الفطرة البشرية بقت مريضة ومهزومة، نحيبها بنسمعه كل يوم تقريبا ودا رغم كل ما تملك من مباني شاهقة و أقصى مستويات الرفاهية, إلا إنها وجدت نفسها في حالة من فقدان المعنى و التيه وسط هيكتارات من الغابات الاسمانتية واقتصاديات وقودها الناس و الحجارة، عشان يدرك الإنسان إنه في خطر حقيقي و إنه لازم يلاقي حل.

على صوت تأوه واحد من أشهر شخصيات شبكة كرتون نيتورك تبدأ إفتتاحية واحدة من اعظم حلقات مسلسل وقت المغامرة، الحلقة التي قرر فيها صناع العمل وضع الطفولة جانبا و الصراخ بأعلى صوت للأجيال القادمة لعلها تستفيق مما غاب عنه الأسلاف لتبدأ الحلقة لمشهد لجايك الكلب السحري و هو يتألم و يتلوى من شدة المرض حتى إن البطانية التي تقبع أسفل أنامله لا يستطيع حملها، ورغم ما قدم ( فين ) البشري من دواء إلا إن سرعان ما تلفظه ( جيك ) و تلفظ أيضا الحساء وإن كان من عناصر الطبيعة، فجسده يرفض أي مادة مهما كانت و أي إستهلاك مهما كانت غايته كأن صناع العمل بيأكدوا إننا رغم ما نملك من وفرة في الغذاء و الدواء إلا إنها تظل كومة من القمامة أمام أمراض اشد فتكا بالإنسان.

وصناع العمل لم يطرحوا الازمة و تركوك قائما بل سرعان ما أعلن ( جيك ) إن الحل لمرضه في قصة، ونعم الأمر في غاية البساطة هو فقط يريد القصة، ليكرر ( فين ) من جديد المحاولة و يبدأ في قص إحدى القصص، لكن جيك يرفض و بشدة اي قصة مختلقة، ليأكد صناع العمل للمرة الثانية على أن البشرية لا تحتاج إلى فقط قصة بل إلى القصة، تلك التي اضاعها الأسلاف عندما رحلو من الكهوف إلى المدن، ليصر ( جيك ) على أن علته دوائها الأصالة و قصة حقيقية.

وبدون أي تفكير بينطلق ( فين ) أو البشرية زي المجنون بحثا عن أي قصة بكل تسرع, بيدور هنا و هناك و الأمر ما بيخدش منه دقايق عشان يمسك في أول حاجة يشوفها و يقول دي أكيد القصة, دا أكيد الحل, و يرجع و يجبر فطرته او ( جيك ) على تقبلها فيزداد سوءا، لأن السطحية في الطرح و تجرد القصة من أي عمق جعلها العن من عدم وجودها لأننا اصرينا على التخلص من الألم عوضا عن الإستماع له. الفطرة البشرية زهقت من التجرد من التفاصيل و تسريع الأمور و بدأت تحن لأن الأمور تبقى أبطئ و تاخد وقتها و دا بنشوفه في أرقام الإستماع للبودكاست اللي بتزداد كل يوم, بل و نمو مشاهدات المحتوى الطويل اللي عدد كبير من المنصات بقت بتدعمه أكتر و أكتر.

و في مشهد في غاية العبقرية مدته ثواني ( جايك ) أو الفطرة بيشاور لـ ( فين ) على إنه القصة الحقيقية هي قصة دفيئة بالمشاعر, مليئة بالحزن و الفرح و الحماس كلا في أنا واحد بإختصار قصة إنسانية وهو دا معنى أن تكون حقيقية، لإن كل المشاعر دي بتظهر أجمل ما فينا كبشر. و القصة اللي محتاجينها مش هنلاقيها إلا لو دورنا في أعمق نقطة جوانا فكما يقول جوردان بيترسون : أكثر الأشياء قيمة في العالم لن تجدها إلا في أكثر الأماكن ظلمة.

