من الاية 190 -200 آل عمران

ناقشت سورة آل عمران مواضيع مختلفة منها عقائدية واجتماعية وعسكرية ومالية -- وصححت الكثير من المخالفات المتعمدة كالانسحابات العسكرية عند مواجهة العدو -- والنفاق العقائدي كالتخلف عن معركة احد تحت ذريعة عدم الخبرة بفنون القتال-- نهاية السورة ينقلنا الى الأدعية التي انبثقت عن القلوب الصافية التي استجابت للتغير العقائدي الصحيح بعدما أدركت الشكل المصيري لكل إنسان في يوم القيامة – فبعيدا عن عبثية الكون والطبيعة التي أوجدت نفسها حسب نظرة اللادينيين أو الملحدين للكون -- فتلك نظره ضيقه لان الدنيا في ميزان حياتهم مجرد شهوات ونزوات شخصية تنتهي بموتهم -- بينما في الجانب الآخر يختلف الأمر تماما -- فالتفكير في خلق السماوات والأرض مستمر عند المؤمن لأن ذلك يذكره بعظيم خلقه -- فالعقول الناضجة هي من تراقب مسارات الكون واختلافاته كالليل والنهار فيتحرك المؤمن اتجاه خالقه وفقا لتلك الاختلافات اليومية والموسمية -- انَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ --فتراهم في ذكر الله مع حركة الكون قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا ولا عبثا سبحانك فقنا عذاب النار – الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار -- عندما يتحرر الفكر من قيود الوثنية والشركية يصبح في فسحة حرة من التفكير ذلك مما يجعله في تصور ابعد من واقعه – كالتفكير بالشكل المصيري للمكذبين – فينبثق عن ذلك خوفا أخرويا يرغم الخائف الى القول -- ربنا انك من تدخل النار فقد أخزيته فهذه نظره أخروية حقيقية – وما للظالمين من أنصار-- رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ – أصحاب الفكر الراقي ينظرون الى الكون نظرة إيمانية على ان هناك من يدبره – ثم يرجعون النظر الى أنفسهم فيجدون هم لا شيء أمام عظائم الخالق – فتلك النظرة جعلت الكثير من الناس يعيدون النظر في حياتهم من جديد – فلما سمعوا مناديا للإيمان استجابوا – قائلين -- رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا -- فخلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار جعلهم على يقين على ان للإنسان كرة يرجع فيها الى ربه -- فقالوا -- ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفرعنا سيئاتنا وتوفنا مع الإبرار -- رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ --

انَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ{190} الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{191} رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ{192} رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ{193}

يستمر دعاء المؤمنين ربنا واتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد – فستجاب لهم ربهم أني لا أضع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى بعضكم من بعض – فالمغفرة التي جاءت بعد التصحيح العقائدي العام بمثابة عفو شامل لجميع الخطايا – ويشمل ذلك --أولا -- المهاجرين الذين خرجوا بطريقة سلمية –ثانيا المهاجرين—الذين اخرجوا من ديارهم تحت تهديد القوة والتهجير القسري –ثالثا—المهاجرين من كلا الصنفين الذين قتلوا في معركتي احد وبدر-- أو الذين لا زالوا على قيد الحياة – لا كفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند لله والله عنده حسن الثواب --

رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ{194} فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ{195}

بعد ان صحح كتاب القران الاعتقادات الوثنية والشركية والظنية تشكل مجتمع مؤمن لديه أفكاره عقائدية وتطلعات اجتماعية وتنظيميه تختلف عن الشعوب الأخرى -- فالمجتمعات ألمؤمنه أخذت تنظر لنفسها نظرة اقليه مقابل الكم الهائل من الشعوب التي تختلف معها عقائديا – فعندما ينظر محمد الى الكم الهائل من المشركين كالعرب واليهود والنصارى والمعارضين للدعوة القرآنية يحس بصعوبة حقيقية في تغير شامل لعقائد المنطقة -- لذا قال الله للنبي -- يا محمد لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد – أي لا يغرك تقلبهم بين مصالحهم وهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي فلو كابدوا الحياة بكل عروضها -- فمتاع الدنيا قليل وزائل ومأواهم جهنم ويئس المهاد -- لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ-- مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ – شمل العفو العام والشامل المؤمنين الذين يعيشون مع الكفار -- لذا استثنى الله من العذاب الذين اتقوا ربهم في كل مكان حتى الذين يعيشون في المجتمعات الشركية -- فقال -- لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ – وشمل العفو أيضا المؤمنين بالله من أهل الكتاب الذين يعيشون في مجتمعاتهم اليهودية والنصرانية -- فقال-- وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ – خطاب موجه الى كافة المؤمنين الذين يعيشون في المجتمعات الشركية كاليهود والنصارى أو الوثنية كمشركي العرب ان يصبروا على أذى المشركين وان يصابوا أي يعينوا غيرهم على الصبر بتقديم المساعدة المالية أو المعنوية وان يرابطوا على إيمانهم وان يتقوا الله في تعاليمه لعلهم يفلحون -- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ{196} مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ{197} لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ{198} وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ{199} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{200}