هل كل ما نراه او نكتشفه هو الحقيقة المطلقة؟..هل صورتنا عن الكون مثلا هى الصورة الوحيدة والمؤكدة؟..هل كل بحث علمى نص على حقيقة علمية معينة هى حقيقة علمية حتمية اكيدة؟..الاجابة على كل تلك الاسئلة هى بالطبع..لا..كل ما يكتشف فى الابحاث العلمية والعلم هى حقيقة ولكنها حقيقة نسبية لا مطلقة ..مجتزئة لا كاملة..ولكن لماذا؟..لان الحقيقة العلمية المطلقة ستظل هدفا اسمى يسعى اليه العلماء..فالنظريات والابحاث والتجارب العلمية تنقلك من درجة ادنى فى المعرفة العلمية الى درجة ارقى من سابقتها وادنى من لاحقتها..فالمعرفة العلمية مستمرة عبر الزمن والاكتشافات تزيد بمرور الوقت..وطبيعة المعرفة العلمية تتطلب اجراء التجارب والبحث على اجزاء محدودة جدا من الكون بمعزل عن بعضها البعض..دون الاحاطة بالجوانب المتصلة بموضوع التجربة والبحث والمؤثرة عليه..ولذلك فان ادراك الحقيقة المطلقة سيظل هدفا اسمى يسعى اليه العلماء بتضافر مجهوداتهم لاكتشاف حقائق ونظريات علمية جديدة..والعلم الذى نكتشفه او نصل اليه عن الكون او اى حقيقة علمية اخرى ما هو الا تصورنا عن تلك الحقائق وليس هو الكون اوالحقيقة ذاتها..ولذلك فكل حقيقة ليست نهائية ..وتحضرنى هنا كلمة تذكرتها ل(كلود برنار) يقول فيها(ان ابتعاد المعرفة عن الباحث فى اللحظة التى يظن انه قبض على زمامها هو فى الوقت نفسه سر عذابه وسعادته)...والحقيقة العلمية ليست واضحة جلية فنمسك بناصيتها فورا ولكنها دائما منغمسة فى الشبهات كما يقول الحسن بن الهيثم...فمثلا النسبية لالبرت اينشتين..عانى الكثيرون فى فهم مااراد ان يقوله اينشتين من خلالها..وفى محاولاتهم لفهم ماتفتق عنه ذهن اينشتين فى تلك السطور فى نظريتيه الخاصة والعامة..تعبوا كثيرا وذلك لانهم تعودوا على العلم القديم وبالتالى رفضوا تقبل الفكر الجديد حتى لو كان يؤدى الى فهم اعمق واوسع للكون..فلكى نفهم ونتقبل النسبية يجب ان نتجرد قليلا من الفكر التلقائى..وطريقة التفكير التى تعودنا عليها فى العلوم القديمة..اينشتين نفسه عانى قليلا فى ايصال فكره باللغة المعهودة..لكن كان الزمن كفيلا بذلك..فبمرور الزمن تقبل الناس النسبية واصبحت احد الاهرامات الراسخة فى تفسير حركة الكون والمجرات والاجرام السماوية وفهم الكون بشكل اشمل واعم..اما الحق المطلق ومصدر كل الحقائق فهو الله سبحانه وتعالى..ونحن ننطلق من هذا المفهوم للمعرفة العلمية ..الله سبحانه وتعالى هو مصدر كل الحقائق التى نعرفها من التفكير والابحاث العلمية او لا نعرفها..(وما اوتيتم من العلم الا قليلا)..وهكذا فان مايتوصل اليه الانسان من علم فى اى عصر ليس هو القانون النهائى ولكنها معرفة علمية كما قلت سابقا ارقى من سابقتها وادنى من لاحقتها فى منازل الترقى العلمى اللا نهائية..وهذا لا يعنى بالطبع ان الحقائق والافكار و القوانين العلميةالتى يستنبطها ويتوصل اليها العلماء غير صحيحة ولا يجب الاعتماد عليها..لا مطلقا ..بل يجب الاخذ بها والاعتماد عليها..فمنها الحقائق المؤكدة تجريبيا والنظريات العلمية الصحيحة..مثل تمدد المعادن بالحرارة وانكماشها بالبرودة وتكون الماء من هيدروجين واكسجين ودوران الارض والكواكب حول الشمس ونقص الضغط الجوى عند الارتفاع عن سطح الارض وغيرها...الكثير والكثير..واختم بقول اينشتين(نحن فى محاولتنا فهم الحقيقة نشبه رجلا يحاول فهم تركيب ساعة مغلقة ..وهو يرى وجهها وعقاربها المتحركة ويسمع دقاتها ولكنه لا يستطيع فتح صندوقها ..واذا كان الرجل عبقريا فانه قد يستطيع تكوين صورة للتركيب تساعد على تفسير ما يشاهده ولكنه لن يكون متاكدا باى حال من الاحوال ان هذا هو التركيب الوحيد الذى يسبب مشاهداته..ولكن من المؤكد انه يعتقد انه كلما زاد من معلوماته اصبحت الصورة التى يكونها عن الواقع بسيطة وفسرت هذه الصورةعددا اكبر من مشاهداته)....