من نصف الكرة الغربي إلى نصفها الشرقي ، من شاب ليبي عادي إلى مغني لاتيني كولومبي مشهور.
قد يسمّي البعض هذا ويصفه بأنه حلم وردي مستحيل ولكن للأسف ( نعم للأسف ، لأن ذلك يمكن أن ينقلب ضدي ) أنا لا أجده مستحيل بالنسبة لي.
عندما كنت صغيرًا ( في الواقع حتى الآن لازلتُ أفعل ذلك ) كنتُ ألتقط المشط الخاص بمجفف الشعر المشابه للمايكرفون من على المنضدة الخاصة بالمرآة واتّجه لباب الغرفة لإقفاله ومن ثمّ أبدأ بتقديم عروض عالمية في الغرفة لآلاف الأشخاص الفتراضين وأمام عشرات الكاميرات وأغنّي للفنانين الذين أحلم أن أصبح مثلهم وأحقق نجاحات مثل نجاحاتهم : جي بالفين ، شاكيرا ، إنيريكي اغلاسيس ، أوزونا ، باد باني ، وغيرهم ، لا أحد يعلم بهذا العرض العالمي الّذي أرقص فيه وأغني لعشرات الدقائق وحتّى أغرق في العرق ، أحيانًا تراني أمي من خلال النافدة المطلة على الردهة الّتي غالبا ما أنسى إغلاقها لكي لا يرى أحد جنوني الّذي لا يبدو جنونًا بالنسبة لي ، ولكن كانت لا تبالي لما أفعله وتعتقد أنه مجرّد لعب صغار وأحلام من ضرب الخيال مشابهة لأحلام الأطفال المصحوبة بالشقاوة والجنون كالطفل الذي يتقمص شخصيات كرتونية فيبدأ بالقفز كسبايدرمان وتسديد الضربات التي تذهب سدى في الهواء كأفاتار ،ولكن قبل 8 سنوات عندما كنت في الحادي عشر من عمري ولكن هل لازلتُ حتى الآن طفلًا لدية 19 عامًا ؟! لا أعتقد ذلك البتّة.
من ليبيا بلد الموارد الإماراتية والحياة الصومالية ، خرجت من الثانوية بنسبة 95% تقريبًا ، وبعدها سجلت في كلية الطب البشري بدون رغبة حقيقة ، في الواقع كانت هنالك رغبة ولكن لسوء الحظ أنها لأبي وليست لي ، أبي كان يريدني أن أصبح طبيبًا منذ أن كنت في الابتدائي ، أمي كذلك ولكن كان ولا يزال أكثر إلحاحًا.
بالنسبة لي لا أحب هذا التخصص وأؤمن بالحقيقة الواقعية وهي أنّ المجتمع يحتاج لجميع التخصصات من عامل النظافة حتّى السياسي الذي يحكم الدولة ويأكل حق ذلك العامل الشريف ، ذلك عكس فلسفة أبي الذي يؤمن بأن الطب والهندسة هما الأفضل وعلى الجميع أن يدرسهما ، أبي يفضّل الأمان الوظيفي والاكتفاء بالمرتب الحكومي على الخوض في تجربة شيقة ومثيرة ومخفوقة بالمخاطر ولكنها في النهاية هي رحلة لإيجاد الذات وليست طيش وغباء فمن لا يحب صعود الجبال يعش أبد بين الحفر. الأمر يتوقف عليّ أنا في اختيار الجبل الذي أريد صعوده ، ما أحب ، ما أريد أن أدرس وأعمل لبقية حياتي ، ما التخصص الذي أحبه ولدي شغف كبير تجاهه يمنحني قوّة للبدء والإكمال وطاقة للقتال.
لنفترض أني درست الطب بدون رغبة ونجحت فيه وتحصّلت على البكالوريس وحتّى الدكتورا وعملت في إحدى المستشفيات العامة المزرية في ليبيا بمعاش لا يتجاوز ال 700 دينار شهريًّا ( 130 دولار بالسعر الحالي في السوق السوداء ) ، هل في رأيكم سأكون سعيدًا عندها ؟ انتظروا قليلًا ! دعكم من المائة وثلاثين دولارًا في الشهر الّتي لا تؤمن حتّى مكان لائق للسكن ، ناهيك عن انعدام التأمين الصحي للأطباء !!! ( تناقض رهيب ) والعلاوات و....إلخ من علامات التهميش الواضحة التي يتعرض لها قطاع الطب في ليبيا ، لنفترض أني راتبي 4000 دولار ( أكثر من راتب طبيب ألماني ) ، ولدي تأمين صحي وجميع ما أتت به الحكومات الخيالية من ميزات لموظفي القطاع العام ، هل سأكون سعيدًا عندها ؟ درستُ مجال لا أحبه وعملتُ في مجال لا أحبه وسأفعل لبقية حياتي ، وتخلّيت عن جميع أحلامي التي كنت في غاية وأقصى مستويات الحماس لتحقيقها ، هل سأحصل على الرضى عندها ؟ أو على الاستقرار الداخلي الذي يتكلم عنه خبيرو التنمية البشرية ؟
هذا الأسبوع بدأت الدراسة الجامعية في ليبيا ( كلية الطب تحديدًا ) أذهب إلى هناك برغبة نسبتها صفر في المائة ، نية نسبتها صفر في المائة ، شغف نسبته صفر في المائة ، الجميع يدرس في كورسات بما أن الدكاترة المحاضرين الشرفاء النزهاء في الكلية لا يقومون بواجبهم تجاه الطالب ، وأنا أجلس في البيت وليس لدي نية حتى في أخذ أحد مجلدات الأناتومي أو البايو لدراستها ، لماذا ؟ لأني في تخصص أكرهه ولا أريده ولا أجد نفسي وبعيد عن حلمي وبعيد عن الطريق الذي يؤدي إلى الشخص الذي أريد أن أكون عليه مستقبلًا.
