وداعا ديسمبر

كانت مستلقية على السرير ، قبل ان تقفز فجأة كالمذعورة وتذهب للمطبخ

-مابك يا امرأة

-لقد نسيت أن أغطي قطعة كعكة الفانيلا

- تبدين حريصة أكثر هذا الأيام على فعل ذلك ، لطالما كنت أنا من ينبهك للأمر .

لقد سمعت في اليوتوب أن الوباء المذكور في الحديث الكريم ربما يقع هذه الأيام بين الخامس عشر من ديسمبر و الاول من يناير ..

- ظننتك متعلمة وذكية ، وهل من ذكر ذلك علماء السنة وأئمة موثوقون أم من ؟

لا ، بل صناع محتوى عاديون .

الحديث الشريف معروف ، ولم يذكر نبينا محمد(صلى الله عليه وسلم) اليوم بالضبط

ويجب أن تلتزمي بما ماجاء فيه طيلة السنة وليس لأيام محددة ، ثم ليس كل من يفتي فقيه أو عالم فاانتبهي ، لا تكوني مستهترة !

الحقيقة أشعر برعب هذه الليالي ، وأشعر دوما أن شبحا ما خلفي ، كأني أحمل كيس رمل على ظهري فأعجز عن الذهاب بآمان لغرفة الصغار أو الحمام.. كأن أحدا ما يطاردني ..

-تعقلي ، هذه من وساوس الشيطان ،ووساوس المواقع الغبية التي تتابعينها ، لاتقعي في فخها الملعون . .

-حدسي يخبرني أن أمرا شريرا سيحصل ...

-توقفي عن التطير ، تفاءلي خيرا و استغفري الله

-استغفر الله وأتوب إليه ، يارب رحمتك وعفوك.

-أطفيء الان النار ودعينا ننام

-لاتقل لي تركت النار مشتعلة سيحرقنا الجن !

-لاحول ولاقوة إلا بالله لقد جننتني ، أخطأت الكلمة أقصد النور وليس النار .

مرت ثلاثة ليالي من ديسمبر ،كل ليلة يزداد رعبها أكثر ، لقد رأت وجها مخيفا يطل من النافذة ، لقد سمعت صوت همهمة شيطانية ، حين سألها زوجها :وكيف عرفت انها شيطانية ، هل عاشرت الشياطين من قبل وتعرفين لغتهم ؟

لا ، لكن مثل الأصوات المخيفة في أفلام الرعب ...

ذلك الشغف بالليل وسحره ، والسمر مع أفراد العائلة ،تحول لحالة إعلان طوارىء ليلي , على الكل أن ينام باكرا ، حتى المطبخ أوصدته بالمفتاح ، وخبأته عن الجميع ...

رغم عدم اقتناعها أن ليلة الوباء ستكون في ديسمبر ،إلا أن جزء من عقلها

نجح في مناورتها وتبرير جنونها ،كانت تسأل نفسها وتجيب في نفس الوقت :

-ثم ألا ترين أن المزارع في هذه الفترة أيضا يحرص على أن يغطي محصوله ؟

-لكن ذلك حماية لها من الصقيع ،وليس من الجن ؟

-طيب لكن ممكن أن يستغل مشعوذ هذا الديسمبر ويرسل شيطانا كي يضع لنا سحرا ما أو تعويذة في إناء أو شربة ماء ؟

-لماذا ينتظر مشعوذك الأبله شهر ديسمبر بالذات ، هل ليحصل حسومات وتخفيضات من اصدقاءنا في عالم الجن ؟ ولماذا يتكبدون عناء البرد ليسحروا حضرتك ؟

-لا ، لن يكون هناك أي عناء ، هناك الجن الطيار ، سريع جدا !

-ليس كل الجن أشرارا!

انت تخلطين بين الجن والشياطين ،ركزي ....

هكذا كانت تمضي أيامها في حوارات سخيفة

وأوهام عجيبة ،وكلما انتصر إيمانها على خوفها عاد الرعب ليسيطر عليها فتتشبث به ،تشبث الغريق بحبل هواء وسط محيط في ليلة عاصفة ظلماء ، كانت تحاول القضاء على الخوف بالتمسك بالرعب ، وهذا لعمري أمر عجيب .

وسط دهشة عائلتهاالصغيرة من تبدل حالها ، وكيف أنها كانت تستجديهم بدموعها الحارة ، كي يتفهموا موقفها ، مرت الأيام بل الليالي ثقيلة جدا

طويلة كأنها لاتنتهي ، حتى كانت الليلة الأخيرة

ويحل بعدها العام الجديد ، أخيرا سيرحل ديسمبر ، لقد عادت لرشدها ، حتى أنها سمحت لزوجها بالسفر لأجل العمل ، قائلة :

لا تقلق لقد مضى الكابوس ، لم أعد خائفة ،

كانت مرحلة جنون ولقد شفيت تماما ، وضحكت .

دخلت غرفة صغارها ، لتطمئن عليهم ، الساعة تقترب من منتصف الليل ، فلتمضي دون وداع يا ديسمبر هكذا خاطبته ، تفقدت المطبخ كل شيء على ما يرام ، كل الأواني مغطاة ، دخلت لغرفتها

وهناك في الزواية لمحته كان قزما له قرنان طويلان ...أقدامه تشبه حوافر الماعز

شعره أسود كثيف له حدبة مخيفة

انتبه لها ، نظر صوبها ، كان يحمل أسنانها الإصطناعية ، لقد نسيت أن تغطي الإناء الذي وضعتها فيه ، في اللحظة التي وضع فيها الكائن المرعب الأسنان في فمه ، كانت قد سقطت مغشيا عليها دون أن تنطق بحرف .

تمت