علقَمة التميمي المُسَمَّى بعلقمة الفحل (هنعرف ليه دلوقتي) كان بينزل انتخابات رمز الغتاتة، مدير عام الكلاحة في المعمورة، وعين أعيان المرازية من الباب للطَاق، والعضو المنتدب لجَر الشَكَل عاطِل في باطل. قعد في مرة قعدة سلطنة مع نفسه في فترة كانت كلاحته ناقصة في السوق بقالها فترة، وحاسس أن دماغه ماتخمَّرتْش بجرعة أذِيَّة من زمان، ولِيه ولِيه محدش خَرَأ ذاته بسببه من شهور. قرَّر يرجع الملاعب بضحية عليها القيمة، حد من كواكب العرب الأقحاح في ذلك الوقت، فطَفَّى الجوزة ودَلَقْ الشاي في الوِلعَة، وخَد بعضه وشَد على بني طيء. في الوقت دا كان امرؤ القيس عند بني طَئ من فترة بعيدة، وزوَّجوه منهم أم جندب الطائية، والأَتَّة المحلولة واخدة حقها معاه تالت ومتلِّت، وبقي عندهم ما شاء الله له أن يبقى. امرؤ قاعد في أمان الله مؤدب لا بيه ولا عليه، مطوته في جيبه وإزازته في إيده وشيطان شعره مش جايبها لبَر، هو كمان كان من أرباب الدماغ المُسَوَّحة في تاريخ العرب بالمناسبة، لدرجة أنه كان في قعدة أُنس مرة ولقى الصويط اشتغل وبعتوا حد يتفق مع فِراشة وبيقولوا له الحق أبوك اتلَفَح عيارين قُمْ خد بتاره (وما أدراك ما ثأر جاهلية العرب).. راحب ساحب نَفَس اسكندراني وقال لهم اليوم خمر وغدًا أمر. المهم عَلقَمَة دخل على امرئ القيس وبعد السلامات والطيبات غير السالكة، دخلت عليهم أم جندب، فعلقمة قال له: - ما تيجي نِشعِر. فقالَ امرؤ القيس: أنَا أشعرُ منك! فقال علقمة: بل أنَا أشعر منك! وراح قال له خلاص نحتكم لامرأتِك تحكم بيننا! يعني هاكسبك في أرضك ووسط جمهورك وأسيبلك اتنين صفر وادِّيك الدراع لوحدك خمس دقايق بعدها وهاخد الدراع اللي فيه الثرو معلَّق كمان. فقال امرؤ القيس قصيدته التي مطلعها: خَليلَىَّ مُرَّا بِى عَلى أُمّ جُنْدَبِ … نُقضِّ لُبَانَاتِ الفُؤَادِ المُعَذَّبِ! (من بحر الطويل.) فعلقمة رَفَع أفيونة الشيطنة الشعرية، وفعَّل وضع التشليح، وراح لنفس البحر والقافية بقصيدته التي مطلعها: ذَهبتَ مِنَ الهُجرانِ فِي غَيرِ مَذهَبٍ ** وَلم يـَكُ حقًّا كـلّ هَـذا التَّجَنُّب واستطردَ كلٌّ منهمَا في وصف ناقته وفرسه، بقصيدتين مِنْ أجمل ما أنشد العرب. الاتنين جابوا تمام القوافي، وقال لهم شيطان الشعر هَيْتَ لك، والمزجانجية في الجبال والنواصي وحول نار المدفأة كانوا في غاية الانبساط والصهللة.. وجاء وقت الحكم من أم جندب.. أم جندب قالت بمنتهى الشفافية: الصراحة علَقَمَة عَبَّهالك. فامرؤ القيس صُعِقَ قائلًا: بم فضلت شعره علي شعري يا ولية؟ قالت: لأن فرسه أجود من فرسك! قال: وبماذا؟ قالت : إنك زجرت، وضربت بسوطك. وهي تعني قوله في وصف فرسه : فللساقِ ألهوب وللـسوط درة ** وللــزجر منه وقـع أخرج مهذب أما علقمة ففرسه أجود من فرسك؛ لأنه قد أدرك الخيل وهو ممسكٌ بعنان فرسه من غير أن يضربه بسوط أو يحرك ساقيه تقصد قوله: فأدرِكُهُنَّ ثانيًا من عنانه ** يمرُّ كمَرِّ الرائح المتحلبِ! الفكرة أن كلامها -بعيدًا عن قوته النقدية- معدَّاش على باب السلكان وقال عوافي حتى، لأنها لم تقصد تفوق علقَمَة بالشعر فقط، بل بالفروسية أيضًا. امرؤ القيس الدم غلي في عروقه وقال: ما هو بأشعر مني، ولكنك له وامقة! (يعني.. يلا مشمهم) وقام رامي عليها اليمين وحلف ماهو قاعد لها فيها. علقَمَة لقى الحوار كدا وهو في الفترة دي مكانش وراه حاجة مهمة راح متجوزها، ترسيخًا لفكرة شمولية الدَسّ وتكاملية الكلاحة. اللي هو بني آدم قاعد في أمان الله لا بيه ولا عليه، لقى واحد دخل عليه بيته في ١٦ دقيقة خد منه سُلطِة الشعر والفروسية ولقى لسه فيه مكان في المحفظة فخد مراته بالمَرة. حطَّاية خام من اللي بتجيب زكام، اللي هو تلعب عالحمَّالات؟ فُسُمِّي من يومها بعلقَمَة الفحل.. وكانت هذه من أوائل (إن لم تكن أول) وقائع النقد البلاغي في تاريخ الأدب العربي الجاهلي.