كعادتي وكعادة كل من يستخدم المواقع الإلكترونية، عندما ينتهي رصيد البيانات، أول وجهة نتجه نحوها هي تنظيف ألبومات الصور، بدأت بذلك وإذا بي أصادف صورا لي قبل ثلاث وأربع سنوات مع صديقاتي في أيام الثانوية التأهيلية وأطلت النظر في هاته الصور بالذات، فرغبت في مشاركة قصة من قصصنا العظيمة.

كنا ندرس بمكان يبعد عن منازلنا بعشرات الكيلومترات، وبالتأكيد كنا كمعظم التلميذات نقضي أيام الدراسة في دار للطالبة وكانت هاته الرحلة في أسني بالضبط، شكلنا مجموعة تتكون من فتيات منطقتنا كلنا بأعمار متقاربة وندرس في نفس المستوى.في السنة الأخيرة لنا في ذلك المكان، وبالضبط هذا اليوم الذي التقطت فيه هاته الصورة، يوم السبت ويوم السوق الأسبوعي بالمنطقة، بالاضافة إلى أنه يوم العودة للمنزل لقضاء عطلة آخر الأسبوع.يقفل باب الملجأ بعد تناول طعام الغداء، ونتجه برحلينا نحو الدا موح المشهور رجل صالح بلغ من الكبر عتيا، طويل ضخم الجثة، ذو بشرة بيضاء بلحية بيضاء تدل على وقاره، يغطي رأسه طربوش قلما يغيره بثان لا غنى عنه، و يلبس جلباب بني مصنوع من الصوف فهو الوحيد الذي له القدرة على تحمل قُرّ تلك المنطقة. له دكان أمام الثانوية، يساعده فيه ابنه حقا كان رجلا طيبا لم يستأ أبداً من متاعنا الذي يغطي أرضية متجره يومي الإثنين صباحا والسبت زوالا.

