المطارد يصبح مطاردًا
كان عشرون من قادة الحرس الملكي يقفون في صفوف متراصة، ومعهم أفضل شرطي في مدينة الموتى، إدريس. كانت الأجواء مشحونة بالتوتر والقلق، وأشعة الشمس الأولى بدأت تخترق الظلام، ملقية بظلال طويلة وغامضة على الأرض.
تساءل إدريس بصوت منخفض، محاولاً فهم الوضع: "لماذا يوجد هذا العدد الكبير من القادة هنا؟ ماذا حدث حتى تأتوا جميعًا؟" كانت عيناه تلمعان بالفضول والترقب، وهو ينظر إلى الوجوه الحازمة من حوله.
رد عليه أحد القادة بصوت جاف، محاولاً إخفاء استغرابه: "لقد تم أمرنا من الملك بالقدوم إلى هنا للقبض على أي شخص بالقرب من منطقة المنازل العشر الملعونة، دون أن نعلم السبب." كان القائد يبدو حازماً، يتلفت حوله بحذر وترقب.
ثم قطع جبار الصمت بصوت مهدد، وكانت عيناه تضيقان بغضب: "فلتصمتوا جميعًا، وابحثوا وراقبوا المكان. فشل هذه المهمة سيكلفنا جميعًا حياتنا." كان صوته قوياً وحازماً، مما جعل الجميع يشعرون بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم.
بينما كان إدريس ينظر بتركيز نحو الغابة المعتمة، لاحظ كيف تسقط أشعة الشمس المتسللة برفق على أغصان الأشجار، تنير المنطقة بشكل متقطع. في لحظة من هذا الضوء، ظهرت معالم شخص ما من داخل الغابة بوضوح أكبر، وكأن الشمس كشفت عنه بطريقة غامضة ومثيرة. تمكن إدريس من رؤية بعض التفاصيل التي أظهرتها هذه الأشعة الشمسية المتسللة، مما زاد من حالة التوتر والترقب بين القادة المتجمعين.
هذه اللمحة السريعة أشعلت القلق والحذر بينهم، مؤكدة على أنهم في موقف حرج وأن أية خطأ قد يكلفهم غالياً. وهو ينادي على المأمور قائلاً: "يا سيدي، هناك شخص داخل الغابة." كان صوته يحمل مزيجاً من الحذر والترقب.
جبار، وقد احتدت ملامحه وتجهم وجهه، صرخ بصوت غاضب: "ماذا تنتظر أيها اللعين؟ اقبض عليه فورًا! وليساعده الجميع. وأنت،" مشيرًا إلى أحد القادة، "اذهب إلى سجن الجوع والخوف." كانت أوامره صارمة وحاسمة، لا تقبل التردد أو النقاش.
رد القائد بسرعة، وهو يضرب بقدمه على الأرض بإذعان: "حسناً يا سيدي." انطلق فوراً لتنفيذ الأوامر، والعزيمة تملأ قلبه حول ما سيحدث في الساعات القادمة.
لاحظ ميدوس أن هناك مجموعة من الحرس والشرطة تركض باتجاهه بسرعة. نظر إلى الوراء وتذكر ما حدث له، ثم التفت مرة أخرى إلى الأمام وبدأ في الركض باتجاه الشوارع المزدحمة. خلفه، كان الحراس يتقدمون بخطوات ثابتة، كل منهم يفكر بأنه لا يجب أن يموت هذا اليوم، وأنه يجب عليهم القبض على هذا "اللعين".
استغل ميدوس الازدحام الكثيف في الشوارع ليتخفى بين الناس، وهو يتساءل في داخله: "أنا لم أفعل شيئًا ليستحق كل هذا."
ظل يسرع حتى خرج من الازدحام، وهو يصرخ: "لماذا تطاردونني؟ أنا لم أفعل سوى أن أخذت قطعة خبز."
استمر الحراس في مطاردته دون أن يردوا على صرخاته. وفي نهاية الزقاق، وجد إدريس ينتظره. عندما نظر إليه ميدوس، شعر بسهم مسموم يخترق قدمه، مما أوقف حركته فجأة. سقط جسده على ركبتيه، ثم على وجهه ببطء.
