لماذا تكون رؤية الحل الأفضل لمشكلات الآخرين أسهل علينا من رؤية حلول مشاكلنا الخاصة؟ سواء كانت بشأن قرار شخص باستلام وظيفة جديدة أو طلب زيادة في الراتب أو حتى شخص محتار بشأن نكهة الآيس كريم التي سيتناولها. يبدو أننا نرى الحل الأفضل للآخرين بوضوح وثقة غالباً ما نفتقدهما عندما نواجه مشاكلنا الخاصة.
تتبدّل عقليات الناس عندما يتعلق الأمر بالاختيار عوضاً عن الآخرين، فهناك العقلية المغامرة، وهي معاكسة تماماً للعقلية الحذرة التي تظهر عند القيام بخيار شخصي. عملت مع كل من يي ليو ويونغفانغ ليو من جامعة الصين الشرقية العامة وجيانغلي جياو من جامعة شينجيانغ العامة في الصين، وقمنا بدراسة كيفية اتخاذ الناس القرارات لأنفسهم وللآخرين، حيث كان اهتمامنا مركزاً على العملية وكمية المعلومات التي يستخدمها الإنسان عند اتخاذ قرار لشخص آخر مقابل ما يستخدمه عند اتخاذ قرار لنفسه. لقد أردنا معرفة ما إذا كان الشخص سيبحث عن معلومات عندما يتخذ قراراً لغيره أكثر مما يبحث عنها من أجل قرار يتخذه لنفسه، وما إذا كان سيغير طريقة تقييمه لتلك المعلومات بناءً على كون القرار لنفسه أم لغيره.
ولاختبار فرضيتنا، أجرينا ثماني دراسات شملت أكثر من ألف مشترك، أجرينا معهم سلسلة من الاختبارات العشوائية وقدّمنا خلالها قوائم مطاعم أو خيارات وظائف، وجميعها تحمل معلومات مفصلة. ثم طلبنا من كل مشارك الاختيار لنفسه أو لشخص آخر بناء على تلك المعلومات.
كانت النتائج ذات شقين: حيث اختلفت اختيارات المشاركين لأنفسهم عن اختياراتهم للآخرين، كما اختلفت طريقة الاختيار أيضاً. فعندما اختار المشارك لنفسه كان تركيزه شديداً حتى على أدق التفاصيل، وهذا ما أطلقنا عليه اسم "العقلية الحذرة". وتبني العقلية الحذرة عند اتخاذ القرارات معناه أن يكون المرء أكثر تحفظاً وتمعناً وتجنباً للمخاطر. وبدلاً من البحث عن عدد كبير من الخيارات وتجميعها، تفضل العقلية الحذرة التعمق أكثر في التفكير في عدد قليل من الخيارات في كل مرة، أي تتفحص عينة فقط من المجموعة الكبيرة من الخيارات.
ولكن عندما كان الاختيار للآخرين، نظر المشاركون في مجموعة الخيارات كلها وركزوا على انطباعهم الكلي، وكانوا أكثر جرأة وفكروا انطلاقاً مما نسميه "العقلية المغامرة". تفضل العقلية المغامرة التجديد أكثر من التعمق فيما تتضمنه هذه الخيارات في الحقيقة، ويبدو أن تعدد الخيارات يعد أكثر إقناعاً لأصحاب العقلية المغامرة من كونها ذات نفع، أي أنهم يفضلون توفر معلومات أكثر ويفحصوها قبل الاختيار، ثم يقومون بنصح الآخرين باختيارهم بحماس أكبر، وهذا يماثل ما كشف عنه بحث سابق أجريته. كما تتوافق هذه النتائج مع عملي السابق مع كايل إيميش من جامعة ديلاوير في البحث حول كيفية زيادة الإبداع لدى المرء فيما يتعلق باختيارات الآخرين. فعندما نقوم بتبادل الأفكار بشأن مشاكل الآخرين نشعر بالإلهام ونحظى بدفق كبير من الأفكار التي يمكننا طرحها دون إلقاء الأحكام أو التردد أو التفكير المفرط.
