ماذا بعد أن تكبر وتصبح مسؤولاً، لتبحث عن وظيفةٍ فتحصل على عملٍ يلبي رغبات ذويك، وتسير وفق مخططات وأهواء من يهتم لأمرك، حتى تأتي اللحظة التي ينبغي فيها أن تتزوج من امرأةٍ تكون من ترشيح والدتك ومباركة أفراد عائلتك، فتعجب بها في البداية وتظن حتى بأنها أصبحت تعني العالم بالنسبة إليك، فهي تستجيب لشروط المرأة النمطية الاعتيادية الخلوقة الوفية، ابنة العائلة المحافظة المتمسكة بالعادات والتقاليد، والتي تستطيع تنظيف المنزل، وصنع مختلف الأطباق الشهية، وتربية الأطفال ومراعاة شؤونهم، وتحمل مسؤوليات المنزل في غيابك، بالإضافة إلى تلبية رغباتك الليلية في الفراش، فتستجيب لهذه الفرصة وتلبي النداء في أقصر وقت ممكن، لتكتشف مع مرور الأيام وتعاقب الشهور والسنين بأنك قد ساهمت في صنع مخلوقٍ غير واضح المعالم، لم تعد تفاصيل حياته موجودةً على قائمة أولوياتك لأنه لم يكن يوماً من اختيارك وصنع قرارك.
وماذا بعد أن تكبري أنت أيضاً، فتتزوجين رجلاً لا يمت بأي صلة لك، ولا يشغل باله وحياته باهتمامتك وتفاصيل رغباتك، وتتركين لأجله من يترنح وحيداً بعد أن واجه العالم يوماً ما لأجلك، حتى ترضي بذلك العائلة وجمهور المجتمع فيقوم هو في المقابل بإرضاء كل متطلباتك وتحقيق كل متطلباتهم من منزلٍ وسيارةٍ ومكانةٍ اجتماعية، وبعد عمرٍ قصير تجدينه يأتيك إلى المنزل ليلاً أو لا يأتيك أبداً، فإن أتى جلس بجوارك لعشرة دقائق ثم ينسحب ليغط في نومٍ عميقٍ غير عابىء بك ولا مكترثٍ لمشاعرك، ويتحول بعد فترةٍ وجيزة إلى مجسمٍ متحركٍ من الجليد البارد، والذي لا يرى فيكِ سوى شريكةٍ قد فرضها الروتين المجتمعي عليه في إطار عقد شراكةٍ سمي بالزواج.
وماذا بعد أن تتقدموا في العمر جميعاً، وتأخذكم مشاغل الحياة، وتصيبكم الظروف في مقتل، فتفرحون وتمرحون حين تحصلون على وظيفةٍ أو ترتقون بدرجات مناصبكم، وتلهثون كالخراف وراء السيارة والأثاث الفخم والقرض السكني وعُلب الحليب ولوازم المدرسة لأبنائكم، ثم تغرقون في عيادات الأطباء ومحاليل المستشفيات وحقن الأنسولين وحبوب ضغط الدم والكوليسترول، لتتحولوا في نهاية الأمر إلى أجسام مترهلةٍ مقيتةٍ قد عفى عنها الزمن ولم ترحمها الحياة، ثم تكتشفون في نهاية المطاف متأخرين كما العادة بأنكم قد أمضيتم أعماركم تتبعون السراب، وأنكم تركتم جميع التفاصيل الرائعة التي تحوي في ثناياها حياتكم الحقيقية التي لم ولن تعيشوها يوماً، ثم ترحلون في هدوءٍ ويلفكم النسيان جميعاً.
التعليقات