المجال الذي أخبه هو إدارة الأعمال ، هذا بالنسبة للمجال الدراسي ، أما بصفة عامة : الغناء بالطبع ، وهو ما أطمح إليه أكثر من إدراة الأعمال بفروعها ، حلمي أن أصبح مغني لاتيني ، ذلك حلمي بأتم معنى الكلمة ، مستعد حتى للموت لأجله ، فأنا مهووس بالأغاني اللاتينية وأنواع الفن اللاتيني وخاصة الحديثة كالريغيتون ، بدأت منذ فترة ( حوالي شهرين ) بتعلم الإسبانية لهذا الغرض ، صحيح في البداية ومنذ صغري أحب الغناء بجنون ولكن لم أقرّر أني أريد أن أكون مغنّيًا رسميًّا لبقية حياتي إلا في فترة الحجر الصحي منذ بداية العام السابق ( 2020 م عفانا الله وإياكم ) ، طبعًا سجلت قبل فترة الحجر في كلية الطب ولكن الدراسة لم تبدأ إلا الآن ،وخلال فترة الحجر وتحديدًا منذ منتصف عام 2020 م قرّرت فعلًا أن أسافر لأبدأ في المجال الذي يمثّل لي الحياة ، فكّرت في العديد من الدول لأنطلق منها مثل : إسبانيا ، الأرجنتين ، أمريكا ( ميامي تحديدًا ) ، بورتوريكو ، وكولومبيا ، فهذه الأماكن هي الأفضل عالميًّا في صناعة الفن اللاتيني ، ولكن ليس لدي طريقة للذهاب إلى أحد هذه الدول والبقاء فيها لسنين سوى الذهاب للدراسة بتأشيرة طلابية ( هناك طرق أخرى كالزواج ولكنها لا تناسبني ) ، وبهذه الطريقة يمكنني بدأ مشواري الفني ،طبعًا بالنسبة للمجال الذي أريد دراسته أثناء مسيرتي هو المجال الذي أحبه ( إدارة الأعمال ). بالطبع كفكرة أي نظريًّا الأمر يبدو سهلًا ولكن عمليًّا أثناء التنفيذ تتواجد الصعوبات وأبرزها التكاليف ، حيث إسبانيا ضمن دول الاتحاد الأوروبي التي تطلب من الطالب الوافد 10,000 يورو سنويًّا لمرحلة البكالوريس ، مبلغ ضخم طبعًا بالنسبة لي ولأغلب الشباب العربي ، ثم نأتي إلى الأرجنتين التي لا تطلب ذلك المبلغ بحد ذاته سنويًّا ولكنها يمكن أن تطلب منك أكثر من خلال تكاليف المعيشة المرتفعة خصوصًا السكن ، ومن ثم الأكل وباقي المرافق ، هذا غير أن صناعة الموسيقى فيها ضعيفة إلى حدما وهو السبب الذي جعلني أستبعدها ، ثم نأتي لأمريكا بلد الأحلام الوردية البلد الأولى عالميًّا في صناعة الموسيقى ، تكاليف تفوق ضعف تكاليف دول الاتحاد الأوروبي أي ما يفوق 25,000 دولار سنويا !! ، أما عن بورتوريكو فهي شبيهة جدا من ناحية التكاليف بأمريكا وخاصة أنها تحت سيادة أمريكا وليست دولة مستقلة ذات سيادة ، يا إلٰهي لم يبقٙ سوى كولومبيا الخضراء الأقل تكاليف بين الدول اللاتينية مقارنة بجودة التعليم وسهولة المعيشة هذا غير أنه بها ثاني أكبر مدينة في صناعة الفن اللاتيني بعد ميامي وهي ميديلين ، بالطبع أغلبكم يعرف هذه المدينة ، مدينة بابلو اسكوبار ، والتي حصلت في أحد الأعوام على لقب المدينة الأكثر عنفًا في العالم ، ولكن حمدًا لله ذلك كان في الماضي أما الآن عكس ذلك تمامًا.
