اليوم الواحد فيه 24 ساعة كما هو معلوم، وقد كنا زمان نقسم اليوم إلى ثلاث أثلاث ثمانية ساعت للنوم، وثمانية للعمل، وثمانية افعل بها ما شئت. عند النظر اليوم إلى هذا القسيم، نجد أنه بلا جدوى تقريبا في عالم تحكمه التغيرات المستمرة بسرعة تحدث لحظيا في أجزاء من الثانية. هناك مشاكل عديدة حول الإنتاجية وعبث جاري أتى به الناس بـ أن قاعدة (20/80) التي تعلن وبشكل سافر أن ثلاث أجزاء جهدك هو جهد مهدر، وفقط ربع الجهد يُعطي نتيجة، وأقاويل مزعومة حول (اعمل بذكاء، لا تعمل بجهد).
عند تفنيد الكثير من النصائح الريادية نجد أن فيها أحد عيبين
إما أنها تعطي وعودا زائفا غير مبنية على نتائج مجربة، وذلك نوع من الاحتيال.
وإما أنها تعمم على شرائح تعمل وفق ظروف بعينها، متجاهلة أحوال كثير من البشر، ناهيك عن تجاهلها للحالات الفردية
اليوم فيه 24 ساعة، إذا قمت بطرق مسمار واحد في كل دقيقة لتثبيته في الخشب، بطبيعة الحال في ساعة واحدة سوف تثبت 60 مسمارا، وعلى غرار قصة السلحفاة والأرنب، قد تسبق السلحفاة الأرنب، علما أننا لسنا سلاحف. فأي شخص، وإن كان أسرع منا، لا يعني ذلك بالضرورة أن نشعر بالعجز، لو عملت اليوم كله بشكل إيجابي (يعني ليس مجرد طرق بلا هدف) فإن هذا وعلى نحو حتمي سوف يعزز الإنتاجية. لا يصح أن نساوي بين من يعمل ساعتين، ومن يعمل الثمان ساعات كاملة، على فرض أن لديهما نفس المقدرات، فإن من يزيد في عدد ساعاته سوف ينتج أكثر. ولهذا السبب صنعوا منتج مهني اسمه الوقت النهائي، أو موعد التسليم (ديد لاين dead line) الذي لا يراد به إلا عزل الذهن العامل عن أي مشتتات قد تؤخر أو تؤثر سلبا على جودة العمل الذي يتم إعداده، أو المهمة الجاري تنفيذها.
يعني ببساطة، أنت تعزل الشوائب -وهي كثيرة جدا بالمناسبة- حتى تصل إلى وجهتك في نطاق هذه الساعة، هذه هي الخطوة الأولى من أجل تعزيز الإنتاجية داخل نطاق إطار زمني محدد، وكل النصائح والخطوات لا تجعل الساعة تتحول إلى ساعتين، ولكنها تعمل على تقليل الهدر إلى المستوى الصفري، تقليل الهدر وليس تقليل الجهد، فكل ما يقال عن الجهود الأكثر إنتاجية هي توجهات في غير محلها. لأن هذا ليس إلا شكل واحد من أشكال تعزيز الإنتاجية نتناوله هنا، هناك شكل آخر يعتمد وعلى نحو حاسم على (التكليف)، ونفصل فيه لاحقا.
أكثر حاجة جميلة في إزالة الشوائب، أنها تجعلنا نقدر الوقت، والمال، مثلا العامل باليومية، طلع عين أهله عشان يكسب قوت يومه، لن ينفق ماله في قطعة شوكلاتة جلاكسي لن تملأ بطنه ولا بطون عياله، كان الأفضل أن يشتري فاكهة مغذية أو لا يشتري، القصد أن الواحد ساعتها يشعر بقيمة القرش، والجنيه.
وقديما كان منتشر في بدايات ذيوع صيت التنمية البشرية على الشبكات الإجتماعية نصائح طريفة من باب:
لتعرف قيمة عام اسأل طالب رسب في عامه الدراسي.
ولتعرف قيمة شهر اسأل أم وضعت مولودها في الشهر الثامن.
ولتعرف قيمة أسبوع اسأل رئيس مجلة أسبوعية.
ولتعرف قيمة اليوم اسأل عامل باليومية يرعى عدة أطفال.
ولتعرف قيمة الساعة اسأل مقاتلا ينتظر إشارة بدء المعركة.
ولتعرف قيمة الدقيقة اسأل شخص فاته القطار للتو.
ولتعرف قيمة ثانية واحدة اسأل شخص نجا من حادث للتو.
ولتعرف قيمة جزء من الثانية اسأل شخص فاز في سباق أولمبي للركض.
الخطوة الثانية هي معرفة أقصر الطرق للوصول إلى (إتمام المهمة)، وهذه تحدث بالخبرة (تعلم بالتراكم) أو بالتعلم المباشر، ورغم أن قاعدة (20/80) قد تكون مطاطة جدا بحيث قد تتحول إلى (50/50)، ولكن في بعض الحالات قد تتحول إلى قاعدة عكسية، بمعنى أن الأساليب الخاطئة قد لا تتعدى العشرة في المائة والطريقة التي تعمل بها صحيحة، أنت فقط تحتاج إلى إتمام الكفائة بنسبة عالية جدا، ولنقل 95%. والكفاءة هنا تنعكس على الجودة، أو سرعة التنفيذ. لاحظ أنني لم أنكر أي من النصائح التقليدية مثل النسبة الذهبية هذه أو العمل بذكاء، أنا فقط أحاول أن أزيح عنها مثاليتها.
