استيقظت فزعة على صفير هذا الجهاز وإذ بالمؤشر صار يستقيم ، أصرخ بأعلى صوتى لعل أحدا يغثنى ؛ فها هى روحى تغادر، لحظات سيتوقف نبض القلب ، ذهبت مسرعة إلى غرفة الإستقبال استصرخ من فيها ، لا يسمعونى، بل لا يرونى ، أعود مرة أخرى إلى غرفتى ، اضغط بكل قوتى على هذا الجسد ليسترد القلب نبضه من جديد لكن بدون فائدة استقام الخط ،وتوقف النبض ،وغادرت الروح الجسد ، صرت جثة هامدة بلا حياة.

دخلت الممرضة ففزعت عندما رأت  جهاز القلب ،أسرعت لتحضر الطبيب ، جاء الطبيب ليأخذ بالسبب ،أخذ ينعش القلب لعله يجدى ، لكن تأخر الوقت ، ألم تسمعوا صراخاتى ؟ !

أرى جسدى الأن ممددا على السرير ، بينما صار بإمكانى الذهاب حيث شئت، لم أعد مقيدة بهذا الجسد ، فصرت الأن حرة .

        استيقظت من نومى فزعة، انظر إلى كل شئ حولى، أتحسسه ؛ نعم مازلت حية ، ذهبت مسرعة إلى الصالة أنادى بصوت مرتفع أبى أبى ، فوجدته ساجدا يصلى ، فاطمئن قلبى ، كان كابوس ، بعدما أنهى أبى صلاته ، سألنى ماذا هناك بنيتى ؟ ! فخانتنى عينى ووجدتنى أبكى بحرقة، فضمنى إليه _ اهدئى ،أنا معك الأن لا تخافى ، قد كان كابوس ثم وضع يده على رأسى وأخذ يتلوا أية الكرسى والمعوذتين فشعرت بالإطمئنان .

_اذهبى الآن، صل الصبح ؛ ثم مزح قائلا :تفعلين كل هذا لأحضر الفطور؛ على الرغم أنه ليس يومى ،و لكنى سأحضره لأميرتى الصغيرة .

         ذهبت إلى جامعتى وفكرى شارد مع هذا الحلم ، تسائلت ماذا لو كنت حقا هذا الجسد الذى تحررت منه الروح ، لم أكن اليوم فى المواصلات ولن أذهب إلى الجامعة .

ظهرت نتيجة الترم الأول ، أحضرتها صديقتى سعاد ، قالت لى فى أسف : إن شاء الله الترم القادم تكون امتياز، أمسكت بالنتيجة كانت تقديراتى مابين مقبول وضعيف ، فقلت لنفسى : لا باس كل شئ أستطع إدراكه فيما بعد إلا تلك الروح التى فارقتنى فى الكابوس اليوم فلن أستطع أن ادركها .

أخبرتنى أن ريم حصلت على امتياز هذا الترم وهى لا تستحق ذلك بسبب غشها وبينما نتحدث مرت ريم فابتسمت لها وقلت لها: مبارك الامتياز ، فردت بوجه قابض: عقبالك ، ذُهلت سعاد من تصرفى ، و قالت لى :يبد أنك مريضة اليوم ألم نتفق على ألا نتكلم مع ريم بالأمس أنسيت أنها رفضت أن تعطينا المذكرة  ، وأيضا تباركين لها رغم علمنا بغشها ، الحقيقة أننى لم أذكر ماذا حدث بالأمس كل ما كان يشغلنى هو مفارقتى لتلك الحياة، فقلت لسعاد ماذا لو أخبروكم اليوم أنى مت

فردت سعاد : بعد الشر عليكى،

 فسألتها ألن تحزن ريم لموتى أم سيمنعها كبريائها من الحزن ، أليس الموت يقضى على الخصام وكل ما نتصارع عليه ،فبموتنا يموت كل شئ ، صمتت سعاد لفترة ،ثم قالت: دعك من سيرة الموت الآن فأنا لا أحب الحديث فى هذا الأمر ، ثم مزحت قائلة : مازلت صغيرة ولدى الكثير لأفعله قبل الموت .

    ذهبنا سويا إلى المحاضرة ، كل شئ صار متغير فى نظرى ، أنظر إلى الأشخاص كأنهم أجساد متحركة ؛ جسم ألى مشحون بطاقة إذا نفذت تلك الطاقة سقط على الأرض كتفاحة نيوتن .

          عقب تناول العشاء مع أبى ،جلس كعادته أمام التلفاز يتابع الأخبار جلست بجواره أتأمله فى صمت ،أخذت أفكر فى تلك اللحظة وأنها لن تعود وستكون ذكرى كسابق اللحظات ، ثم شرد ذهنى وتسائلت ماذا لو فقدت أبى ؟! وبينما أنا هكذا ، قال لى أبى :أميرتى بمن شاردة فما؟!، أخبرته:فيك أبى.

