عُرضت عليّ دعوى مدنية عندما كنت قاضياً في المحكمة الابتدائية بنزوى بسلطنة عمان، كان مجملُها يدور حولَ مقايضة وإقالة وهبة، فكان الحكم - بفضل الله تعالى - نتاج بحثٍ في ذلك، والخلاصة أنّه "من المقرّر شرعاً وقانوناً طبقاً للمادة (355) من قانون المعاملات المدنية أنّ البيع هو عقد تمليك مال أو حق مالي مقابل ثمن نقدي، وطبقاً للمادتين (379) و(411) أنّ عقد البيع تترتّب عليه التزامات على كلٍّ من البائع والمشتري، فعلى المشتري تسليم الثمن وعلى البائع تسليم المبيع، وطبقاً للمادة (377) فإنّه يلتزم البائع بأن يقوم بكل ما هو ضروري من جانبه لنقل الملكية إلى المشتري، ومن المقرّر قانوناً طبقاً للمادة (442) أنّ: "المقايضة عقد مبادلة مال أو حق مالي بعوض غير النقود"، وطبقاً للمادة (443) أنّه: "يعتبر كل من المتقايضين بائعاً للشيء الذي قايض به ومشترياً للشيء الذي قايض عليه"، وطبقاً للمادة (446) أنّه: "تسري أحكام البيع على المقايضة فيما لا يتعارض مع طبيعتها"، ومن المقرّر شرعاً أنّ الإقالة هي ترك مبيع لبائعه بثمنه على أنها فسخ أو بغير ثمنه على أنّها بيع، وقد اختلف أهل العلم فيها؛ فقيل: هي فسخ بيع، وقيل: بيع؛ وقيل: فسخ قبل القبض وبيع بعده، (ينظر شرح النيل وشفاء العليل 17/56-58، المحلى لابن حزم 7/342)، وقد جرى قانون المعاملات المدنية على أنّ "الإقالة في حق المتعاقدين بيع، وفي حق الغير عقد جديد"، ومن المقرّر فقهاً وقانوناً طبقاً للمادة (447) من قانون المعاملات المدنية أنّ "الهبة هي عقد تمليك حق لآخر حال حياة المالك دون عوضٍ"، ومن المقرّر شرعاً أنّ أهل العلم اختلفوا في الواهب هل يصح له الرجوع في هبته أم لا؟، والمحكمة ترتضي القول بعدم جواز رجوع الواهب في هبته إلا أن يكون الواهب أباً فيما وهب لولده؛ لقول رسول الله : "لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه"، وعلى نحو هذا جرى قانون المعاملات المدنية في المادة (463) التي نصّت على أنّه "ليس للواهب أن يرجع في الهبة بعد القبض دون رضاء الموهوب له إلا أن يكون الموهوب له ولداً"، ومن المقرّر قانوناً طبقاً للمادة (465) أنّه "يمنع الرجوعَ في الهبة ما يأتي: 4-إذا كانت الهبة بعوض"، ومن المقرّر أنّ الإقرار هو إخبار الإنسان عن حقّ عليه لآخر وأنّ الإقرار حجّة على المقرّ إن صدر من كامل الأهلية مختارا غير متهم في إقراره لقوله تعالى: (ياأيُّها الذين ءامنوا كونوا قوَّامين بالقسطِ شهداءَ لله ولو على أنفسكم) قال المفسرون: شهادة المرء على نفسه هي الإقرار، وأكّد ذلك المواد (57 -60) من قانون الإثبات، كما أنه من المقرّر قضاء "أنّ لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تكييف طلبات الخصوم وفهم الدعوى على حقيقتها بما تتبيّـنه من وقائعها وأن تنزل عليها وصفها الحق دون أن تتقيد بتكييف الخصوم"، فلما كان ذلك وكانت المحكمة تكيّف الواقعة على حسب وصف المدعي بأنّها كانت عقد مقايضة، آل بموجبه إليه المركبة التي هي من نوع الكرايسلر والجيب، ثم وُجد عقد إقالة استرجع به المدعى عليه المركبة التي هي من نوع الجيب مقابل مائتي ريال عماني (200ر.ع)، ثم وُجد عقد هبة تنازل بموجبه المدعي عن المائتي الريال العماني (200ر.ع)، وقد بقي عقد المقايضة الأول بين المركبتين اللتين هما من نوع الرنج روفر والكرايسلر، وهو الثابت في العقد العرفي الذي تم تحريره بينهما بتوقيعهما، ثم وُجد عقد هبة تنازل بموجبه المدعي عن المائتي الريال، وعليه فلا يبقى للمدعي حق في المركبة التي هي من نوع الجيب؛ حيث أقال المدعى عليه بها بمقابل؛ فلا حق له في المطالبة بالتعويض عنها، ولا حق له في المطالبة بالمائتي الريال التي كانت في مقابل المركبة التي هي من نوع الجيب؛ حيث تنازل عنها لاحقاً، ولا يصح له الرجوع في الهبة، وعليه قضت المحكمة برفض الدعوى.
ويمكنك - أخي الكريم - الاطلاع على تفاصيل الحكم في الملف المرفق بالرابط الآتي: