في عوالم الفانتازي في الأعمال السينمائية، هنالك دائما ثنائية الخير والشر أين تكون واحدة من الفئتين مسيطرة على عالم القصة بينما الطرف الآخر يحاول النيل منها، فعلى سبيل المثال نرى في سلسلة ماتريكس او hunger games يكون الشر هو المتحكم بينما تثور فئة من الاخيار لتغيير الأوضاع، وفي عالم هاري بوتر او lord of the rings تكون العكس، وبالطبع هنالك استثناءات في بعض القصص.

أما في قصة ون بيس الأمر يختلف جزئيا بما أن العالم منقسم لطرفين يتقاسمان دور الشر، من جهة لدينا القراصنة الذين يمثلون أقصى درجات الفوضى والإرهاب أين ينهبون ويروعون اي بلد ينزلون به، ومن جهة نرى حكومة العالم كنظام شمولي مستبد ودكتاتوري يجعل الابطال في القصة مجبرين على الثوران ضده، هذان الطرفان يصوران النقيضين بما ان الأول يريد تحطيم اي قيمة اجتماعية وبالتالي غياب تام لامكانية وجود مجتمع انساني متعايش والثاني يحدد وبالقوة شكل المجتمعات ويحد من الحرية الأفراد وقيمتهم.

المؤلف بهذا الصدد لا يتوانى ابدا عن تذكير المشاهد عندما يرى الشر في جهة معينة بأن هنالك شر اخر مساو له على النقيض من الكفة، في تجل واضح للجدلية القديمة الحديثة بين ثنائية الحرية والنظام.

منذ بداية القصة نرى تصوير أودا للعالم على أنه صراع بين القراصنة كأفراد يهدفون للحرية ومن بينهم بطل القصة والمارين كذراع عسكري لحكومة العالم التي تسعى لانهاء وجودهم، خلال تتبعنا للقصة نرى زوال وهم كون المارين هم اخيار بالضرورة فقط لحقيقة كونهم من المارين بما أن هنالك أفراد من السلطة لا يتوانون عن القتل والترويع وتدمير اي طرف يمكن له تشكيل تهديد مستقبلي لوجود السلطة، وخير دليل على ذلك المجزرة التي قاموا بها في حق سكان بلد كامل فقط لكونهم أرادوا فهم تاريخ العالم خارج وصاية الحكومة، أو كاعدام شخص فقط لحقيقة كونه ابن قرصان كان يهدد استقرار المنظومة.

هته الحدود المرسومة من قبل النظام الحاكم بين الخير والشر تمحى تماما عندما نرى قراصنة في القصة يحاولون تحقيق العدالة وحماية الأبرياء اكثر من الحكومة التي تكون هي الطرف الفاسد في بعض الأحيان، يشير دوفلامينغو لهذا عندما يقول ان الاقوى هو الذي يحدد ماهو خير وشر فليس الجيد يتم تحديده لأنه جيد بل لأن الطرف الاقوى هو الذي يقرر اذا كان جيدا ام لا.

لاتوجد عدالة فالعدالة يتم تحديدها من طرف من يكتب التاريخ بعد القضاء على المعارض له، وهذا ماحدث بعد انتصار حكومة العالم قبل 800 سنة وكتابتها للتاريخ ، ثم منعها لأي فرد آخر ليبحث عن المعرفة خارج مايتم تدريسه.

هذا المشهد يزداد عبثية عندما يزرع أودا بعض الأطراف في القصة يسمون أنصار العدالة البيضاء، والذين يريدون إدخال ديناميكية للمفاهيم الجامدة الموضوعة من قبل الحكومة، أو ما يسمى في عالمنا احداث التغيير من الداخل، عن طريق منح أعضاء المارين القدرة على تحديد القيم اعتمادا على مفاهيمهم عن ماهو خير أو شر.

فلسفة القراصنة تقوم على مبدأ بسيط وهو ان تعيش كما تريد وتفعل ماتراه يستحق أن تفعله، فما يهم هو حرية ان تقرر ما تقعله، ليس عليك اتباع او طاعة اي جهة عليا ولا حتى الالتزام بميثاق أخلاقي، ومن هذا المبدأ نرى أبطال القصة دائما يقررون مايفعلون اعتمادا على حكمهم الخاص على الشيئ وماينبغي فعله، وبالتالي قرارهم بمساعدة شخص يحتاج مساعدة ليس بناءا على صفة مخولة لهم بل بناءا على قرار يتخدونه بحريتهم ورغبتهم الخاصة، بهذا المبدأ لا يتوقع منهم أحد وضع توضيح وتبرير لفعل او قرار يتخدونه ولوفي على سبيل المثال لا يشرح أبدا دوافعه، هو فقط يريد أن يكون حرا، في تجل واضح لنقيض العدالة المملاة من سلطة عليا تتمثل في العدالة المستمدة من حرية الحكم على كل معضلة اعتمادا على المعطيات الخاصة بها.

ولكن يعود اودا للتأكيد على كون الحرية المطلقة تشكل خطرا داهما على الإنسانية من خلال تسليط الضوء على القراصنة كافراد لا يهتمون إلا بمصالحهم ورغباتهم الضيقة دون الأخذ بعين الاعتبار أي ضرر قد يترتب عنه ذلك لاطراف أخرى، فالبيغ مام تقتل ابنها لأنها لم تنل الحلوى التي تريد، وكايدو يريد شن حرب عظمى لمتعته الخاصة، والبلاك بيرد الذي يمثل أعلى تجليات الفوضى يريد إنهاء اي قانون او ميثاق أخلاقي في العالم.

من خلال إلقاء نظرة على ايديولوجيا الطرفين المتشددين، نلاحظ ان تصرفات أحدهما تبرر افكار الآخر، فاكاينو كمثال عن السلطة المطلقة التي تنظر للعالم على أنه مشكل من لونين فقط الأبيض والأسود وانه يجب قتل وإنهاء كل مظاهر الفوضى بوحشية، يبرر رغبة البلاك بيرد في تدمير السلطة تماما بما انه يرى أن العالم موجود فقط وانه لاتوجد اي قيمة أخلاقية موضوعية او ميثاق يحدد كيف يجب على الإنسان أن يكون وبالتالي لامعنى لرغبتك في تحقيق اي عدالة وهذا مايبرر نظرة الطرف الآخر بدوره.

كخلاصة العالم هو خليط من الألوان وظلالها، فالحكومة سيئة ولكن تقوم بأفعال جيدة وفيها أفراد بمبادئ نبيلة، يفضلون النظام على الفوضى، والقراصنة يبحثون عن الحرية التخلص من قيود السلطة وبالتالي ظهور أشخاص برغبات مختلفة منهم من يمارسون حريتهم بدون أحداث ضرر بغيرهم وهنالك من يضرون غيرهم لأنهم احرار.