المهم أن ميديلين تكلفة المعيشة بها منخفضة نسبيًّا ( شبيهة بليبيا ) وجامعاتها تطلب رسوم معقولة نوعا ما (حوالي 1000 دولار سنويا ) ، ولكن السبب الحقيقي الذي جعلني أختارها هو أنها أحد أكبر معاقل الفن اللاتيني وهذا ما أنا ذاهب لأجله ، جي بالفين ، شاكيرا ، مالوما ، سيبستيان ياترا وغيرهن العديد من المغنيين والمنتجين هم من هذه المدينة وهي خيار مناسب جدا لي لبدأ مشواري الفني من هناك ( بعد ميامي طبعًا التي هي بالنسبة لي مدينة الأحلام والتي بإذن الله سأصلها يومًا ما ).
بعد كل هذا تبقى المشكلة الأكبر وهي الحصول على تصريح رسمي من أهلي ، أمي وأبي غي موافقين أبدًا على كل تلك الأحلام الاي ذكرتُها أعلاه ، غير موافقين أن يصبح ابنهم مغنيا ( ليس من الناحية الدينية وإنما من الناحية الاجتماعية في نظرهم والعديد من النواحي الأخرى ) ، ليس ذلك فقط ، هما غير موافقان أن يصبح أي شيء آخر غير طبيب أو مهندس ،طبيب تحديدًا ، ولكن الغناء بصفة خاصة رافضينه تمامًا ، وخاصةً أبي.
بدأت الدراسة هنا وأنا أشعر بأني أسير في الاتّجاه الخاطئ تمامًا ، غير ذلك الاتجاه الّذي أطمح بشغف عملاق إلى السير فيه.
عندما أيقنت معارضة أهلي التامة عن طموحي حصل لي أمر أقرب للاكتئاب وتدهور الحالة النفسية وخاصة أني أعلم أنهم يفعلون ذلك لمصلحتي اعتقادًا منهم وليس لتحطيمي ، مع كل هذا لم أتردّد ولو لحظة فيما اخترته ( الفن ) حتى مع معارضة أبي وأغلب المحيطين بي ، لم أتوقف ولو لحظة عن التفكير في الخطة التي وضعتها وأتمنى من الله عزّ وجلّ أن يوفقني في تنفيذها ،وهي كالتالي :
جمع مبلغ حوالي 4000 دولار ، أي ما يكفيني للسنة الأولى ومن ثم يحل حلّال كما يقولون والذهاب إلى كولومبيا ( ميديلين تحديدًا ) بغرض الدراسة ( وهو الحل الوحيد كما ذكرتُ لكم الذي يمكنني من البقاء هناك لفترة طويلة ) وعندما أستقر هناك كطالب دولي في إدارة الأعمال ، أبدأ في كتابة الأغاني والغناء ( على فكرة شهر 5 من العام الماضي بدأت بتأليف عشرات الألحان والتي سجلتها في فيديوهات على الهاتف المحمول لكي أحفظها ).
طبعًا مشكلتي ليست فيما بعد وصولي إلى كولومبيا ، مشكلتي هي كيف أصل إلى هناك ؟ في الواقع قلتُ لأهلي أني أريد دراسة إدارة الأعمال في كولومبيا ولكنهم عارضوا ذلك ، فما بالك أن أقول لهم الحقيقة وهي أنّي سأدرس إدارة الأعمال كحجة قانونية وعائلية لبقائي هناك وفي الحقيقة أني أريد أن أبدأ مشواري في الفن ، سيقتلونني بالتأكيد ! لهذا وفّرت عليهم محاولة قتلي ولم أقل لهم أني أريد الذهاب إلى هناك لهذا الغرض ، قلتُ لهم مسبقًا بنوع من التّلميح الّذي يحمل خشيةً من ردة الفعل أني أريد أن أصبح فنان ولكنهم أبدوا موقف تجاه ذلك بعنوان ( حتّى في الأحلام لن يحدث ذلك ) ، أمّا بالنسبة للذهاب لدراسة إدراة الأعمال فقط هم صحيح معارضون ولكن هناك أمل لإقناعهم مع أنه من الصحب جدًّا فعل هذا وخاصة مع أبي ، فلهذا قررت أن أقول لهم أني ذاهب للبدأ بالغناء أي لن أتحدّث عن الغناء أبدًا ، فقط سأذهب للحصول على البكالوريس في إدارة الأعمال ( وإن شاء الله يوافقوا ) ، أعلم أن ذلك يسمّى خداعًا ولكنه خداعًا أبيض إن صح التعبير ، فهذه الطريقة الوحيدة لكي يوافقوا على ذهابي ولكن بعد أن أصل إلى هناك وأبدأ بإصدار الأغاني سأقول لهم ذلك أي سأضعهم في الأمر الواقع كما يقولون ، فإن لم أفعل هكذا لن يدعوني أقوم بذلك أبدًا.
أعلم أن اختياري للغناء تحديدًا مغني لاتيني ، أمر غريب نوعًا ما وخاصة لأحد الشباب العرب الذين سقف طموحاتهم شهادة جامعية وشقة وسيارة وزوجة ، لا أرى للحياة بهذه الطريقة ، هي حياة واحدة سأعيشها فلهذا سأحارب بكل قوتي لأصبح كما أريد.
أطلبُ نصيحة صادقة ،ما رأيكم ؟ وبما تنصحوني ؟
التعليقات