يا لَيْلَ ذِكْرَايَ الَّتِي أَبْكَتْ فَنِّي

وَتَسَلَّلَتْ كَالْوَجْدِ فِي شِرْيَانِي

قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ قَلْبِي صَامِدٌ

حَتَّى جَثَا خَجَلًا عَلَى نَدْمَانِي

يَا مَنْبَعَ الطُّهْرِ الَّذِي مَا غَابَنِي

رَغْمَ الْبُعَادِ وَقَسْوَةِ الْأَزْمَانِ

يَا ظِلَّ أَيَّامِي وَدِفْءَ طُفُولَتِي

وَسُرُوجَ أَحْلَامِي عَلَى وَجْدَانِي

زَلَّ اللِّسَانُ فَكَانَ سَهْمًا جَارِحًا

أَدْمَى الْحَنِينََ وَمَزَّقَ الْأَكْوَانِ

فَالْعُذْرُ يُبْكِينِي وَتُرْبِكُنِي الرُّؤَى

وَأَنَا أَرَاكَ بِوَجْهِكَ الْغُفْرَانِ

يَا صَفْوَةَ الْأَنْوَارِ فِي ظُلْمَائِهَا

وَرَفِيقَ رُوحِي فِي الْمَدَى الظَّمْآنِ

يَا مَنْ حَمَلْتَ عَنِ الْقُلُوبِ هُمُومَهَا

وَسَقَيْتَ صَبْرِي مِنْ نَدَى الْإِحْسَانِ

كَمْ مَرَّةٍ آوَيْتَ قَلْبِي فِي الدُّجَى

وَرَسَمْتَ فَجْرَ مُوَاسَةِ الْإِخْوَانِ

تُخْفِي وَجِيعَكَ كَيْ أَرَاكَ مُكَرَّمًا

وَتُطِيلُ صَمْتَكَ هَيْبَةَ الْكِتْمَانِ

تَسْعَى لِتُبْقِي خَافِقِي مُتَوَهِّجًا

وَتَذُوبُ أَنْتَ لِتُشْرِقَ الْأَكْوَانِ

حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ بِيَ الدُّنْيَا وَمَا

ضَاقَتْ، وَلَكِنْ ضَلَّ بِي مِيزَانِي

يَا لَيْتَ لَحْظَتَهَا كَسَرْتُ جِدَارَهَا

قَبْلَ احْتِرَاقِ لَوْعَتِي وَحَنَانِي

يَا لَيْتَ حَرْفِي مَا أَهَانَكَ لَحْظَةً

أَوْ غَابَ دِفْؤُكَ عَنْ دَمِي وَكِيَانِي

أَبْصَرْتُ فِي عَيْنَيْكَ بَحْرَ تَسَاؤُلٍ

يَمْضِي بِصَمْتِ الْعَاتِبِ الْوَلْهَانِ

فَدَنَوْتُ مِنْكَ وَكُلُّ نَبْضِي خَاشِعٌ

يَرْجُو رِضَاكَ بِصَفْحَةِ الْإِحْسَانِ

حِينَ ابْتَسَمْتَ أَحْيَيْتَنِي وَبَعَثْتَ لِي

رُوحَ الْحَيَاةِ وَسَلْوَتِي وَأَمَانِي

أَنْتَ الْأَخُ الْأَصْغَرُ لَكِنَّ الْعُلَا

أَهْدَتْكَ تَاجَ النُّبْلِ وَالْإِتْقَانِ

مِنْكَ التَّوَاضُعُ وَالْمُرُوءَةُ وَالنَّدَى

وَعَلَيْكَ نُورُ الصَّفْحِ وَالْإِحْسَانِ

عَلَّمْتَنِي أَنَّ الْقُلُوبَ مُنِيرَةٌ

إِنْ جَادَ فِيهَا الصَّفْحُ بِالْإِيمَانِ

فَخَشَعْتُ مِنْكَ وَقُلْتُ فِي هَمْسِ الرَّجَا

يَا نَبْعَ عُمْرِي فَاسْتَفِقْ وَجْدَانِي

كَمْ مِنْ نَبِيٍّ فِي السَّمَاحِ مَقَامُهُ

وَسَمَا بِهِ خُلُقٌ مِنَ الرَّحْمَنِ

يَا مَنْ إِذَا ضَاقَ الرَّجَاءُ بِمَدْمَعِي

كُنْتَ الرَّجَاءَ وَنَفْحَةَ الْإِيمَانِ

سَتَظَلُّ فِي قَلْبِي مُقِيمًا شَامِخًا

مَا لَاحَ فَجْرٌ أَوْ بَدَا تِبْيَانِي

يَا مَنْبَعَ الطُّهْرِ فِي لَيَالِي وَحْشَتِي

وَسِرَاجَ رُوحِي فِي دُجَى الْأَحْزَانِ

إِنْ كَانَ فِي حَرْفِي انْحِنَاءُ نَدَامَةٍ

فَبِكَ اسْتَقَامَ الْحَرْفُ فِي تِبْيَانِي

مَا عَادَ يَجِفُّ الْوُدُّ بَيْنَ قُلُوبِنَا

فَالْحُبُّ عَهْدٌ صَادِقُ الْأَرْكَانِ

سَتَظَلُّ فِي عُمْقِ الْفُؤَادِ حِكَايَةً

تُرْوَى إِذَا ضَاقَ الْمَدَى بِأَمَانِي

عِمَادُ قَلْبِي، والعماد هو الثرى

إِنْ غَابَ عَنِّي ضَاعَ لِي عُنْوَانِي

وَسَأَكْتُبُ التَّارِيخَ عَنْكَ مُـمَجَّدًا

يَا مَنْ صَفَحْتَ بِبَهْجَةِ الْإِنْسَانِ