الحلقة الأولى: البداية المرهقة

في إحدى قرى عجلون، تلك الجنة الخضراء التي تعانقها الجبال وترويها الينابيع، ولد شاب يدعى سامر. كان سامر ابنا لأسرة صغيرة تشبه شجرة زيتون صامدة رغم عواصف الحياة. فقد والده وهو لم يمشِ بعد، ليتركه رضيعا في مهد من الحزن، وأسرته بين أمواج القدر تتقاذفهم الحياة.

والدته دلال، امرأة كأنها سنديانة الجبال، متجذرة في الأرض وعصية على الانكسار. حملت على عاتقها مسؤولية تربية سامر وأخيه الأكبر عبدالله وثلاث شقيقات هن مريم، وسلام، وهناء. كانت تكافح كمن يحفر في صخر الحياة، تحاول أن توفر لهم قوت يومهم وكرامتهم دون أن تمد يدها لأحد.

كبر سامر وسط هذه المشقة، وكانت الأيام تصقل روحه كصقل الحجر الكريم. حين بلغ الثامنة عشرة، كان قد تعلم معنى الكفاح على يد والدته التي لم تشعره يوما بضعفها، رغم أن الزمن كان ينهش ملامحها كريح عاتية تخلف آثارها على الجدران العتيقة.

ذات صباح بارد، والضباب يلف جبال عجلون، جاء لسامر خبر استدعائه للجيش. كان عليه أن يلتحق بالخدمة العسكرية في الزرقاء. المشهد في ذلك اليوم لا يُنسى ، وقفت أمه أمامه تحمل حقيبته، ويداها ترتجفان، لا من البرد، بل من خوفها عليه.

يا بني، أنت سندي بعد الله ، اعتن بنفسك ولا تنسَ أننا ننتظرك كل يوم. كانت كلماتها كأنها وشم على قلبه، وحين ضمته إلى صدرها شعر بدفء لا يعرفه سوى الأيتام الذين يجدون أمانهم الوحيد في أحضان أمهاتهم.

في طريقه إلى الزرقاء، كان قلبه مثقلا كجبل عجلون. مرت الحافلة عبر المفرق، حيث تلتقي القرى والطرق كأنها شرايين تربط جسد الأرض هناك التقى لأول مرة بزملائه المجندين، كل منهم يحمل قصته الخاصة، لكن سامر شعر أنهم جميعا يشتركون في شيء واحد،،، ثقل الحياة.

وصل سامر إلى معسكر التدريب، حيث الحياة كانت مختلفة تماما. النظام الصارم والأوامر العالية الصوت جعلته يشعر كأنه في عالم آخر. كان يقف في ساحة التدريب، والعرق يتصبب من جبينه، لكنه كان يتذكر نظرات أمه وهي تحثه على الصمود.

في كل ليلة، كان ينظر إلى السماء ويتخيلها تطل عليه من نافذة بيتهم في عجلون، تدعو له بصوت خافت. وداخل تلك اللحظات، كان يجد عزاءه وقوته.

يتبع