ذلك اليوم اجتمعنا واتفقنا أننا لن نخرج من حديقة هذا المكان حتى يحضر النقل المدرسي في السادسة مساءً. فنحن نشعر بالظلم من هاته المعاملة، إذ أننا نبقى جليسات الشمس كل تلك الساعات، والبعض يمضيها في التجول في السوق، بينما أخريات يحضرن دروسهن في المؤسسة.بما أن الثانوية لا تغلق أبوابها حتى السادسة، فهؤلاء أيضاً ملزمون على ترك الأبواب مفتوحة إلى ذلك الحين. اتفقنا على ذلك وعزمنا على الصمود مهما كانت النتائج، فهذا اليوم آخر يوم لتلك القوانين المجحفة. بعد تناول الطعام توجهنا جميعا إلى الحديقة وجلسنا نتشاور ما سيقال، بعد ساعة من ذلك لاحضت مؤطرة أننا لم نخرج كعادتنا، فدخلت إلى المطبخ تخبر النساء المكلفات بالطبخ والتنظيف. انتهين من عملهن ثم أغلقن الباب الكبير المؤدي إلى داخل القاعات، وطلبت منا أن نخرج فهي تريد إغلاق باب الحديقة.نطقنا ما كنا نكتمه قلت : نحن نريد البقاء هنا فالمكان آمن وفيه الظل لنحتمي من حرارة الشمس وبرد الرياح سنغلقه نحن لا عليك. بعد وصول النقل المدرسي ويحين وقد مغادرتنا سأتأكد بنفسي من أنه مغلق، وقالت الفتيات نعم هذا ما اتفقنا عليه أجابت:هذا غير ممكن نحن نغلق هذا الباب منذ سنوات مع الواحدة والنصف بعد الظهر، وهي قوانين المدير وأنا لا يمكنني الجلوس وانتظاركن متى تغادرن، فأنا لن أجد من يقلني إلى مراكش في ذلك الوقت. أثار كلامها غضبنا جميعاً ثم قالت إحدانا: هذا خارج عن إرادتنا أيضاً فهذه السنة استثناءا أصبحنا ندرس في زوال السبت، نحن ندرس في الثانوية ونسكن هنا ما دخل الداموح في هذا؟ كل صباح وكل مساء نذهب إليه ونردد نفس الجملة هل يمكننا أن نضع عندك حقائبنا حتى يصل من يقلنا؟ قانونيا المؤسسة لا يمكن أن تغلق أبوابها قبل انتهاء حصص الدروس، نحن لم نطلب شيئا سوى أننا سنجلس هنا، لا يؤذيكم ذلك وهو في نفس الوقت آمن لنا.إن لم تكوني متيقنة أننا سنقفل الباب بشكل جيد، اتصلي بالسيد سمير فهو دائماً موجود في دار الطالب، فلغلقه بنفسه ولا أحد سيتضرر. غيرت أسلوب خطابها إلى أساليب عدة من تهديد، إلتماس، سخط وموعضة... إلا أننا تشبتنا في قرارنا أننا لن نغادر مهما كلفنا الأمر.بعد أن شعرت بالتعب من المناقشة معنا،اتصلت بالحارس وأخبرته بما جرى :فتيات ثلاث نيعقوب يرفضن مغادرة الحديقة حتى تنتهي حصص الدراسة، وأخبرته باقتراحنا وقال لها سيأتي في الساعة السادسة ويغلق الباب بنفسه. سمعنا ما قال ثم أطلقنا ضحكاتنا الشريرة، وغادرت مع العاملات.شعرنا بفرحة النصر، بعد هذا توجهت الفتيات التي كن يدرسن في ذلك المساء صوب الأقسام.ثم بقينا نحن ننتظرهن ونراقب الأمتعة.جلسنا نتبادل الآراء حول مناظرتنا تلك، نعلن نصرنا ونفتخر بما صنعناه، مرت ساعة أو أقل وشعرنا بالجوع والملل. نهضت أجوب المكان وأنظر إن كان شيء ما أمام المطبخ صالح للأكل مثل الفواكه، فإذا بي أجد البطاطس والبصل فقط هما اللذان تركا خارجا للمحافظة عليه من التلف السريع، كنت سأعود أدراجي لو لم تخطر ببالي فكرة صنع"الشلاضة".سنسد بها رمق بطوننا؟ لكن لدينا البصل وحده هنا أين سنجد الطماطم والتوابل؟ وأين الطبق الذي سنصنع فيه هذا؟ طرحت ما كنت أفكر فيه على صديقاتي وأعجبتهن الفكرة، فوجبة الغداء كانت تشعر بالغثيان لا تصلح للأكل. لهذا لم يستغرق الوقت بضع دقائق من التفكير، تذكرنا أن حراس الباب في الثانوية يصنعون الأكل هناك و علاقتنا بهم كانت طيبة، فتوجهت مع اثنتان منهن إلى عبد اللطيف الحارس. قلت: السلام عليكم عبد اللطيف، من فضلك نشعر بالجوع هل يمكنك أن تعطينا حبة من الطماطم والقليل من التوابل؟ فأجاب: بالتأكيد إذهبن إلى قاعة الأساتذة وهناك ما تحتجن إليه بالكمية التي ترغبن فيها.كان الأمر كذلك فبدل القطعة جلبنا قطعتان من الطماطم والتوابل مزجناها في قطعة من البلاستيك، أما الزيت وضعناه في كأس أعدناه إليه بعد أن تناولنا الوليمة. و التي أعددناها بسكين كان دوره هو غلق الباب الذي من جهة المطبخ، لم نكترث للصدأ الذي كان فيه، فالجوع أعمى بصيرتنا، "المقلة" كانت قد اشترتها صديقتنا صباحا من السوق.أما بالنسبة للخبز، من قبل أخدنا حصتنا التي نأكلها في الغداء، كما اشترت لنا صديقة خبزتان من عند الداموح. المتفق عليه أن لذة تلك السلطة لن تنسى مهما أكلنا من طعام وأخير السلطات في حياتنا.

سعاد أيت بوزيد