لم يكن اهتمامي بعلم النفس محض فراغ، بل كان بعد تساؤلات كثيرة كانت تدور في خلدي عن ماهيتي صفاتي، لماذا أنا ما أنا عليه الآن؟ الكثير من الأسئلة غير المجابة، وعندما شرعت في البحث تكشفت أمامي أشياء كثيرة لم أسمع عنها من قبل من مصطلحات غريبة، وتعبيرات مبهمة، وشروحات مستفاضة، وقصص لا تنتهي، وعلمت حينها أنني إن لم أستطع فهم تلك المصطلحات العلمية لن استطيع إيجاد حلول لتساؤلاتي، كل شئ كان يكمن في المصطلحات، قد يبدو هذا غريبا لكن لا يمكنك وصف خصائص القلم ان لم تكن تعلم ما هو القلم، عندما تعرف ماهيته تستطيع التعبير عن خصائصه بسهولة أنه أداة تستخدم في الكتابة، لذلك وجب علي البحث عن ماهيتي.
كل ما كنت أعرفه أنني شخص خجول أو هذا ما كان يردده البعض، كانت مجرد كلمة لا تحمل معانِ كثيرة ، كلمة فضفاضة، ما إن أمسكت بها من جهة أفلتت من الأخرى، ربما تأتي في بعض المصطلحات الشعبية المتداولة تضاداً لكلمة (فهلوي)
كان البعض يثني عليها والبعض الآخر يبغضها لكون المتصف بها لا يستطيع التعامل أو التكيف والاندماج مع البيئة.
الإنطوائية أحدى الصفات الشائعة لدى عدد كبير من البشر، وتظهر غالباً في فترة الصغر من سنة الي ثمان سنوات تقريباً، وتزداد حدتها أو تقل مع تقدم المرء في السن، لكنها لا تختفي حتى لو أدعى البعض أنه استطاع التخلص منها، هو يشعر بها عندما يجلس وحيداً، حالما يغادر الجمع قد يشعر بشئ من النفاق أنه ليس ذلك المرء الذى يتحدث كثيراً وربما يكره ذلك فيه.
أعتقد أنها تظهر بسبب المشاكل العائلية، أو التربية الصارمة، وربما التعرض للايذاء الجسدي والنفسي في فترات الطفولة، وربما خليطا من هذا وذاك.
لدي صديق لديه رهبة من الكلاب، ربما لو رأى جرواً صغيرا على بعد 100 متر لسلك الطريق الأخر، بل يفعل! وذلك لأن أحد اقربائه تم عضه من قبل كلب هائج، فحدثته أن ذلك يحدث غالبا، أي يصبح الكلب هائجاً عندما يتعرض في الغالب لإيذاء نفسي أو جسدي من أحد المعاتيه من البشر، يصبح الكلب إما عدائيا أو خائفاً عندما يقترب منه أحد، أما أنه يحرك ذيله ويقرفص رجليه، ويخفض رقبته، ويبدء في اصدار اصوات معينة دليلا على الخوف، وإما أن يهاجم.
هكذا يصبح الأطفال الذين مروا بما ذكرت سلفاً أما عدائيين أو أنطوائين لا يفضلون الجماعات كثيرا.
نعم لا أحب الجماعات كثيرأً، وفي المناسبات العامة أنا ذلك الشخص الذى يجلس في نهاية الغرفة اما مشاهداً يقوم بتحليل كل ما يقع عليه عينه، أو ينشغل بأي شئ آخر، ذلك يقلل من وطئة شعوره بعدم الإرتياح وسط الجمع، ذلك الشخص الذى لا يتحدث في أي شئ يشغل العامة من أخبار محلية وعالمية أن تحدثوا بذلك في المواصلات العامة، الجامعات أو غيره.
قد يقول البعض أن هذا يعود الى عدم ثقة في النفس أو نقص لدى الشخص المدعى أنه انطوائي، بالرغم انه ليس هناك من يدعى ذلك، لكن ربما تكون الفرضية صحيحة يعود ذلك الى قلة ثقة في النفس في بعض الأمور، منها الخوف من انتقاد الناس له، أو رفضه، كنت كذلك بالفعل، لكن لم أعد كذلك منذ وقت بعيد، بالرغم من كل هذا فما زلت أفضل الجلوس وحيداً على الجلوس في جماعات، لا أكذب عليكم عندما اجلس في نهاية الغرفة أتمنى أن يأتي أحداً لإلقاء التحية، والتحدث حول شئ هام، يمكن أن يساعدني، ويمكنني أن أساعده، لكن في كل مرة لا يأتي أحد، وتظل سماعات الرأس الصديق الأوحد لي عند وجود جمع كبير حولي، لا أستطيع الاستغناء عنها نهائياً، ربما أشعر بعدم ارتياح عند فقدانها، وربما يجعلني ذلك ألجأ للتحليل مرة ثانية، أي تحليل أفكار الناس وأقوالهم وردود أفعالهم على مواقف معينة، أو أحاديثهم، حتى ينعدم الوقت تماماً، قد يتعبني ذلك في بعض الاحيان، وقد يجعلني أبتسم.