ويجب أن تبدو هذه الخيارات مألوفة عند التفكير بها. فكر في آخر مرة طلبت فيها زيادة في الراتب. كحال الكثيرين، ستخاف من الطلب في بداية الأمر (وفقاً للعقلية الحذرة)، ولكنك ستنصح الآخرين بالقيام بالطلب وستشجعهم بصورة كبيرة (وفقاً للعقلية المغامرة). وعندما تنصح الآخرين بشأن ما يجب عليهم فعله ستبتكر أفكاراً وخيارات وحلولاً عملية ومتفائلة أكثر، وستركز على المعلومات الأكثر إيجابية وستتخيل نتائج أفضل. بينما عندما تختار لنفسك، فغالباً ما تتصور كل الأمور السيئة التي يمكن أن تحدث، ما يؤدي إلى شعورك بالشك والتردد.
كيف يمكن الاستفادة من هذا البحث؟ أولاً، نحن نعتقد أنه يشير إلى وجوب وجود مرشد لكل شخص أو صديق أمين لمساعدته على رؤية الأفضل والعمل به.
كما يجب على المرء إبعاد نفسه عن مشاكله الخاصة عن طريق التفكير فيها كما لو أنه شخص آخر، والتصرف كما لو كان مستشاراً لنفسه. وبالفعل، ربما كانت إحدى الطرق الفعالة عند اتخاذ قرار هام هي إشارتك لنفسك بصيغة الغائب (هو كذا أو هي كذا)، أو كأنك تخاطب شخصاً آخر (بقولك أنت أو أنتِ). فبدلاً من أن تسأل نفسك: "ما الذي يجب عليّ فعله؟" قل: "ما الذي يجب عليك فعله؟".
هناك أسلوب آخر لإبعاد نفسك، وهو التظاهر بأن قرارك يخص شخصاً آخر وتصوّره من وجهة نظر الآخرين (وهو ما يسمى بالإنجليزية مبدأ الذبابة على الحائط – أي أن تشاهد ما يحدث دون أن ينتبه أحد لوجودك). يمكن أن تكون هذه الطريقة سهلة جداً عندما تفكر بأمثلة شهيرة، كأن تفكر كيف يمكن أن يقرر ستيف جوبز عنك. وعندما تتخيل كيف يمكن لشخص آخر أن يحلّ مشكلتك ستتمكن من مساعدة نفسك عن غير قصد.
كما يمكن أن يكون الحل الأسهل هو أن نسمح للآخرين باتخاذ القرار نيابة عنا. وعن طريق الاستعانة بموارد خارجية لتزويدنا بخيارات يمكننا الاستفادة من سوق متنام من الشركات والبرامج التي تزيد سهولة تقديم أفكار للناس واتخاذ قرارات نيابة عنهم. فمثلاً، يمكن للآخرين أن يختاروا للناس ملابسهم أو طعامهم أو التصميمات الداخلية لمنازلهم.
يؤكد بحثنا على رغبة إنسانية أساسية وهي الرغبة في أن نرى وكأننا قد تركنا أثراً ملموساً. ونحن مفطورون بطبيعتنا على التواصل مع الآخرين، وما يثير اهتمامنا في اتخاذ القرارات للآخرين هو أنه يمكننا من خلال ذلك تحقيق فرق أكبر في حياة الآخرين. وبما أن مهمة المدراء والقادة هي اتخاذ قرارات للآخرين على عدة مستويات وفي كل الأمور بدءاً من التفاصيل اليومية وصولاً إلى الخلافات بين الموظفين وتخطيط الاستراتيجيات طويلة الأمد، نجد أن نتائج بحثنا تحدد كيفية مساعدة هؤلاء الموظفين في إيجاد درجات أكبر من الإبداع والفعالية والرضا في وظائفهم.