و أعمق نقطة جوانا و أكثر الأماكن ظلمة بالنسبة لنا الأن هي الطبيعة، عشان نرجع تاني لاكتر مكان محتاجينه دلوقتي، الجوهر، اللي اتشكلنا جواه و من ساعت ما بعدنا عنه و إحنا حاسين بالوحدة, و الاغتراب عن كل شئ حوالينا, و الطبيعة مش فقط الشجر و الحيوانات لكن الطبيعة هو أن نكون نحن بلا تزييف فالطبيعة هو أن تكون طبيعي.

و بيرجع ( فين ) أو البشرية يحاول مرة تانية و في إيده ورقه بالمطلوب. عشان تبقى دي الخطيئة الثانية للبشرية وهي إجبار الطبيعة أنها تمشي علي هوانا، إنها تخدمنا و تخدم شهواتنا مهما كان حتى لو الأمر مختلق, فأحنا مشينا على الخطة عشان نقلد الشكل, لكننا نسينا الجوهر ! 

واستكمالا لقصة صناعة البودكاست فبعد نجاحها الباهر أجبرتها شركات الإنتاج إنها تتحول إلى خطوط إنتاج, رفع للجودة بأكبر شكل ممكن, التحكم في أدق التفاصيل, و التعاقد مع المشاهير . . . لكن للأسف كل دا بلا معنى.

ولذا حاول ( فين ) يجبر كل حيوان على إنه يعمل حاجة غصب عنه عشان بس يعالج ( جيك ) بسرعة، عشان غايته هو بس لذا في مشهد عبقري بنشوف فيه أحد الحيوانات بيعاتب بطلنا و بيقوله إن الموضوع كان لازم يجي بشكل طبيعي بدون أي إرغام للطبيعة على فعله ولكن كالعادة بتصر البشرية على لوي عنق الزجاجة و مع التدخلات الغريبة المتكررة لـ ( فين ) بالطبيعة. 

الطبيعة بتغضب و بتقرر تعاقبه و تتخلص منه لأنه دخيل عليها أفسد قوانينها و خرب نظامها عشان في اللحظة الأخيرة، بيحس بالندم و يقرر يرجع تاني لدوره و ينسى الورقة عشان نشوف صناع العمل بيرسموها فريم ورا التاني و هي بتوقع تاكيدا على هذه الرمزية الخالدة و بدل ما يتحكم في القصة يبقى جزء منها فبينسى الخطة و بيتصرف على فطرته ألا وهي الإصلاح و إعمار الأرض وبيواجه الحيوانات بالحقيقة اللي هتصلح حياتهم و بالفعل بيعفوا عنه, لا و كمان شايل معاه، قصة مليئة بالاثارة و التشويق، الرومانسية و النهاية السعيدة . . . و المرة دي جواها أهم عنصر ألا وهو الإنسان، الإنسان كجزء متواجد في القصة و كجزء بيلعب دوره على طبيعته, مش بيسخرها لخدمة ملذاته وهو منعزل عنها.

المطلوب مننا نصنع قصة تندمج مع الطبيعة، البشر زهقوا من التجريد و كثرة الإستهلاك، شركات الإنتاج في أوروبا بعد الصرف المرعب على البودكاست وقفت لإنها أدركت خطأ فادح, أدركت إن الفكرة مش في المحتوى الطويل أو في الشخصيات المهمة, لكن الجوهر في أن صاحب المحتوى بيظهر على حقيقته, على طبيعته, فلو السرعة هي المرض فإحنا محتاجين نبقى أبطأ ولو المباني الشاهقة هي السبب فإحنا محتاجينه أقصر أقرب لأحضان الطبيعة، وإن إستهلاكنا يكون له معنى ولو بسيط في ملابس كل شخص بيشتريها يضيف عليها قصته الخاصة، و لو كان بالتبرع لزراعة شجرة.

بإختصار ثنائية الإنسان و الطبيعة، هي ثنائية هادية، تانجوا، بيساعد كل واحد فيهم التاني، بنمرض لما بنبعد عن الطبيعة و عن نفسنا و عشان نرجع لازم ندرك إننا جزء من القصة عليه مسؤولية و ندرك أن المسؤولية دا دورنا في القصة و الأهم نظهر فيها زي ما إحنا بمزيانا و عيوبنا فصناعتها بصدق هيخليها القصة . . . . اللي هتنقذ البشرية.