هذا هلال الصوم من رمضان

بالأفق بان فلا تكن بالواني

وافاك ضيفا فالتزم تعظيمه

واجعل قراه قراءة القرآن

....

مرحباً يا رفاق، رمضان مبارك وتقبل الله منّا ومنكم جميعًا صالح الأعمال والطاعات وكتبنا فيه من الفائزين برضاه.

أعلم أنه قد طال بنا الأمد منذ لقائنا في الجلسة الشعرية الأخيرة، ولكن الحق أقول بأنّ العنوان جاهز منذ أيام ينتظر أن أركّب الكلمات لأنشئ محتوى المساهمة المنتظرة، ولثقل الموضوع وتفرعه آثرت أن أغوص وأستزيد في القراءة في موضوعنا حتى لا أقَع في التفريط غير المنصف، ولكن دعنا نتناول الأمر ببساطةِ مناقشةٍ بين أخلّاء، دون غلوّ وتكلّف، فلست هنا أحدّثكم بلسان الشاعرة أو الناقدة، بل المستأنسة بالشعر لا أكثر، وبالتالي أرحّب بإضافاتكم المميزة وآرائكم بكل تأكيد.

-في الواقع ما زلت محتارة في شكل المساهمة، فهل أكتفي برأيي أم أعرض القولين وأنأى بنفسي، أو أزاوج بين الإثنين ولكن لنرى ما ستؤول إليه الأمور في النهاية..-

موضوع مساهمتنا لليوم هو نقاش أدبي لا يكاد يُغلق حتى يُستأنف من جديد وتصطدم فيه الآراء والأقوال، وهو تطور الشعر عبر العصور أو كما يعبر عنه البعض باستبدال كلمة "تطور" بـ "انحدارفمن سيحوز وسام الأفضلية.. الشعر المتأخر أم المتقدم؟ وهل كما يقال أن أشعر الشعر وأجزله وأقواه لفظًا ومعنىً هو الشعر الجاهلي؟

في البدء لابد أن أعرج إلى نقطة أن الشعر ليس قسمان فقط (الجاهلي والحديث) كما يتناول البعض عند عقد المقارنات، ولكن لكل زمن شعره وألوانه، فيوجد الجاهلي والمخضرم والإسلامي والأندلسي والعباسي وغيرها وصولاً إلى الشعر الحر الحديث، ولكلٌّ رواده، ولكلٍّ ألوانه وقوالبه.

ولكن لنعقد المقارنة بين الجاهلي والمعاصر فقط، دون التطرق إلى ما بينهما، فماذا يقول أنصار الجاهلي؟

يمتاز الشعر الجاهلي بلغته القديمة الرصينة وتشبيهاته القوية، التي قد تكون اليوم بلغة العربي المعاصر صعبة التعاطي والفهم، ولكنها لمن يتبحر فيها تشكل أعماقاً سحيقة من محيطات اللغة تضيف إليه ثراءً لغوياً غير مسبوق، بل إن البعض يستعين به في التقوّي اللغوي لدراسة تفسير القرآن وعلوم الدين.

ففي الموسوعة الفقهية 26/115:" قال جمهور الفقهاء : فقد يكون فرضا كما نقل ابن عابدين عن الشهاب الخفاجي قال : معرفة شعر أهل الجاهلية والمخضرمين ( وهم من أدرك الجاهلية والإسلام ) والإسلاميين رواية ودراية فرض كفاية عند فقهاء الإسلام ؛ لأن به تثبت قواعد العربية التي بها يعلم الكتاب والسنة المتوقف على معرفتهما الأحكام التي يتميز بها الحلال من الحرام ، وكلامهم وإن جاز فيه الخطأ في المعاني فلا يجوز فيه الخطأ في الألفاظ وتركيب المباني. انتهى.

وربما اتّهم أنصار هذا العصر الشعري الشعر المعاصر -متضمناً الشعر الحر أو النثري- بالوهن اللغوي والتعبيري، والتأثر بالآداب الأجنبية تأثرًا مخلّاً بالهوية العربية في بعض الأحيان، وذهاب مذهبٍ من الشعراء المعاصرين إلى التحرر المفرط في النظم الشعري يجعلنا نبكي على أطلال الشعراء السابقين من هول ما نرى -بالطبع لا نعمم هنا-.

وَتَنوفَةٍ حَرداءَ مُهلِكَةٍ

جاوَرتُها بِنَجائِبٍ فُتلِ

فَيَبِتنَ يَنهَسنَ الجَبوبَ بِها

وَأَبيتُ مُرتَفِقاً عَلى رَحلِ

مُتَوَسِّداً عَضباً مَضارِبُهُ

في مَتنِهِ كَمَدَبَّةِ النَملِ

امرؤ القيس

ماذا يقول المدافعين عن الشعر الحديث بالمقابل؟ يعوّلون بشدة على صدق وعمق العاطفة المنبثقة من قلم الشاعر، وفي ذلك لا تهم القوالب والشكليات، ولا التقيّد بالقواعد اللغوية والشعرية القديمة التي تقوّض حرية الشاعر، فالشاعر في مساحته حرّ كفنّان أمام لوحته، لا يملي عليه أحدٌ شيئًا، وقد يُتهَم الشعر الجاهلي هنا بالجمود والصعوبة غير المشتهاة ولا اللائقة بعصرنا.

اقتبس من كتاب قضايا الشعر المعاصر دفاعًا عن ضربٍ حديثٍ من ضروب الشعر:

فإن هذا الشعر يعتمد على طاقته فحسب، لا على صنعة أو بَهْرَج أو موسيقى، وهو برهان على صدقية ما نادينا به من قديم عن كفاية اللغة العربية لخدمة الشعر المتجرد مثل كفايتها لخدمة الشعر المتدثِّر بالأزياء الجذابة من موسيقى وألوان وأضواء وظلال، فالشعر شعر في أية لغة بأحاسيسه وارتعاشاته وومضاته وخيالاته، وبحقائقه الأزلية ومثالياته.

لـو ملكـنا بقيـةً من إباءٍ

لانتخـينا.. لكـننا جـبناء

يا عصـور المعلـقات مللن

ومن الجسـم قد يمل الرداء

نصف أشعارنا نقوشٌ ومـاذ

ينفع النقش حين يهوي البناء؟

نزار قباني

هنا ليس بالضرورة أنني أثبت ادعاءاتي على الفريقين، ولكنني حاولت صياغة الرأيين كمرافعة بناءً على ما اطّلعت عليه من آراء وأقوال من مصادر متفرقة حول الموضوع، ولا يزال محط سجال، وربما يكون في بعض أحيانه اختلافاً ذوقياً بين من يميل إلى شعر معين ويفضله على حساب آخر والعكس، دون الخوض في نقاشات طائلة.

وهنا أنهي دوري في جلستي الشعرية لأسلمّكم ما تبقى منها لتشاركوني آرائكم ورؤاكم، ولا أمانع بقليل من الشعر للسحور!