يعرض فيلم "أريفيل" أو الوافد من إنتاج عام 2016؛ لتهديد خطير يواجه الجنس البشري، حيث تمكنت عدة مركبات فضائية غير اعتيادية الشكل من أن تحط على كوكب الأرض في أجزاء مختلفة منه، أخذت تلك المركبات أشكالا ضخمة مريبة حثت البشر جميعهم على اختلاف منابعهم أن يتأهبوا وأن يستعدوا لمعركة ما.
الإنسان دائما في حالة قصوى من الافتراض السيء تجاه أي مجهول يلاقيه، هكذا يحاول الفيلم أن يبين وأن يقول، وعبر أبطاله ترد أسئلة من قبيل لماذا نفترض في تلك الكائنات الفضائية الشر لمجرد أننا لا نعلم عنها شيئا؟! لماذا يطغى الشعور بالخوف لدينا على الشعور بالفضول وإرادة الاستكشاف؟!
القادة العسكريين -كرمز للتعجل-جاهزين دومًا للحل الذي يتقنونه؛ وهو القتل وتصفية المنافس دون أن يعطوا مساحات الحوار أية فرصة ولو لاختبار النوايا، مساحات الحوار عادة ما ستحرمهم من الظهور في الواجهة كبطل مُخلص ومنقذ همام؛ لذا فهم على طول الأحداث ينفذون عبر أية احتمالية سيئة كي يُثبتوا ضرورة التدخل العسكري كحل لابد من تجرعه.
ثبت وجود كائنات فضائية داخل تلك الأجسام العملاقة، حيث تمكن أخيرا فريق من المجازفين من النفاذ إلى داخل تلك المركبة، كم الإثارة التي ستلاقيها في اكتشاف مجهول غير معتاد الهيئة أو التكوين لا يمكن وصفها أبدًا، لذا سأدع أحداث الفيلم حين تشاهده تخبرك.
كائنات غريبة الشكل دميمة قبيحة في مقايسنا، تظهر لك من وراء حجاب، تشير إليك بلغة كتابية مصحوبة ببعض الأصوات، لغة غير مفهومة تحتاج إذا لخبراء اللغة كي يحلوا طلاسمها، أخيرا تم البحث والتفتيش وإتاحة الفرصة لمتخصصة لغوية كي تحاول فك طلاسم ما جد من إشارات.
استوقفتني كثير من الأفكار اللامعة في هذا الفيلم الشيق، لكن أكثر ما جعلني لديه أتوقف بالتأمل والتحديق، كانت تلك الفكرة التي اقترحها أحدهم، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي: "حين يواجهك مجهول تجافي أفعاله المنطق فلا تواجهه كحل أول؛ ولكن سر بجواره وتدرج".
وقد ضرب هذا الشخص مثالا من حياته يوضح ذلك، فقد بلغت أمه الكبر ودب في أفعالها الخرف والنسيان ووصلت إلى مرحلة صعبة من اختلاق أحداث وشخصيات لا وجود لها، وقد عمد هذا الشخص إلى مواجهة أمه بشكل صادم عبر إخبارها أن جميع ما تقوله لا أساس له من الصحة، لكن تلك المواجهة كانت تنتهي في كل مرة إلى صدمة وبكاء هستيري وازدياد في حصيلة المرض وآثاره.
مما دعاه إلى التفكير في انتهاج طريقة أخرى في معالجة الموقف، وهو السير بجوارها والتناغم الشديد مع ما تختلقه أو تدعيه، فإن لم تتحسن بتلك الطريقة حالتها وتسير إلى الشفاء، فعلى الأقل لن يستمع ثانية إلى هذا البكاء الهستيري.
وقد عمد فعلا إلى هذا الحل فسار معها في مساراتها الخيالية، وأخذ يناغمها ويشابهها في كثير مما تفعل، فكانت بسمتها شمس أشرقت على وجهه، وكانت تلك المسارات له بمثابة نزهة انفك بها عن أغلال الواقع وحّلق بعيدًا إلى حيث لا يتوقع، وأخذ الابن وأمه يستمتعان بالحياة كما لم يكونا من قبل.
لكل منا أبجديته الخاصة الخفية، وحين نناغم الآخر بأبجديته، يصبح سهلا جدا أن يستمع إلينا ويتجاوب مع أبجديتنا ومنطقنا، وبناء على هذه الفكرة كان سير العالمة اللغوية في محادثة الكائنات الفضائية، وكان التجاوب مذهلا وقاصما لآمال المتحفزين للقوة واستخدامها.
نحن في الغالب لا نحتاج أن نخاف من المجهول بقدر ما نحتاج أن نتعرف إليه، بقدر ما نحتاج أن نعطيه فرصته كي يعبر عن ذاته وعن نواياه، وبجوار هذا نأخذ حذرنا ونستعد إما إلى هدنة وبناء وربما عناق، وإما إلى دفع بعيد وانفصال ومواجهة إن لزم الأمر.
لكن أن نفترض السوء في كل شيء لا نعرفه، أو نفترض السوء لمجرد حدس أو اعتقاد أولى لم يبن على علاقة متجذرة أصيلة، فذاك مما يفوت علينا كثيرا من الفرص، ويضعنا خافتين خائفين في جانب ما ضيق من الحياة، جانب لا نبرحه ولا يبرحنا.
التعليقات