شاهدتُ في وقت سابق فيلم عمارة يعقوبيان وهو من الأعمال المصرية المثيرة للجدل كونه يتطرق إلى قضايا حساسة ويعكس واقعا أليما بعض الشيئ. فقد يكون كثر منكم قد شاهدوه، أو على الأقل سمعوا به نظرا لشهرته ومكانته الفنية، خاصة أنه من بطولة عمالقة من الممثلين المصريين مثل عادل إمام ونور الشريف ويسرا وهند صبري. ففي سنة 2006، عند إطلاق الفيلم، كان صاحب أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية، كما نال استحسانا عالميا وصنفه البعض على أنه من أفضل أفلام السينما العربية.

 تضم عمارة يعقوبيان نماذج بشرية مختلفة ومتفاوتة في أوضعها الحياتية والمادية والثقافية، ومن خلال الشخصيات، يتم تسليط الضوء على التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري وفكر وسلوك المصريين في فترة ما بعد الانفتاح. فالكثير من الحوارات التي تدور بين الشخصيات تدعونا للتفكير ورؤية الأمور من زاوية مختلفة، ولا بد أن ذلك أساس نجاح وتميز الفيلم. أما أنا شخصيا، فأكثر جملة لفتت انتباهي من الفيلم هي تلك التي أتت على لسان شخصية الدسوقي، التي يجسدها الزعيم عادل إمام، عندما قال:"أنا عملت كل حاجة غلط، بس ما أذيتش حد إلا نفسي".

 وهذه العبارة شائعة، فيقولها الكثير من الناس لتبرير أفعالهم أو خلق أعذار لأنفسهم أو لإظهار معدنهم الطيب، فهم يعتبرون أن إيذاء النفس، حرية، فنفسهم ملك لهم، وهم أحرار في ممتلكاتهم. وأذية النفس أنواع عديدة، فأن تهمل نفسك على جميع الأصعدة نوع مثلا، وأن تعطي الآخرين على حساب نفسك أيضا نوع، فأي عمل لا نعطي نفسنا به قدرها وحقها يندرج تحت أذية النفس. 

ولكن من جهة أخرى، أذية النفس ليست أقل ذنبا من أذية الغير، وحق نفسنا علينا يساوي أو يتخطى حتى حق الآخرين علينا. فنحن نمنح هذه الحياة وهي بمثابة هدية، وعلينا دائما السعي لفعل ما هو أفضل لنا وما يخدم تطورنا للوصول إلى أفضل نسخة من أنفسنا. فأن نهمل ذلك، أو أن نضحي بذلك لشخص آخر، ليس أبدا أقل من أن نتسبب بضرر على الآخرين. فالضرر ضرر، سواء تسببناه على أنفسنا أو على شخص مهما كان. فلذلك نرى النصوص الدينية تحرم الإنتحار وتصنف كل ما يضر الصحة على أنه مكروه، مع أن ذلك يعود بالضرر على الشخص وحده.

فما هو تعريفكم لأذية النفس؟ وهل تتفقون مع مقولة أن أذية النفس هي ذنب يوازي أو يتجاوز ذنب أذية الغير؟