فقال لى : ما بك اليوم حبيبتى ؟! ثم سألني عن النتيجة ، فأخبرته بتقديراتى ,قال ألهذالسبب أنت متضايقة وتفكرين كثيرا ، أومئت برأسى، أن ليس هذا السبب ،ثم سألته: أبى أتعجب من أهل فلسطين! يفقدون أبنائهم وأهاليهم كل يوم ويعتدى عليهم العدو ورغم كل ذاك أرى تجلد وصبرا واحتمال على هذا الألم ! أتساءل لماذا لا يغادرون المكان ويعيشون فى سلام وأمان فى بلد اخر؟! فعلى الرغم من ألم فراق الأحباب وذل الإستعمار ما زالوا يتابعون حياتهم ؟ 

     صمت أبى قليلا ثم أخذ نفس عميقا و قال لى :لو أنا وانت جالسين هنا فى الصالة وتم شفط الأكسجين فماذا سنفعل ؟ قلت له سنختنق ونموت قال قبل أن نختنق ونحن نعلم أن الصالة يشفط منها الأكسجين ، قلت سنحاول أن نبحث عن مفر لننجو بحياتنا من الموت .

فقال : لكن ماذا لو أن أحدنا لم يعد الأكسجين يكفيه فمات مختنقا ، فهل سيجلس الأخر يبكى عليه ويموت أم سيحاول أن ينجو بحياته ، قلت : فى تلك الساعة سيحاول أن ينجو بحياته ، قال هكذا يا ابنتى عندما يكون لدينا قضية نلغى أى مشاعر اخرى وهذا ليس خطأ فتلك طبيعتنا ،إحساسنا بالإختناق سيجعلنا نبحث عن سبيل لنجاة وهكذا أهل فلسطين، أرضهم بالنسبة لهم كالهواء اذا فقدوها ماتوا ولأجل أكسجين الحياة يضحون بكل غال وثمين ويواصلون حياتهم وصبرهم يا ابنتي هو صبر أمة .

  دمعت عينى وقلت له ، لكننا يا أبى نحيا الأن فى أمان ولا يشفط الأكسجين من الصالة ، فماذا سيحدث لو أن أحدنا فارق الأخر؟ !

فتبسم أبى ومسح دمعى قائلا : على الأخر أن يصبر ويواصل الحياة لأن له هدف وقضية هى بالنسبة له كالأكسجين ، فى تلك اللحظة شعرت بخوف من أن افقده فهو بالنسبة لى كل شئ جميل فى حياتى ، وبصوت حزين سألته و ما قيمة الحياة عندما نفقد من نحبهم ؟!

فشعر أبى بضعفى ووهنى ، فضمنى إليه وقال لى: أميرتى الصغيرة  نحن عباد لله واذا أحببنا فليكن حبنا ووصلنا فى الله .

سألته: كيف ذاك؟

قال : أن نحب فى الله يعنى أن نسعى لنرضى الله فى ما نحب فإذا أعطانا شكرناه وإذا أخذ منا صبرنا ، فمن الإيمان بنيتى الرضا بالقضاء والقدر، جئنا بقدر الله وسنغادر بقدر الله ، فالإعتدال بنيتى فى كل شئ ، فإن تعلقت النفس بأحد بشدة ولم تعد تراعى الله فيه ستهلك بدون شك، لأن ما دون الله إلى فناء وستبقى النفس معذبة بألم الفراق بينما الله فهو باق دائما وابدا معك ، فعلقى روحك الطاهرة صغيرتى بربك ، وكلما زاد تعلقك بالله يهون الله عليك كل فراق وكل ألم.

 يطمئن قلبى كثيرا عندما يحدثنى أبى عن الله فتركته وذهبت إلى غرفتى .

      تبعنى أبى إلى الغرفة ، وقال لى أميرتى ستنام قبل أن أحكى لها حكاية قبل النوم ، اعتاد أبى منذ الصغر أن يحضر كتاب ويقرئه لى قبل النوم ثم عقب الإنتهاء يناقشنى فيه ، فقلت له :لقد كبرت يا أبى وصار بإمكانى أن أقرأ بمفردى ،فترك لى الكتاب قائلا :حسنا حبيبتى ها هو الكتاب عندما تنهيه سنجلس لنناقشه،لن أسمح لك أن تهربى من المناقشة .

       فى الحقيقة حديث أبى اليوم أحدث فى داخلى الكثير من الأسئلة وسألت نفسى يا ترى ما هو أكسجين الحياة بالنسبة لى ؟!

#قصة_قصيرة