بسم الله الرحمن الرحيم.
تحدثنا طوال الأيام الماضية عن الأسناد، وقلنا أنّ الإسناد عند البلاغيين يعني الضم، ضم اسم لاسم(مبتدأ وخبر)، أو فعل لفعل، وانطلاقًا من هذا قسمناه إلى قسمين آخرين، فقلنا إن كان هذا الإسناد يحتمل الكذب والصدق نسميه إسناد خبري، وإذا لم يحتمل الصدق والكذب نسميه إسناد إنشائي، وتحدثنا عن الإسناد الخبري وأغراضه وأنواعه ..، في هذا اليوم سنبدأ بالتحدث عن الإسناد الإنشائي،
الإسناد الإنشائي
كما قلنا تعريف الإسناد الإنشائي: قول لا يحتمل الكذب و الصدق لذاته.
إذا ما تأملنا الكلام العربي الذي لا يحتمل الكذب أو الصدق، سنجده على قسمين، قسمٌ يفيد الطلب مثل الاستفهام "هل السماء صافية؟"، وقسم آخر لا يفيد الطلب مثل (التعجب) "ما أجمل السماء"، إذن لدينا قسمان آخران، إسناد إنشائي طلبي، وإسناد إنشائي غير طلبي،
إسناد إنشائي غير طلبي
في اصطلاح البلاغيين: ما لا يستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب.
بحسب أحد كتب البلاغة أساليبه ستة:
صيغة المدح، والذم: مثل نعم وبئس.
صيغة العقود: مثل بعتُ، واشتريتُ.
صيغة القسم، مثل والله العظيم.
صيغة التعجب، مثل التعجب بما أفعل وأفعل به -سنتعرف على صيغ التعجب في أحد دروس الصرف بإذن الله.
صيغ الرجاء، مثل عسى.
صيغة ربُّ وغير ذلك من الصيغ التي لا تفيد الطلب.
إسناد إنشائي طلبي
في اصطلاح البلاغيين: ما يستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب.
أساليبه خمسة:
الأمر.
النهي.
الاستفهام.
التمني.
النداء.
في الأيام القادمة سنتحدث عن تلك الأساليب، وسنبدأ اليوم في التحدث عن الأمر.
أسلوب الأمر، وصيغه وأغراضه البلاغية
سنجد الأمر في العربية ينقسم إلى نوعين -حقيقي ومجازي-، الحقيقي نوعٌ يفيد طلب حصول الفعل من المخاطب على سبيل الاستعلاء كقول الأب لابنه "صلِّ"، ويوجد أمر مجازي وهو لا يفيد أمر المخاطب حقيقة، على سبيل المجاز كالدعاء "رب يسر لي علمي" فهذا المثال وإن كانت صيغته لا تختلف عن الأمر الحقيقي فهو لا يفيد الأمر إنما يفيد الدعاء.
صيغ الأمر
يوجد أربعة صيغ للأمر في العربية:
فعل الأمر، مثل صلّ، قم وذاكر.
اسم الأمر -تذكر دروس النحو الأولى- مثل: صه(بمعنى اسكت)، عليك(بمعنى اِلزم).
المضارع المقترن بلام الأمر الساكنة، مثل: عندما يسأل الطالب معلمه هل نجحتُ؟ فيجيب لتفرح، فقد نجحتَ، لتفرح = لام الأمر+فعل مضارع.
المصدر، مثل: طالب آخر يسأل المعلم فيجيبه لقد رسبتَ، فمذاكرة لتنجح العام القادم. المصدر هنا "مذاكرة" أتى بمعنى الأمر.
الأمر الحقيقي والمجازي
الأصل في الأمر أن يكون حقيقي بمعنى الأمر الحقيقي، ويكون مجازيًا في بعض المواضع،
مواضع الأمر المجازي وعلاماته:
الدعاء، علامته أن تستعمل صيغته في مقام التضرع، مثل: رب اغفر لي.
الالتماس، علامته أن يكون الأمر موجهًا إلى من يساويه، مثل: قول صديق لصديقه "ساعدني في عملي"
التهديد، علامته أن تأتي صيغة الأمر في مقام عدم الرضا بالمأمور به، كأن تأمر شخصًا بشيءٍ بهدف التهديد بعمله، مثل: قول الأب لابنه "ارسب فسوف تحاسب".
الإباحة، علامته استعمال صيغة الأمر حيث يتوهم المخاطب عدم الإتيان بالشيء، وهو مثلًا في قوله تعالى " وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ"، ليس المعنى هنا وجوب الأكل والشرب، بل إباحتهما في ليالي الصيام حتى الفجر.
التخيير، وعلامته استعمال صيغة الأمر حيث يتوهم للمخاطب جواز الجمع بين شيئين فتخييره في إحداهما، مثل: ذاكر النحو أو الصرف.
الإهانة، علامته استعمال صيغة الأمر في مقام عدم الاعتداد بالمخاطب، وقلة الاكتراث به، مثل: قول الأب لابنه حين يرسب، "ذق نتيجة فشلك".
التعجيز، علامته استعمال صيغة الأمر في مقام إظهار عجز كل من يدعي المقدرة على أمرٍ معين، مثل قولنا "احمله إن قدرتَ" فعل الأمر احمله، واستعملنا معه "إن" بغرض الشك في مقدرته على حمله.
الإرشاد، علامته أن لا يترتب على فعل المأمور عقوبة، مثل قولنا "نم مبكرًا” فلن نعاقبه إن لم يفعل ذلك، لكن كان بغرض الإرشاد والنصح.
الدوام، علامته أن يكون المأمور به متحققًا وحاصلًا قبل الأمر به، مثل قول المدير للعامل بعد أن أعجب بعمله "اعمل هكذا كل يوم”.
التسوية، علامته استعمال صيغة الأمر في مقام يتوهم فيه المخاطب رجحان أحد الأمرين على الآخر، مثل أن يسأم المعلم من سلوك أحد تلاميذه فيقول له: انجح أو ارسب فلم أعد أهتم لك.
التمني، علامته استعمال صيغة الأمر في مقام طلب الشيء المحبوب الذي لا يمكن أن يتحقق، مثل رغبتك في عودة الزمان فتقول "عُد يا زمان".
هكذا نكون انتهينا من الأمر في الدرس القادم سنتحدث عن نوعٍ آخر من الإسناد الإنشائي الطلبي <<النهي>>.