من تلك القرية لتلك القرية.. رسالة مني اليكِ يا غازلة الخيوط ويا بائعة الفضّة..

كان المطر ينزل بغزارة في يوم نحس و كنت أنا «عمر» أتدفأ وفي نفس الوقت كنت أشوي الذرة على النار بتؤدة محاكيا صوت العصافير التي تصطك أسنانها وتهتز أجسادها الندية فوق أغصان الأشجار وخيوط الكهرباء المشبّعة بالمطر خلف زجاج النافذة،.. كان صوت الذرة وهي تتفرقع.. كان صوت العاصفة في الخارج وهو يصلفع.. كنت أنا وكانت نورة.. المشهد كله.. الحبكة.. رعشة الأعين.. زجاجة النبيذ على الطاولة لن أكمل الوصف.. ليلة مدهشة. أطفأت النار وجعلت أحدق في الجمر، تمنيت لو أمسكت أحد تلك العصافير وشويتها هنا.. لكن تأتي العصافير بما لايشتهي عمر.. أو على الأقل لو كنتِ نورة بجانبي.  

................  

كانت الملابس على الشرفة تتراقص بفعل العاصفة بينما كنت أتلوى من البرد في هذا اليوم القارص. كنت أحدّق في السماء تمنيت لو حطت تلك الطائرة هنا أمامي وينزل منها عمر لكن تأتي الطائرات بما لا تشتهيه «نورة» هذا هو اسمي، لست خجولة كتومة لا أعرف النطق سوى بعض الكلمات هنّ موووي هوووي مووو.. وما اشتقّت منه هذه الحروف. لقد اشتقت اليك اشتقت اليك كثيرا حبيبي عمر.. الانسان الوحيد في حياتي.. هو وحده من يتحدث معي ويحترمني ككائن حي.. وهو في الحقيقة،.. الشخص الوحيد الذي تلقيت منه هديتي الأولى أو بالأحرى الهدية الوحيدة (والأخيرة) في حياتي وهو شريط فيديو.. يا لغرابته ^^ 

ما عوّض نقصي في أعين عمر هو أني أمتلك فائضا من الحليب (لا تفهموني غلط كاااي XD) في الحقيقة هناك شيء آخر وهذا ما ستعرفونه في الحلقة القادمة بحول الله. منظر الطيور على مقربة.. صوت وقع حبات المشمش على المقبرة.. الغيوم.. المطر.. امتلاء الرئتين بالهواء.. لا أستطيع المواصلة.. فقط لو كنت بجانبي الآن.. عمر!


لا تدعني أكمل الجزء الأول:

حتّى الكلاب المسعورة لا ترضى أن يمس أحد جراءها بالسوء لكن أنت يا أبي!!

وُلدت من عائلة فقيرة جدا أب متسلط كوخ قصديري يعج بالثعابين صيفا (لقد شبعت مشاهدة مطاردة الثعابين للجرذان حصريا وعلى الهواء مباشرة وHD أيضا في سقف المنزل المتهالك، -عملية المطاردة تتم بين القرميد والخيزران المغبر والمليء بالثقوب-) وقطرات المطر على الجبين شتاءا.. من حين لآخر تتدلّى أحد الأفاعي وتسقط على الأرض.. ما ان تحاول الفرار يثب عليها أبي بقارورة غاز ويقطع رأسها.. تكررت هذه المشاهد أمامي عدّة مرات، كنت أشاهد أبي وأنا جالس وأنا واقف وأنا مريض.. وأنا ألهو وأنا أشطح وأترحرح وأتقنّط وأتبندق.. المهم تكتلت هذه المشاهد في ذهني وترسّخت أنّ أبي هو البطل.. لايدع حشرة ولا نملة صغيرة تؤذي شبله الصغير..(في الواقع هي الكائنات الوحيدة التي يتجرأ عليها أبي) لحظة!! هناك كائن آخر.. انه أنا. بالمناسبة شكرا لكل الأطفال، نعم.. شكرا لكل الصبيان في العالم شكرا لكل من ترك و سمح، شكرا لكل من تخلّى عن هذا الرجل وبحث عن آخر شكرا لكل من وُلد من أب آخر فقط لألد أنا من هذا المان. كنت أنا الضفدع، القرد، الصرصور كما تحب مناداتي دائما وكنت في عيناي.. أجل.. كنت أنت القسورة.. أحببتك كثيرا يا رجل!! وعشقتك أكثر مما ينبغي.. لكن! لم تجد أي وسيلة لإدهاشي بقوتك.. سوى ركلتك القوية تلك على اليتي. يال الفتى!