اقترب إدريس بابتسامة ساخرة وسأل: "أتعتقد أن رأسك يساوي رؤوسنا جميعًا؟ ماذا فعلت أيها اللعين القذر لتجعلنا نتلقى أوامر لمطاردتك؟"
تم تقييد ميدوس بسلاسل حديدية، واستبدل إدريس نعله بنعل مغطى بأشواك الورود الحمراء. بينما حمل إدريس العصا التي كانت معه، وأدخلها مع ميدوس إلى عربته الخاصة، كما أمره الملك. جبار تحدث بصوت مليء بالازدراء: "فلتذهب يا قائد الحرس فارس إلى القلعة الآن كما هو متفق."
رد فارس بتسليم: "نعم، سيدي."
غادر فارس معه متجهًا نحو شاطئ مدينة الموتى، حيث كانت المياه صافية والأكواخ جميلة. الغابة المجاورة للشاطئ زادت من جمال المكان، حيث تحلق الطيور في سمائه، وتخرج الحيتان من المياه لتشكل أقواس قزح صغيرة.
أوقف عربته أمام الغابة، ثم نزل منها وفتح الباب ليسحب ميدوس من سلاسله إلى الخارج، ثم أدخله إلى داخل الغابة. وسط هدوء الطبيعة المحيطة بهما، كانت أصوات الطيور وضجيج أوراق الأشجار المتساقطة. بينما كانت الأشجار ترسم أشكالها الظليلة على الأرض، شعر ميدوس بالخوف والترقب حيال مصيره المجهول داخل هذا اللغز الذي لا ينتهي.
في قلب الغابة، وجدوا شخصًا يرتدي رداءً أسود يغطي وجهه، وكان الصمت يخيم على كل شيء حولهم. الأشجار الضخمة تمتد أغصانها فوقهم مثل ذراعي عملاقة تحاول أن تغلق السماء عنهم. تناغم الأضواء والظلال يخلق تناغمًا مخيفًا يعكس حالة التوتر والخوف التي تسود الفضاء.
بصوت قوي، قال الشخص ذو الرداء الأسود: "اترك الملك في سلامه، وإلا..."
بغضب، رد فارس: "من أنت وكيف علمت بمكاننا؟"
رفع فارس مسدسه امامه وأطلق النار، لكن الرصاصات اخترقت جسمه كأنها شبح. تناثر العرق على جسده البارد المليء بالخوف. بدأ ميدوس يركض عبر الغابة المظلمة التي بدأت تتوسع حوله، وازدادت كثافة الضباب كلما ابتعد عن مركز الغابة. عينه بحثت عن مخرج، بينما تساقطت أوراق الشجر في غير وقتها، مما زاد من توتره.
تساءل بصوت متقطع: "ماذا فعلت لأستحق هذا؟ لم أكن أرغب يومًا في أن أكون حارسًا للملك. لماذا أنا الآن مُطارد؟"
أكمل ركضه وهو يبكي ويصرخ: "ليتني لم أصدق أن حارس الملك لا يقوم سوى بحماية الملك. كانت كذبة!"
في الظلام والضباب الكثيف، سقط على وجهه بسبب جذر شجرة كبيرة في أطراف الغابة. رفع رأسه ليجد نفسه أمام شخص غامض، ورفعه الشخص ذو الرداء بسهولة في الهواء. قال بسخرية: "اصرخ ما شئت، فأنت الآن تحت سيطرتي منذ أن وصلت هنا، ولن يسمع أحد صوتك خارج حدود سلطتي."
ثم رمى جسده بعيدًا إلى العربة، ونطق ببعض الكلمات الغامضة التي جعلت ميدوس يختفي أمام أعينه، ثم عاد ليتوقف أمامه ويحرره من القيود. أعطاه دواءً غريبًا قائلا بصوت هادئ: "سنلتقي مرة أخرى، عندما تكتشف حقيقة قوتك وتستعيد روحك."
اختفى هو وميدوس من الغابة، وظهر ميدوس في العربة بجوار فارس، الذي توجه نحو السجن، وركب الشخص ذو الرداء الأسود معهم. وفيما يسير السجن، تسلل ذو الرداء الأسود إلى السماء قائلاً: "عودة المدمر حانت. لقد ولد الجسد الأمثل اخيرا يا سيدي،
ومن ثم يختفي فى السماء."
الجزء الاول
الجزء الثاني