جالس على كرسيه، ناظرا صوب النافذة ، واضعا قدم على قدم، ممسك بفنجانه الخاص دُون عليه"ملاك الرحمة"، يأخذ رشفة ثم نفس من سجياره، دُق الباب، بصوت جهور:

-ادخل.

-صباح الخير دكتور.

بحركة دائرية التف إلى الطارق.

-صباح النور، تفضل.

وضع سجياره، ثم أردف قائلا:

-علمت من الأمس رغبتك الشديدة بلقائى، ماذا هناك؟!

بحماس يملائه تحدث:

-لدى اقتراح أتقدم به إلى إدارة المشفى؛سيكون عونا للمرضى.

ثم قدم له الملف الذى حوى الدراسة.

بطريقة باردة أخذه و وضعه بجواره، وبنظرة ثاقبة قال له:

-أهذا الذى جعلك متشوق للقائى؟

-نعم؛ انت المسؤل هنا؛ فلمن سأقدم إقتراحى إذن؟

ضحك بغرور ثم قال.

-إنك بهذا الفكر لن تتقدم أبدا، انظر من حولك، زميلك أصبح اليوم رئيس للوحدة ، أتظنه تقدم بهذا الفكر؛ عونا للمرضى، وأيضا المال، اللغة الرسمية الآن.

-عفوا، لا أبغى هذا النوع من التقدم لكن أريد أن أقوم بواجبى الذى لأجله خلقته، ولأجله كرمت؛ أليس الطبيب ملاك الرحمة؟! أم أنها مسميات لا صلة لها بالواقع، أفقدت معناه ولم يبقى لنا سوى حروف نتشدق به حين تدعونا الحاجة، أيوم أن فقدت معناها فى دنيانا فقدت معها الحساب يوم العرض؛ فلا ضير علينا إذن، أم أنها لقيام الساعة ستظل تحمل المعنى وتحينا كل حين.

أمسك مجه وارتشف بعضا منه، ونظر له بتعجب

-ما زلت غارقا فى عالم الفضيلة هذا، انظر من حولك الواقع غير ذلك.

-الواقع غير ذلك؛ لأن أمثالنا أمسك المصباح وبدل من أن ينير به لغيره اكتفى بالنفع منه وحده، اكتفى لإشباع رغباته، يلهث خلف مسميات تزول ولا تبقى، حتى كاد المصباح أن ينطفئ، ولا يبقى سوى ظلمات، نتخبط فيها على غير هدى؛ هذا الواقع كان عهدا علينا أن نغيره لا أن نتغير لنسايره.

نظر له نظرة غضب ثم أمسك الملف ورفعه مشاور به:

-حسنا هذا الاقتراح، سأنظره ، تفضل إلى عملك الآن.

خرج من عنده ورغم يقينه أنه لن ينظر إليه، إلا أنه شعر بقوة لم يكن ليشعر بها حين يطبق لسانه عن قول حقِ أو اقتراح منفعة، ظنا منه أن السلامة فى الصمت، لكن بعض الصمت يكون ذلا وخنوعا .

#منى_مهير