يقول الشافعي : 

جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ 
وَإنْ كانت تُغصّصُنِي بِرِيقِي 
وَمَا شُكْرِي لهَا حمْداً وَلَكِن 
عرفتُ بها عدوّي من صديقي

كلنا نكره الشدائد ونتمنى حياة صافية من الهموم، ربما ستقول ومن هو المجنون الذي يحب أن يحظى بحياة تملؤها الصعاب؟ولكن الشافعي أتانا برأي آخر، رأي صاغه في أبيات شعرية تكشف لنا عن إحدى إيجابيات الشدائد في حياتنا، نعم هي كما قرأت إيجابية الشدائد .

كيف يمكن للمرء النظر إلى الشدائد بإيجابية ؟

إن كل ما يمرّ بنا من تجارب مهما اختلفت صعوباتها في هذه الحياة تشكّل لنا مخزون خبرتنا وما نحتاجه من الدروس والعبر، وبلغة الشعر يخاطب الشافعي الشدائد شاكراً إياها على الميزة التي تحصل عليها بفضلها، فقد كشفت له من هو صادق في صداقته ومن هو مبطن عداوته في جوفه ومتوشح كصديق مؤقت، فيقال يعرف الصديق بموقفه في أوقات الشدة، فكم من عدوّ عددناه خليلاً فأرسل الله لنا مصيبة تبدي لنا زيفه، فتراه ينسحب تاركاً إيانا نجابه كارثتنا بمفردنا، وربما تراه ينضم إلى جموع الشامتين بسقوطنا !

دعني أشبه هذه التجربة المريرة بذلك الدواء الحنظل الذي ما إن أتجرعه حتى يتطهر جسمي من الأسقام، وكذلك هي النوائب تطهرني من الزوائد البشرية السامة في حياتي، فأعود من بعدها خفيفة الروح مطمئنة، ولن أحصل على هذه النتيجة طبعاً إلا بعد فترة نقاهة قد تكون مرهقة إلى حد ما ولكن نتيجة كهذه تستحق مني العناء .

يقول محمود سامي البارودي :

غِبْتُمْ فَأَظْلَمَ يَوْمِي بَعْدَ فُرْقَتِكُمْ
وَسَاءَ صُنْعُ اللَّيَالِي بَعْدَ إِجْمَالِ
قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُنِي مِنْكُمْ عَلَى ثِقَةٍ
حَتَّى مُنِيتُ بِمَا لَمْ يَجْرِ فِي بَالِي
لَمْ أَجْنِ فِي الْحُبِّ ذَنْبَاً أَسْتَحِقُّ بِهِ
عَتْبَاً وَلَكِنَّهَا تَحْرِيفُ أَقْوَالِ
وَمَنْ أَطَاعَ رُوَاةَ السُّوءِ نَفَّرَهُ
عَنِ الصَّدِيقِ سَمَاعُ الْقِيلِ وَالْقَالِ
أَدْهَى الْمَصَائِبِ غَدْرٌ قَبْلَهُ ثِقَةٌ
وَأَقْبَحُ الظُّلْمِ صَدٌّ بَعْدَ إِقْبَالِ

شاركونا تجاربكم.. هل مررتم بتلك التجربة المريرة التي كشفت لكم الوجوه الحقيقية لمن كانواْ لكم أصحاباً و أحباب ؟