لا يوجد أحداً انطوائي بنسبة 100% أو اجتماعي بنسبة 100% بل كل شخص هو خليط من هذا وذاك، لكن عندما تزداد النسبة 3:1 كمثال يمكن أن نقول أن هذا انطوائي، وهذا اجتماعي.
لقد قلت أنني أحب الجماعات، كيف ذلك؟ أعتقد بالنسبة لي العامل المؤثر هنا هو الجودة، جودة الحديث و جودة العمل، جودة الاشخاص الذين أقابلهم، أعتقد أن هذا ما أريده، ولا أعتقد أنني أستطيع الوصول لذلك، فهي مجرد خيالات مثالية تكاد تكون غير موجوده.
كيف تعرف أنك شخصاً انطوائياً؟
إن كانت كل مناقشاتك فلسفية، حول الكتب الأفلام، أو مواضيع أخرى هامه، أن كانت معظم المواضيع التى تطرحها أو تناقشها مثيرة للتفكير، أن كنت تستمتع بالجلوس وحيداً معك كتاباً أو لا تفعل أى شئ عن الجلوس في جماعات، أن كان هناك تغيراً في تصرفك عندما تقابل شخصاً غريباً ربما تلعثم في الكلام، إن كنت أيضا لا تدخل في أحاديث جانبية في المواصلات أو الجامعات، وأن كنت لا تشارك في المشاكل العائلية بل تظل صامتاً وربما تذهب لغرفة أخرى أو تخرج الى أن تنتهى ثم تعود، إن كانت لديك رهبة من التحدث مع فرد من الجنس الأخر، ولداً إن كنتي فتاة، وبنتا إن كنت شاباً، لديك فهم عميق الى حد ما للمشاكل العاطفية، وفهم طبيعة شخصيتك، تفضل العمل وحيداً، لكن يمكنك قيادة فريق بسهولة وتوجيهه بالطريقة السليمة، لا تحب الانخراط مع أناس يبدون مستاءين أو غاضبين أغلب الأوقات، لا تتحدث كثيرا عبر الهاتف، ربما تستخدم السوشيال ميديا كثيرا، تلاحظ التفاصيل الدقيقة في كثير من الأشياء التي يغفل عنها الكثير، لا تعبر عن مشاعرك لأحد، ولكن تحب مساعدة الاخريين للتعبير عن مشاعرهم، الكثير من الاحاديث الداخلية وغالبا تكون عبارة من مناقشات بين شخصين يتمثلون فيك، وهناك المزيد من الصفات المرتبطة بالإنطوائية.
اذا هل الانطوائية صفة جيدة أم سيئة، أعتقد أن كل شئ كان هو حسن وسئ العامل الوحيد المؤثر هو النسبة. يرى كثيرون أن الانطوائية أحدى سمات القادة، ويتسم أصحابها بالتفكير النقدي، والقدرة على الخروج من الأزمات، وتفهم مشاعر الاخرين والتعامل معها، وليسوا متسمين بالشخصية السيكوباتية، ويستغلوا أوقاتهم بطريقة منهجية وانتاجية أكثر، والقدرة على العمل تحت ضغط، لذلك يراهم البعض أنهم يتسمون بالبرود، لا يغضبون حول الأشياء المسببة للغضب في الغالب، ويفضلهم بعض أصحاب الشركات.
خلاصة القول أنا لا استطيع التخلص من الانطوائية لكن يمكنني توجيهها بالطريقة الصحيحة، تنفلت الدفة في بعض الاحيان، لكن يمكنني التحكم فيها، لتعود الى مسارها الصحيح.
بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، وإن واحدة من أفضل الطرق لعلاج المشاكل النفسية هي الكتابة، أو مشاركتها مع الأشخاص الذي تثق فيهم، لم أجد مكان أفضل من منصة حسوب لمشاركة قصتي، وأنتظر مشاركة قصصكم
التعليقات