالما وواقعا موازيا "افتراضيا" ولكنه حقيقيا (خاصة لما توسع مفهومه عن مجرد السينما فهنالك الإنترنت وبرامج التواصل والمعلومات التي تجعل الكرة الأرضية قرية واحدة وهي قرية صغيرة للغاية قد يدري من في أقصى شرقها حدث يحدث في أقصى غربها قبل أن يدري به من يسكن بالشارع المجاور)
عالما وواقعا افتراضيا تأثيره على الناس غني عن الكلام والوصف. حتى أنك إذا رجعتم بالوراء لسبعة عقود فقط مضت بالبشرية لوجدتم أن حياة الناس على وجه الأرض كل الأرض قد اختلفت بالكلية عن كل عصور البشرية السابقة وذلك في كل المجالات وعلى كل المستويات بداية من طريقة الأكل والدواء والملابس إلى طريقة الحكم والسياسة والاقتصاد.
للصراحة لا أستطيع رؤية الإيجابيات الكثيرة التي تطرحها التكنولوجيا في السينما بمعزل عن تداخل هذه التكنولوجيا بمواضيع تخصُّ الدراما الإنسانية، الروح بما تحمل، دون هذا الأمر فالتكنولوجيا تخرّب الحياة لا تعمرها رغم عشقي بالمناسبة لهذه الحداثة، لكن الأمر أعقد من ذلك، على التكنولوجيا أن تتوازى مع الإنسان وشرطه الوجودي والروحي قبل الالتفات إلى تفنيد إيجابياتها وسلبياتها
جيل دولوز ناقش السينما في كتابين، ومن رأيه أنها تنظر لنا ولسنا نحن من ننظر لها، فهي ترانا وترينا أنفسنا عبر الشاشة الوسيط المكاني بين حياتنا اليومية وحياتنا المجردة، التكنولوجيا للأسف لو المقصود بها التقنيات الحديثة الموجودة في ستوديوهات مارفين والاعتماد على الـ cgi أظنها بعدتنا تمامًا عن تصور دولوز للسينما وأبعجتها عن الشرط الإنساني واهتمت بالمتعة بلا هدف والصورة البصرية المبهرة البعيدة عن الأفكار والمشاعر الإنسانية
تقصد (مثلا) أن التكنولوجيا المعاصرة هذه تأخذ الناس من معايشهم الطبيعية العادية (أو دعونا نستخدم وصف "الواقعية") من كونها تأخذ أوقاتهم واهتماماتهم عما اعتادوا عليه من قبل من التواصل مع الأصدقاء والخروج معهم أو حتى التواصل الأسري داخل البيت الواحد وهكذا؟
وحقيقة اتفق معك تماما في قولتك للحاسمة أن "على التكنولوجيا أن تتوازى أو تتلاءم هي مع الإنسان وشرطه أو أصله الوجودي والروحي قبل أي شيء". شكرا لك
وبماسبة لقولتك الجميلة الحاسمة:
على التكنولوجيا أن تتوازى مع الإنسان وشرطه الوجودي والروحي قبل الالتفات إلى تفنيد إيجابياتها وسلبياتها
فهل استمعت لمحاضرة جيفري لانج وهو يتكلم عن "الهدف من الحياة" (purpose of life) وهو يحكي قصة إسلامه ورحلة الإيمانية في البحث عن الأسئلة الوجودية والتي بحث عنها كثيرا بكل مكان ولم يجدها إلا في القرآن الكريم وبأول صفحاته (الآية 31 من سورة البقرة) مع أول ذكر قصة لبداية الخلق. وحقيقةً محاضرته وقصته جميلة جدا ليس من كونها قصة إسلام شخص ولكن من كونها "تفسير" جميل جدا (جدا جدا ورائع) بمنطق أستاذ رياضيات متمكن بقوة تحليل مدهشة ومقنعة للغاية ما شاء الله عليه.
فلا تفوتك والحاضرين إن لم تكن قد اطلعت عليها من قبل. (ونصيحة عليك بالتدقيق في كلامه والاستماع لكلامه حتى النهاية فقد ربط جميع الخيوط في نهاية السياق كما تفعل أستاذة الرياضيات بالمعادلات المنطقية ما شاء الله)
التعليقات