دائمًا ما تستهوينا الأيام!، وتأخذنا المشاغل!، وتجرفنا الملهيات!، بحثًا عن ملذات عاجلة!، ثم ما نلبث أن نندم على ما ضيعنا وفرطنا في حق أنفسنا!، ذلك هو جانب الباطل في النفس، نفس نائمة لاهية تائهة في ظلمات ملهياتها!.

يا غافلًا وله في الدَّهرِ موعظةٌ ** إن كنتَ في سِنةٍ فالدَّهرُ يقظانُ

وعلى الصعيد الآخر هناك نفس مستيقظة، تحافظ على قيمتها مشغولة بما ينفعها تبحث دائمًا عما يحييها، إما في عمل، أو علم، أو تعليم، أو تطوير، أو تربية، أو تدريب، أو مسامرة في شيءٍ نافع، ذلك هو جانب الحَقِّ في النفس، نفس مستيقظة على الدوام.

لا تَركَنَنَّ إلى الدنيا وزينَتِهَا ** فالمَوْتُ لا شَكَّ يُفنِينَا ويُفنِيهَا

والفرق بين هذه وتلك هو الوجود والشعور بالذات، ففرق بين رأس وذيل، بين الثرى والثريا، بين السماء والأرض، بين الكآبة والفرح، بين الضيق والفرج.

جَلَّى رَبُّنَا هذا المعنى في آيةٍ من سورةِ طه بقوله تعالى: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)، فانظر إلى معنى كلمة (ضنك)، كيف حملت في طياتها كل معاني الضيق؟!، ضيقًا في المعيشة والرزق، ضيقًا في الصدر، ضيقًا في المعاملة، ضيقًا الدنيا بأسرها، أينما يذهب يجد الأبواب أمامه مغلقة، ينظر إلى الواقع حوله كأنه ينظر من سَمِّ الخِياط.

أما النفس الأخرى فهي نفسُ الحَقِّ النافعة، كأنها شمس ساطعة، وشجرة مثمرة، وبستان يانع، ونهر عذب، وبحر رائق، وسماء صافية، فهنيئًا لمن وطَّنَ نفسه على السعي في الحَقِّ، وقول الحَقِّ، وعمل الحَقِّ، فمن عظيم قدر الحَقِّ، سمَّى الله نفسه (الحَقّ)، قال تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ) (آية رقم 6 ؛ 62) الحج.