لم أجد نفسي في رواياته!

 كمٌّ هائلٌ من الروايات ظنيت أنني عنوان إحداهن أو ربما سأكون أنا محتواها الشَيِّق، و من سذاجتي أيضا فكرت أن كل المشترين ما كان شرائهم لرواياته إلا فضولا لمعرفة سيرتي الذاتية، ويقرؤون أشياء عني تُعرفهم بي أكثر و أكثر، و إعتقدت أن كل رواية منهن أنا بطلة حكايتها،  

فتلك الروايات، هناك من الناس من إشتراها ليؤنس وقته ومنهم من إشتراها ليتعلم و يضمد روحه، ومنهم أيضا من أخذها لينتقد و يستنكر الإبداع الحديث، ومنهم من أرادها هدية لعزيز عليه فقط، و هناك من إشتراها لزيادة ربحها وشهرتها. أما أنا إشتريتها لأبحث عني في عرمة الإبداع. بحث عني كثيرا حتى حفت عيني بالبحث فلم أجدني !

 ‏فهذه رواية تتحدث عن صاحب مشتل مُزهر زَعمتُ أنني زهرة من زهراته ، دققت النظر فلم أجدني لا زهرة ولا حتي غصنٌ ذابل !

وهذه رواية أخرى تتحدث عن زفاف، كان العريس يضم العروس، و يعطيها ثمر بكل حب ويُشربها الحليب ويبتسم لها بإبتسامات مبتهجة، وتطأطأ هي رأسها من شدة الخجل، تغمرها سعادة تضيء وجهها بعد شحوبة طويلة، ثم تهدأ و تَطمئِن من بعدها كأن لا أمان في الدنيا سوى ملاذه، فكان العريس هو لكن هي ليست أنا . 

و أخرى تتحدث عن مذياع الشعب الوحيد في الدرب الذي ينقل أحوال العالم، فرحت و قلت في خيالي :

_ها أنا موجودة أخيرا، فمن المؤكد سأكون أنا صوت المذياع الذي لا ينقل إلا الأخبار السارة، لكن بعد تعمقي لم أجد أن الأخبار كان فيها مايروي ظمأي، فكلها تتكلم عن الشعب المهان والمُذل، ولم أجد أن الصوت كان نبرة صوتي فحتى هنا لم أكن أمثل أي شيئ، تمنيت لو كنت فقط اللاقط الهوائي ولسوء حظي لم يكن حسي مذكور حتى هنا. 

فجميع رواياته هكذا ، أنا لم أكن حتى جملة بديلة أو هامش في آخر الصفحة لم أكن حتى حركة فوق حرف، ولا كلمة خارج الكتاب، نعم خارجه وبالظبط في الغلاف وليس في الواجهة إنما جنب الطبعة أو تحتها قليلا، هذا على الأكثر. فجمعت كل أنظاري و أفكاري المتشتتة بعد خيبثة قاسية، وهممت بالخروج من كتبه و إغلاقها للأبد . 

لكن قبل أن أخرج وجدت رواية بها كلمات متشعبة على أكثر من معنى محشورة في سياق لايعنيها في كتابه الغير متداول، ولا أحد يفكر في شرائه ما عداي وحدي من إشتريته للهفي ويقيني بأن تمت هناك شيء بسيط مني سيجعله يذكرني ومازال عندي أمل بأنني سأكون في مكان ما جالسة في أحد أركان سطور روايته. لكن يقيني كاذب فتلك الكلمات كانت تتكلم عن عجوز وحيده و منسية موجودة في مكان ما لكنها لا تُرى للعالم، و في الصفحة الأخرى رسم بالحبر الأسود يصف تلك الكلمات المكتوبة، 

 فإن الرسم فيه عجوز شعرها أبيض فوضوي مجعد يشبه حصيدة التبن من بعد موسم الحصاد، وتجاعيد في الوجه كأنها مجرى للمياه الغزيرة، و ظهرها متقوس يضاهي معبر المارة في الحرب، تتكئ على رجلٍ مسن ويعتكز هو عليها. ها أنا وجدتني آخيرا فربما هذا الرسم يحاول وصفي أو ربما وحده من وصفني بالتدقيق وتلك الكلمات فيها مايشبهني إلى حد ما، ربما هي بالفعل تتحدث عني لا بل إنها أنا لكن في العقد الثلاثين أو الأربعين من العمر،

 في هذه الكلمات فقط كنت أنا هي تلك العجوز لكن مع الأسف لم يكن ذالك المسن هو !!