الجراد ، جند من اجناد الطبيعة .يحارب البشر ، ويحدث لهم الازمات والمجاعات . فهل يستطيع البشر القضاء علية ؟؟
أثناء فترة الحرب العالمية الثانية، تمت معالجة نقص الأغذية في منطقة الشرق الأوسط الناتج عن أسراب الجراد عن طريق شن حرب طواها النسيان بالرغم من نجاحها الأساسي والتي دعمها المسؤولون البريطانيون.
في ٢٦ أبريل ١٩٤٥، وبينما كانت الحرب المشتعلة في أوروبا على وشك أن تضع أوزارها، تلقت المقيمية السياسية في بوشهر برقية كان قائمة مستلميها أطول من المحتوى الرئيسي للبرقية ذاتها.
وخلال تلك الأوقات الاستثنائية، كان من المفهوم إرسال نفس المعلومات إلى العديد من الأماكن الواقعة ضمن نطاق جغرافي واسع ولكن عنوان البرقية بدا منفصلاً بشكلٍ غريب عن شؤون الحرب ألا وهو
"مكافحة الجراد".
وصلت المراسلات للمكاتب البريطانية في أنحاء أخرى من الخليج العربي - حيث تم إخطار كل من الشارقة وبندر عباس - إلى جانب إثنى عشر موقعًا إضافيًا في منطقة تمتدّ من دلهي في الشرق إلى طرابلس في الغرب ونيروبي في الجنوب
. فكان الجراد الصحراوي (Schisocerca gregaria) من الآفات المعروفة في جميع تلك الأماكن. إذ يمكن تحمّل الجراد عندما يحلّ بأعداد بسيطة - بل حتّى كان مرحبًا به كأحد الأطعمة الشهيّة - ولكن الأسراب الكبيرة كانت وبالاً مروعًا على سكان الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا منذ آلاف السنين
. ولطالما ندب الناس الدمار المروّع الذي تجلبه تلك الآفة الصغيرة على المحاصيل والأزراق، بدءًا من الأوبئة المجازية المذكورة في الإنجيل والقرآن الكريم إلى الزيادة المفرطة الأخيرة في غرب أفريقيا في ٢٠٠٤.
الامبراطورية ومشكلة الجراد
نظرًا لامتداد أراضي تكاثر الجراد على معظم أجزاء الخط الساحلي للخليج، ظلت المنطقة لفترة طويلة لب المشكلة التي أخذها البريطانيون على محمل الجدّ لما يزيد على عقد من الزمان. وظاهريًا، لا بدّ أن مكافحة الجراد كان سيساعد في الحيلولة دون حدوث المجاعات بالإضافة إلى دعم التنمية، لكنه في نهاية المطاف كان سييسّر من إدارة الإمبراطورية والحفاظ عليها. لذلك نال علم دراسة الجراد (Acridology) التشجيع والتسهيل اللازم من جانب السلطات الاستعمارية في كلٍ من لندن ودلهي
وأصبحت تقارير الجراد جزءًا اعتياديًا من شؤون الإدارة الاستعمارية للمرة الأولى في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين،
وذلك أثناء نشأة علم دراسة الجراد. ثم في يونيو ١٩٣٣، طلبت حكومة الهند إرسال تقارير حوادث الجراد الواقعة في مسقط والبحرين بصفة شهرية، وسرعان ما جرى تمديد هذا الطلب ليشمل الشارقة والساحل المتصالح. تطلبت هذه التقارير جمع المعلومات التفصيلية - كأحوال الطقس بالإضافة إلى أعداد وألوان وسلوك الجراد وكذلك معلومات عن سواء وضعت البيض وما إذا كانت فقست – كما نالت عملية جمع العينات التشجيع الكافي كي يتمكن الخبراء من التحقق ممّا إذا كان هذا الجراد الذي تم رصده هو الجراد الصحراوي أم لا.
جمع المعلومات
استلزم هذا الأمر قدرًا كبيرًا من العمل والجهد، وهو يتجواز قدرة الإداريين البريطانيين والوقت المتوفر لهم للقيام بهذه العمل نظرًا لقلة عددهم. وللمساعدة في المهمة، تم توظيف عدة أشخاص محليين يُشار إليهم أحيانًا بـ "الوكلاء المحليين"، إلى جانب عدة أشخاص من المناطق المجاورة لجمع المعلومات الخاصة بحالات رصد الجراد في مناطقهم. وكثيرًا ما وجِدت أدلة إدارية على هذه العملية في صورة تقارير وملاحظات مكتبية مدونة بخط اليد في نهاية الملفات، في الملفات المتعلقة بالوكالة السياسية بالبحرين.
تزامنت العرقلة التي تسببت فيها الحرب العالمية الثانية مع تفشٍّ مريع للجراد الصحراوي مما شكّل تهديدًا خطيرًا لخطوط الإمدادات الواردة إلى الشرق الأوسط: إذ أن أيّ نقص الأغذية الناجم عن هجوم أسراب الجراد سيستوجب استيراد كمية كبيرة من مساعدات الإغاثة التي ستتوقف على شبكة الشحن الضرورية للإمدادات العسكرية والتي كانت مثقلة أصلاً بما يفوق طاقتها. وبينما ظلت ذكرى المجاعات التي تسبب فيها الجراد في سوريا خلال الحرب العالمية الأولى عالقة في الذاكرة، اكتسبت الحاجة إلى مكافحة الآفة أهمية أكبر من ذي قبل لدى البريطانيين وحلفائهم.
في ١٩٤٢، تأسست وحدة مكافحة الجراد في الشرق الأوسط (MEALU) بهدف القضاء على أسراب الجراد من مصدرها: أراضي التكاثر. ونالت وحدة مكافحة الجراد في الشرق الأوسط أهمية كبرى حيث كثيرًا ما احتلت المرتبة الثانية بعد العمليات العسكرية، وذلك باعتبارها هيئة فرعية تابعة لمركز تموين الشرق الأوسط (MESC)، المنظمة التي تأسست لمساعدة خطوط الإمدادات الواردة إلى المنطقة وداخلها. كما استفادت بقدر كبير من الدعم المالي وشكلت مصدر إلهام كان له أبلغ الأثر في بلورة تعاون عالمي لم يسبق له مثيل.
بعثات "المكافحة" والنجاح المُحرز
أُرسلت أولى بعثات "المكافحة" إلى المملكة العربية السعودية وإيران واليمن والكويت وعُمان في ١٩٤٣. ومنحت بعثة عُمان ويلفريد ثيسيجر العذر الكافي لعبور الربع الخالي. ثم في شتاء ١٩٤٤، أُخطرت المقيمية السياسية في بوشهر بأن فريق وحدة مكافحة الجراد في الشرق الأوسط سيتوجه إلى الشارقة ومنها إلى شمال عُمان، وطُلب من جيفري برايور، المقيم البريطاني، توفير للبعثة الإقامة و"غيرها من التسهيلات الممكنة". وتكللت هذه البعثات بالنجاح الباهر من خلال الاستعانة بالطعم المسموم ورشّ المواد الكيميائية من الطائرات، حيث نجحت في الحيلولة دون حدوث تفشٍّ كبير بالمنطقة خلال فترة الحرب.
وقد استدعت الجهود اللازمة لدراسة ومكافحة أسراب الجراد الانخراط في تعاون دولي كبير كما ضمّت تلك الجهود أشخاصًا من شتى الخلفيات المهنية والبلدان المختلفة - بما في ذلك أولئك المقيمين في الخليج. وساهم نجاحهم في انتصار الحلفاء بالحرب العالمية الثانية، على الرغم من أنه لم يتصدر عناوين الأخبار ولم يمنح أي شخص أي ميداليات أو إشادة. وتحوي وثائق الوكالة السياسية بالبحرين والمقيمية البريطانية في بوشهر إرثًا من الأوراق الخاصة بهذه الحرب التي طواها النسيان والتي ساعدت على الانتصار في الحرب.
مصادر
مكتبة قطر الوطنية
التعليقات