مع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، بدأتُ أسمع الكثير من التحذيرات والتخوّفات بشأن تأثيرها على مستقبل العمل الحر. في البداية، كنت مترددة مثل كثيرين، لكن قررت أن أجرّب بنفسي بدلًا من أن أظلّ قلقة. تجربتي مع الذكاء الاصطناعي حتى الآن ليست عميقة، لكنني استخدمته كأداة للعصف الذهني فقط. حين أبدأ في التحضير لمقال أو مشروع جديد، أجد أحيانًا صعوبة في ترتيب أفكاري أو توليد زوايا مختلفة للموضوع، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي. أطرح عليه الفكرة التي أعمل عليها، فيقترح عليّ نقاطًا أو أسئلة فرعية تساعدني على رؤية الموضوع من جوانب مختلفة. لا أستخدم المحتوى الذي ينتجه بشكل مباشر، لكنه يختصر عليّ وقت التفكير ويساعدني على البدء. بالنسبة لي، لم يكن الذكاء الاصطناعي بديلاً، لكنه أداة تساعدني على الانطلاق حين أشعر أن الأفكار لا تتدفق بسهولة. وهذا وحده كافٍ لأراه داعمًا لي في عملي كمستقلة، لا مصدر تهديد.
كيف غيّر الذكاء الاصطناعي طريقتي في إنجاز مشاريعي؟
المشكلة يا إسراء أن أدوات الذكاء الاصطناعي تعددت للغاية؛ أصبحت كل يوم أسمع عن أداة جديدة تقوم بعمل مهام جديدة مبهرة، كما أن من عيوب هذه الأدوات أنها أحياناً تعطل سلاسة أفكارنا، فلو لدينا تسلسل وإنسيابية في الأفكار وحاولنا طلب مساعدة الذكاء الاصطناعي في تحسين الفكرة مثلاً، يقوم بإضافات من عنده تقطع علينا تسلسل أفكارنا وننتهي بعيداً عما أردنا من البداية.
فلو لدينا تسلسل وإنسيابية في الأفكار وحاولنا طلب مساعدة الذكاء الاصطناعي في تحسين الفكرة مثلاً، يقوم بإضافات من عنده
في التفاوض تعلمنا أن نفهم كيف يفكر الشخص حتى نستطع أخذ كل شيء منه وامتلاك دفة الحوار؛ كذلك في الذكاء الاصطناعي وهندسة الأوامر فنحن لا نفهم كيف يعمل الذكاء الاصطناعي ولذلك لا يعطينا النتائج التي نريدها.
هناك طرق معينة واستراتيجية نعطي بها الأوامر للذكاء الاصطناعي ليخرج ما نريد بالضبط أو ربما أفضل.
صحيح أن تعدد الأدوات أحيانًا يجعل من الصعب اللحاق بكل جديد، لكنّي أتعامل معها كصندوق أدوات أختار منه ما يناسبني حسب الحاجة، دون أن أحمّل نفسي عبء تجربة كل شيء. وبالنسبة لتأثير الذكاء الاصطناعي على تسلسل الأفكار، أعتقد أن الأمر يعتمد كثيرًا على طريقة استخدامنا له. أنا أستخدمه فقط في مرحلة العصف الذهني الأولى، أي قبل أن أبدأ في بناء هيكل الفكرة أو الكتابة الفعلية، فبالتالي لا يؤثر على سلاسة أفكاري، بل يساعدني على توليد زوايا متعددة أختار منها ما يخدم رؤيتي. أراه كأداة للتمهيد لا للإنتاج، ولهذا لم أشعر أنه يقطع عليّ الطريق، بل يفتح لي بدايات ممكنة.
تجربتي مع الذكاء الاصطناعي حتى الآن ليست عميقة، لكنني استخدمته كأداة للعصف الذهني فقط.
إذا جربتي Custom GPTs يا إسراء لن تقولي هذا: فهذه ميزة في جيبيتي المدفوع تعمل معكِ في مجال معين كمحترف في هذا المجال؛ يعني مثلا لو أردتي محترفا يعمل معكِ على البرمجة فيمكنك البحث عن PT متخصص، ولو أردتِ متخصص في التسويق أو المالية فيمكنك فعل نفس الشيء. وهكذا تستفيدين منه أقصى استفادة بشرط أن تكوني أنتِ متخصصة في المجال الذي تستخدمينه فيه حتى لا يهلوس وهذا من أكبر عيوب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية.
بالفعل سمعت عن Custom GPTs وميزاتها، لكنّي لم أجرّبها بعد بشكل عملي. ربما يعود ذلك إلى أن استخدامي للذكاء الاصطناعي حتى الآن كان محدودًا بالعصف الذهني فقط، ولم أتوسع لاستخدامات أعمق. لكن كلامك شجعني على استكشاف هذه الأداة بتركيز أكبر، خاصة في مجالات الكتابة والتسويق التي أعمل بها. أعجبتني فكرتك حول ضرورة أن يكون المستخدم ملمًا بالمجال حتى يستفيد فعلاً، لأنّ ذلك يمنحه القدرة على التمييز بين المعلومة الدقيقة والهلوسة.
شرط أن تكوني أنتِ متخصصة في المجال الذي تستخدمينه فيه حتى لا يهلوس وهذا من أكبر عيوب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية.
برأيك كيف نتغلب على هذه الهلوسة؟! يعني كيف نعطيه الأوامر بحيث يبحث لنا عما نريده بدقة دون أن يخترع نصوصًا؟! لأني ذات مرة جربته وسألته أن يخرج لي مثلاً من ديوان المتنبي أبيات شعر متعلقة بصفة معينة مثل الكرم أو البغض فوجدته يؤلف شعرًا وينسبه إلى المتنبي! ولولا أني أعرف كيف يصاغ الشعر لوقعت في أخطاء هنا! ولذلك، اضطررت أن أبحث بنفسي في ديوان المتنبي وهذا عمل مرهق بالطبع.
ولكن ألم تفكري أن استخدامه هنا سيحرمك من تطوير مهاراتك في التفكير والتحليل والعصف، وسيؤثر على قدرتك في تقديم المقترحات وتخطيط العمل وبناء صورة مبتكرة وناجحة عنه، تخيلي أن تكوني في اجتماع أطلب منك مقترحات لعشر مقالات وخريطة لكل مقال بهذه الطريقة لن تقدمي لي أفضل رد، لأنه اعتمدتي على نموذج يوفر هذا، وكان من الممكن أن تتعلميه أو تمارسيه فتأخذي نتائج متدرجة في الجودة إلى أن تصبحي تماماً مثل النموذج لذلك أنا لست مع استخدامه بصراحة
أفهم ما تقصده، لكنّي لا ألجأ لاستخدام الذكاء الاصطناعي إلا عندما أكون بالفعل قد استنزفت أفكاري، وبذلت مجهودًا في التفكير ولم أصل إلى زوايا جديدة. في هذه اللحظة، أراه أداة تساعدني على تجاوز التعطّل، لا بديلاً عن مهاراتي. بالعكس، كثيرًا ما اقترح عليّ افكار أو تساؤلات لم تخطر ببالي من الأساس، وهذا ما أراه قيمة حقيقية تستحق الاستفادة منها. فما دمت لا أتنازل عن دور التحليل والتطوير، فلا أرى ضرراً من استخدام أداة تفتح لي آفاقًا جديدة حين تعجز ذهنيتي عن الوصول إليها وحدها.
التعليقات