هكذا أنهى صديقي حوار الأمسية وأدار ظهره واختفى في الظلام كي لا أرى قطرات المياه الخائنة تلك التي توشك أن تقول سايونارا لعينيه.. بالرغم من رائحة السخرية التي عجّن بها كلماته.. لكن صديقي حسّاس جدا.. لم تتوقعوا هذا الوصف عنه أليس كذلك؟؟ اذن نقطة لصالحي D:

تشبثتُ بقميص صديقي كي لا يرحل وبلييز أكمل لي القصة لكن أبى سوى الرحيل.. فلم أجد سوى أشلاء من قميصه الممزق في يدي.. وعضلات كتفيه التي بدأت في التلاشي استنادا لقوانين علماء الطبقة الكادحة في المجتمع والتي تقول اننا لا نستطيع الرؤية جيدا في الظلام D: على الأغلب هو بدون قميص الآن.. أخاف أن تلتقي به أحد الفتيات ويظطرّه ذلك أن يحكي لي قصة أخرى مستقبلا.. في الحقيقة أنا أرغب بذلك. بل أرغب بذلك بشدة. 

بحيرة بريكولاي تشيتشي عنوان الكتاب الذي أشحت عنه الغبار في قبو المنزل باحثا عن طريقة لازاحة هذا الحمل عن صديقي، لأنه يريد جعل بابته يحبّه ولو لمرة واحدة في حياته لأنه لم يذق طعم الوالد قط فأراد أن يذوقه الآن.

هي بحيرة توجد في كل مكان لا تحتاج سوى لكلمة السر لتدخل.. كلمة السر هنا هي: نك دكيركيديبا ديبالبا دلبوشين (تقولها دون انقطاع وإلّا لن تفلح) وتجرح أحد أصابعك وتجعل دمائك تختلط مع أي بقعة ماء.. ان لم تجد بقعة ماء فاصنع واحدة.. ان كنت رجلا ستفهمني بسهولة lol

استدعينا تلك البحيرة وأغمضنا العينين.. قذفنا انفسنا فيها وخرجنا من الضفة الأخرى و -مرحبا في جزيرة العجائب- نطق أحد الغربان ومضى سريعا واشار الينا باتباع مؤخرته ساخرا (لأنه صفعها بجناحه موهما الناظر أن أمسكني ان استطعت الى ذلك سبيلا). ترائى لنا من بعيد امرأة جالسة على قمة الجبل مع أسد نائم على قدميها.. سألْنا الغراب عنها فقال: لا تقلقا نحن في طريقنا اليها.

بينما كنّا نمشي استوقفنا منظر ذئب يزحف، ساقاه مدعوستان ويجرّ خلفه دما.. أدار وجهه الينا وحملق في وجوهنا بكل ما يحمله القلب من أسى ونطق والدماء تسيل من فمه.. عودا أدراجكما بما أنّ الأوان لم يفت بعد.. عو.. كح كح أرجوكما عودا.. فتقيأ ورقة مكتوب عليها بعض الكلمات فتجاهلناه ومضينا في طريقنا استجابة لأمر الغراب الذي قال: متى بدأ الذئب في القاء الموعظة فاستعد لتخسر عنزتك..

تقدّمنا في السير وها نحن وجها لوجه مع تلك المرأة أخيرا.. عاصفة رملية هوجاء هبّت و نفخت الرعب في أرواحنا. رجّ الأسد كتفيه وانتفض.. قعد الغراب يشاهد من بعيد.. بدأ الخوف يشق طريقه بين الأوردة.. احتبس الريق في الحنجرة.. وقطعت الصمت أخيرا بصوتها وأشارت الي بأضافرها لأتقدم.. وما ان كدت أخطو خطوة.. اذ بالأرض تتزلزل بعنف وانفجر فيض من الدم يخرج من فم صديقي فجأةً.. شظية من معدنٍ ما مزّقت جزءا من خدي وانطلقت صيحة مدوية في السماء بنفس الكلمات المكتوبة على ورقة الذئب.. لن ينجو.. سوف يموت!! يتبع بإذن الله أبها المجانين D: