شاع أنّ قواعد العربية مُعَقَّدة يقولون: الإعراب هذا فيه قواعد كثيرة ثقيلٌ على العقل استيعابُها

 أقول: بل هي قواعد تسهّل اللغة وما صعُبَت إلا بكيفية تعلّمها وهي قواعد قليلة تفرّعت كثيرًا

  • قبل البدء عندي مثال على تعلم القوانين: في مرات إذا أردت صياغة جملة مثل رأيت طالباتٍ فأرى عقلي الذي يحوي ما تعلمت من القواعد العربية بأسمائها يقول هذا مفعول به ويتردد في الكسرة ويقول فتحة لأنه منصوب نسيانًا وعندي عقل آخر يقول بل بالكسرة وهو كلما نشأ أمثال هذا الإشكال يكون هو المصيب.
  • هو نفسه يعرف معنى المنصوب إذا رآه وأنا عاجز عن ذكر إعرابٍ له  وإذا سئلت عن آية (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) علمت يقينًا من حركات الإعراب أنه لا يخبر بأن امرأته حمالة الحطب ولكن يوضّح أن المقصود من كلمة "امرأته" هو حمالة الحطب وكذلك في آية سورة الروم (وَعْدَ اللَّهِ) علمت أنّ كلمة وعد مُتعَلّقة ومُوَضِّحة لشيء قبلها ولم يمر علي أي شيء عن هذا الأسلوب ولا أعرف كيف أعربه وإذا سألت التفاسير صدّقت قولي ووضّحت ما اسم ما أحسست به في قواعد اللغة.

--

كلامنا الآن عن الحالات الاعرابية للأسماء وبالتحديد الرفع والنصب

--

انظر للجمل الآتية:

[فُتِحَ البابُ] فجأةً

الجملة أخبرت عن الباب بأنه فُتِح وكلمة فجأة فوضحت فَتح الباب

[زيدٌ يعطي] المالَ

أخبرت عن زيد أنه يعطي ثم وضحت أن المُعطى هو المال لاحظ أنك لو قلت "زيد يعطي" لَصَحَّت الجملة لكن معناها مبهم ولاحظ أن الجملة لم تحدد من المُعطى لكن الجملة صحيحة

[أهديت] أختي وزنها ذهبٌا

جاءت كلمة ذهبٌا مُوَضِّحةً لكلمة وزنها وهذا يسمى تمييز

[جاء] مُسرِعًا [أحمدُ]

أخبرت عن أحمد أنه جاء ثم أخبرت عنه في مجيئه أنه مسرع لاحظ قدمت وأخرت بغير أن يتضرر المعنى ولهذا فوائد

[مشى] مشيةَ البطريق

أخبرت عن شخص أنه مشى و"مِشية البطريق" أخبَرَت عن المشية بأنها مشية البطريق

"[نحن] المبرمجين [أذكياء]"

كلمة "المبرمجين" وضحت المقصود بـ"نحن" ولو قلت " نحن المبرمجون " لصارت الجملة إخبارًا بأنكم المبرمجون

" [أنت] طبيبًا [ماهرٌ]"

المقصود من الجملة أنك -بصفتك أو حال كونك طبيبًا- ماهر ,ولو قلت أنت طبيبٌ ماهرٌ لكانت الجملة تخبر بأنك طبيب ماهر (نفس المعنى تقريبًا في الحياة اليومية لكن فعليًّا وبلاغيًّا لا)

" لك عليّ ألفٌ عرفًا "

معنى عرفًا هو اعترافًا والجملة أخبرت أنه عليّ ألف لك ثم جاءت كلمة "عرفًا" لتؤكد معنى الجملة وهو من نفس باب عبارة (وعدَ الله) في سورة الروم ويسميه النحويون مصدرًا مؤكّدًا لنفسه

"[كانت الدموعُ] غزيرةً"

لو قال كانت الدموع برون غزيرة لكان المقصود أن الدموع وُجِدَت مثل هذه الجملة: فقدوا عزيزهم فكانت الدموع، وهذه تُسمّى كان التامة (لاحظ كلمة "تَكَوَّن المشتقة منها) والتي في المثال تُسَمّى كان الناقصة هل ترى معنى "غزيرة" مستقلًا عن كانت الدموع؟

"[كن أنت] وزيدًا [كالأخ]"

التفت في هذه إلى كلام الدكتور السامرائي في المعاني:

ونحو ذلك قولك (كن أنت وزيدا كالأخ) وذلك لأنك لو عطفت زيدًا على الضمير في (كن) لزم أن يكون زيد مأمورا

انظر كيف تكون "وزيدًا" متعلقة وموضحة إلى كلمة "كن أنت كالأخ" وهذه واو المعية, أعلم أنها أقل وضوحًا من باقي الأمثلة لكن ستريك الثراء الذي يحدثه هذا الأمر

-------

التفتوا إلى هذه الأمثلة المتفرّقة فيها التمييز والحال وقواعد نفهمها ولا نعرف اسمها وإعرابها لكنها كلها تقريبًا بمعنىً واحد فتخيل كيف تكون سهلةً هذه القواعدُ إذا ربطت بينها تختصر فصولًا في معانٍ قليلة

وقد تركت بعض الأساليب لم أتكلم عنها لئلّا أطيل كأخوات إنّ ولا النافية للجنس ومعاني الإعراب في الأفعال وهذه الأخيرة مشابهة لما في الأسماء في الرفع والنصب

----

وإذا أردت توضيح عمدة الكلام والفضلة فهذا هو المعنى:

الاسم المرفوع هو الذي تخبر عنه وبه في الجملة هو طرفا الإسناد ويسمونه عمدة الكلام وأما المنصوب فمُوَضِّحٌ لذلك

التفت إذا قلت مشى فهل تستطيع تَخَيُّل المشي دون أحد يمشي؟ يجب أن تسند المشي لأحد

وإذا قلت "قبيح" هل يمكن أن تكون هذه الصفة في الفراغ؟ بل تطلقها على أحد فتقول: "عبيد قبيح" وهذا هو الإسناد

يقول الرضي الأستراباذي في شرح الكافية:

" الرفع علم كون الاسم عمدة الكلام، ولا يكون في غير العمد، والنصب علم الفضلة في الأصل، (...) وأما الجر فعلم الإضافة أي كون الاسم مضافا إليه معنى أو لفظًا، كما في غلام زيد وحسن الوجه"

وجدت عن هذا كلامًا عند الدكتور فاضل السامرائي في معاني النحو مع ذكر الآراء الأخرى والتفت غيره لذلك .

---

التفت أيضًا إلى أن المرفوع أثقل في المعنى من المنصوب وهو كذلك في اللفظ, دائمًا حركة إعراب المرفوع تكون الأثقل، الضمة أثقل وأغلظ من الفتحة والكسرة وكذلك "الولدان" و"الولدَين" فترى أن التناسب رُوعي في الأصوات أيضًا ثقل اللفظ يتناسب مع ثقل المعنى.

وأظن أحد النحاة التفت لقضية التناسب بين الصوت والمعنى.

---

اعلم أنّ اللغة العربية كما قال ابن جني:

واعلم أن العرب تؤثر من التجانس والتشابه وحمل الفرع على الأصل

[ الخصائص باب مقاييس العربية ]

فإذا أردت تعليمها فاجعل المتعلّمين يُحِسّون بالترابطات في اللغة بين اللفظ والمعنى وبين الأساليب اللغوية واستثمر خصائص اللغة.

فاجعل التعريفات والاصطلاحات مُبَيِّنةً للأمثلة لا العكس اجعلهم يعرفون الأنماط ويشعرون بها ثم يُعلِّبون ذلك في التعاريف والاصطلاحات وانتق الأمثلة التي تلفتهم للقواعد والا تهمل معاني النحو وفروقه اللغوية وإنّ لذلك أهمية كُبرى في البلاغة يكفيك أنّ بعض العرب يكسرون قواعد الإنجليزية عن معرفة وتعمُّد ليُعبِّروا عن مرادهم في الاستفهام إذ يكسرون الترتيب في الانجليزية .

وأذكر أني وجد مقالة علمية من جامعة ماليزية تتكلم عن تعليم العربية لغير الناطقين وذكرت أن الانطلاق في الإعراب من قضية الإسناد لكن مع الأسف ضيّعتها.

---

هل قواعد العربية في الإعراب هي الصعبة؟ راجع قواعد الإعراب في الألمانيةِ إنّ اللغة العربية تتيح لك فُرَصًا لتسهيلها على المتعلمين واشتغل علماء اللغة على اكتشاف الانماط لكننا لم نستفد من كلامهم راجع منطق النحو للدكتور عبد الرحمن الحاج صالح

واستفد من الدلائل للجرجاني (وإن كان كتاب بلاغة) واسترفد من كتاب معاني النحو للسامرائي.

أرجو أنني أفدتكم