في لحظة من لحظات الضعف الإنساني، حين كان الألم يطوّق بطني ويختنق صدري بتقلصاته، اقتربتْ مني… تلك التي لطالما خشيتُ منها حاجزًا لا يُكسر. لكنها تقدّمت نحوي كأمٍ دفعتْها غريزتها، لا معرفتها، وجلبت لي مسكنًا… وشيئًا من العطف، وكثيرًا من الحنان.
لم يكن الدواء ما شفى وجعي، بل دفء يدها حين وضعته أمامي، وكأنها تقول دون كلمات: "أنا هنا." شعرت حينها أن شيئًا ما قد انكسر بداخلي… خوفي ربما، أو تلك المسافة الباردة التي كنت أضعها بيني وبينها. ما دار بيننا من حديث بعد ذلك لم يكن كلامًا عاديًا، بل كان اعترافًا غير منطوق بأننا وجدنا بعضنا، أخيرًا، في عالمٍ مزدحمٍ بالمفارقات.
ثم استطعت ان اكسر حاجز الخوف وطلبت رقمها والتواصل معها وهي لم ترفض ابدا وبدأت حكايتنا:
همستُ لها بما أخفيه: أنكِ تشبهين الأم، في حنانك، في طريقتك حين تسألين، حين تهتمين. قرأتُ عليها ما كتبتُه عنها من قبل، فاستغربت إعجابي، وسألتني بدهشة طفلة: "لماذا؟"
أجبتها ببساطة مؤلمة: "لأنكِ حنونة جدًا وهذا يجبر الانسان محبتك رغما عنه "
فتأثرت جدا بما كتبته عنها وقالت لي انها معي دائما
ولمّا أخبرتني صديقتي بأن هذه المرأة لا تملك أطفالًا، أدركت ما وراء الحنان. كم هو غريب أمر الحياة، تأخذ من الإنسان شيئًا، فتعطيه قدرة على منحه للآخرين بشكل مضاعف. لقد عوّضت غياب أمومتها، بأن صارت أمًّا للعابرين أمثالي، ونحن، دون أن نعلم، كنّا بحاجة لمن يحتضننا بلا شروط.
نحن نتشابه، أنا وهي. كلتانا نضحك كثيرًا… ولكن خلف كل ضحكة، ألم لا يُقال، وفراغ لا يُملأ، ووجع لا يُرى. نتخفّى خلف ابتسامتنا، لا نُظهر ضعفنا لأحد، لكننا حين التقينا، تعرّينا من كل شيء. لم نخفِ شيئًا. كأن قلوبنا تحدّثت أولًا قبل أن تسبقها أفواهنا.
يا لها من علاقة بدأت بخوف، وتفتّحت كزهرة صبّار في صحراء مهجورة… فيها شوك، نعم، لكن داخلها ماء الحياة.
التعليقات