الخطوة الثالثة، هي ضرورة ألا تعلق في زحام مروري بين أفكارك، إذا وجدت مطب كبير خذ لك راحة، أو اتجه في طريق آخر غير متعرج وليس ملئ بالمطبات والبالوعات والمنحدرات، والمعنى هنا، أحيانا يكون التنوع في تنفيذ المهام له آثار إيجابية، خاصة كلما كانت المهام صعبة ومعقدة. حينها، لم تقفل مع واحدة، تلاقيها مفتوحة مع التانية. يعني لا تعطل نفسك. ولو حسيت إن فيه مهمة تسببت في ضيق لك اتركها وعد لها لاحقا، اتركها وتوجه على الفور إلى أداء مهمة أخرى. لهذا ينصح جدا بالعمل على مشروع خاص إلى جوار عملك الحرّ. هناك من يمزج بين العمل الحرّ، والعمل بالدوام الثابت، ومشروع خاص، وخدمات استشارية (غول ده بعيد عنك).
الخطوة الرابعة، ضرورة ألا تعلق في أي عطلة، يعني واحدة من الأمور التي تستهلك الوقت، هو أن تجد نفسك عاطلا بلا عمل، لأي كان السبب، بالتأكيد لن تكون أكثر إنتاجية إذا تركت الوقت يتفلت بين يديك دون أن تعزز إنتاجك بالمزيد من المنتجات والمشاريع. الراحة لا يوجد أسهل منها، الأسوأ أن تعلق في رثاء الذات على ما فات، أو التطلق الأفاق لما هو آت.
الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، فليس لك إلا وقتك الراهن، لذا لا داع لأن ترهق نفسك في أشغال ماضوية أو تنبؤية ما لم تكن محكومة إلى نتائج الحاضر. وفي هذا يقول سعود الشريم في واحدة من روائع دعوياته: أن ما مضى فات، فلن يرجع إليك، وأن المستقبل غيب، لا يعلمه إلا الله، وأن المرء ليس له إلا ساعته التي هو فيها، ولهذا استدل أهل المعرفة على راحة بال المرء بثلاث:
بحسن التوكل فيما لم تناله (في تطلعاتك القادمة)
وحسن الرضا فيما نلته بالفعل (وفي هذا أفضل إدارة للموارد التي تملكها حاليا)
وحسن الصبر فيما قد فاتك (والتدبر والتعلم من أخطائك)
وفي القول المأثور: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد (كل أقوال آبائنا صالحة جدا اليوم، ولكننا نحب أن نجهل أو نتجاهل!).
وخلاصة الخطوة / القاعدة الرابعة، هو أن تبقي وقتك مشغولا دائما (رغم أن البعض يرى أن ذلك له آثار سلبية ضد الإنتاجية).
الخطوة الخامسة، يقول ابن القيم، ثلاث تخفيهم عن الناس، ذهبك ومذهبك وذهابك، يعني مالك، ومشوارك / عملك، وما في نية قلبك.
الخطوة السادسة، التقسيم، وقد تكون سابقة على كل ما فات
اليوم 24 ساعة، لنوزعهم على أربع
ست ساعات نوم، من هنا تكون حققت مرادك في تعزيز الإنتاجية والعمل وقتا أطول والناس نيام، ولكن في نفس الوقت لا تتخلى تماما عن السعة الطبيعية التي يحتاجها الإنسان للحفاظ على صحته وعلى تركيزه يقظ، وهي سعة تقع بين ست إلى تسع ساعات. لا أقول لك نام التسعة ولا الثمانية، نام فقط من ستة إلى سبعة. ولو نم ست ساعات فقط، يمكنك الاستفادة من وقت القيلولة لمدة ساعة أو 45 دقيقة كافية لتجديد النشاط في منتصف النهار. ولو تخليت عن هذه القيلولة يبقى لديك ساعة افعل بها ما شئت.
ست ساعات عمل، ده بقى، وسامحني في القول، اشتغل فيهم حمار شغل (عادي حتى لو وظيفتك مكتبية خليك حمار ذهني، فالحمار ذكي والأشغال العقلية أكثر تعقيدا وأحيانا أصعب من تلك البدنية).
كده فيه ست ساعات، أعتقد كثيرة جدا، الست هذه إذا لم تستهلكهم في المواصلات، تقدر تستفيد بيهم بطرق عديدة، ساعة للصلوات أو الخلوات، ساعة للقيلولة كما ذكرنا، ساعتين للطعام والعناية الشخصية. يتبقى لك ساعتين، إحداهما للقراءة، والأخرى للعائلة أو الزيارات أو الخروجات أو الأصدقاء (كل يوم ساعة واحدة عادي في اليوم). ولاحظ إن الست ساعات تختلط، فمثلا أنت ممكن تستحم مع زوجتك، أو تتناول الطعام مع عائلتك، أو تنام وسط أولادك، أو تصلي مع أصدقائك، أو تختلي مع نفسك. اعمل ما شئت، معاك ست ساعات بحالهم.
لاحظ أنه سوف يتبقى لك ست ساعات، هي للعمل المضاعف، بحث عن فرص جديدة، محاولة استعمال أساليب جديدة لتعزيز الإنتاج دون أن تؤثر على إنتاجك اليومي في الست ساعات المذكورة سلفا، بص (عيش).
التعليقات