في ليلة أشرقت فيها الأرض بنور السماء، ولد الحبيب الذي ملأ الوجود رحمة ونورا للعالمين ، ميلاده إشراقة نور سرمدي أضاء عتمة الدنيا، وبداية فصل جديد للبشرية المتعبة من الضلال والتيه .

في مكة المكرمة، حيث كان الجهل يطغى على العقول ،والظلم ينتشر بين الناس، وُلد الحبيب محمد ليكون نورا يعيد للإنسان إنسانيته. كان ميلاده رسالة إلهية ووعدا بأن الظلام مهما طال، فلا بد أن يأتي فجر يبدده.

في كل عام، ومع حلول ذكرى مولده، أتصوّر الأرض لحظة ولادته ، كيف كان ذلك اليوم؟ هل ارتجّفت القلوب فرحًا دون أن تدرك السبب في ذلك ؟ هل تزيّن الكون بنور لم يُر مثله من قبل؟ هل كان الناس من حوله يعلمون أن البشرية ستنقلب أحوالها بظهوره؟! أي حظ عظيم كان لهم حين شمّوا نسائم ولادته، ورأوا شمس بعثته! ... إنه شعور يواسي القلب، ويجبر الخاطر، وشرف لم ينله إلا من عاش في ذلك الزمن. ويا لعظمة ذلك الميلاد الذي لم يكن لأمةٍ واحدة، بل للعالمين جميعا. كان ميلاده بداية عهد الرحمة، وطريقًا جديدًا يعلّم الناس كيف يكونون بشرًا بحق، وكيف يكون إيمانهم زادا للقلوب

وُلد الرسول صلى الله عليه وسلم يتيما و حمل على كتفيه هموم البشرية كلها ، لكنه كان قويّ الروح، ثابت العزم، صادق الوعد، أمين الكلمة. وميلاده أخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الهداية، ومن عبادة الهوى والأصنام إلى عبادة رب واحد أحد.

وحين تطل ذكرى مولده كل عام، ندرك أننا بحاجة ماسة إلى استعادة ذلك النور في حياتنا. نحن بحاجة إلى أن نتذكر أن رسالته لم تكن إلا حبا ورحمة وصدقا وعدلا . لقد كان محمد صلى الله عليه و سلم يمشي بين الناس ليعلّمهم أن القوة في اللين، وأن الرفق ما دخل شيئا إلا زانه

المولد النبوي الشريف هو فرصة لنسائل أنفسنا هل حملنا نحن رسالته كما ينبغي؟ هل عكسنا شيئا من أخلاقه في تعاملاتنا اليومية؟ هل أدركنا أن الاحتفال الحقيقي لا يكون بالزينة والأناشيد وحدها، بل بصدق الاتّباع، ونقاء القلب، وصفاء النية؟

لقد كان عليه السلام قرآنا يمشي على الأرض، يترجم القيم إلى أفعال، ويجعل من السلوك مرآة للكلمة. مولده يذكرنا دائما أننا بحاجة إلى إصلاح قلوبنا، وتطهير أرواحنا، وإعادة ترتيب خطواتنا على نهجه. إنه دعوة لأن نكون رحماء كما كان، صادقين كما كان، محبين كما كان.

واليوم، نحن مدعوون لنحمل نوره فينا، لنضيء به دروبنا المظلمة، ولنكون امتدادا لذلك النور الذي لن ينطفئ بإذن الله حتى قيام الساعة...