السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

مبدئيًا، الموضوع عام للجميع لكنه مخصص أكثر للآباء و الأمهات و المعلمين خاصة معلمي رياض الأطفال لإحتكاكهم الدائم مع الأطفال

الكثير يتسائل كيف يتواصل الأطفال مع محيطهم الخارجي، و كيف يتعلمون اللغة ؟

سأجيب عن هذا السؤال بالتفصيل إن شاء الله..

  • كيف يتواصل الأطفال؟

يوضح عالم اللغويات النظرية Noam Chomsky أن تعلم اللغة هي قدرة فطرية عند جميع أطفال العالم -بإستثناء الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة-. كل الأطفال الطبيعيين لديهم نفس القدرة على اكتساب اللغة، فهم يتبعون مسيرة تعلميّة واحدة يسهل توقعها. لكن هناك نقطة مهمة جدًا، الطفل ليس جهاز إلكتروني مبرمج لتعلم أي لغة بالعالم، و لكن في حين أن الطفل يستطيع أن يسمع ما يدور من حوله في العالم الخارجي و هو في رحم أمه فقد يكون الطفل مهيئ سمعيًا للغة التي يتحدث بها محيطه حيث أن لكل لغة لحن و نغمة معينة تميزها عن غيرها من اللغات.

الإعتقاد السائد أن اللغة هي وسيلة التواصل الوحيدة بين البشر هو إعتقاد خاطئ. فالطفل منذ الساعات الأولى لمولده حتى عمر السنتين تقريبًا يستطيع التواصل مع العالم المحيط به دون الحاجة لأي لغة عن طريق الضحك للتعبير عن السعادة و الرضا، البكاء للتعبير عن الحزن أو الشعور بالألم، الإشارة بالأصابع حين الحاجة لشئ معين، هز الرأس للتعبير عن الرضا أو الرفض، رمي الشيئ أو إبعاده عند عدم الإعجاب، رفع اليدين لفوق إشارة من الطفل لك و كأنه يقول لك احملني، إلخ... هذه العمليات كلها تسمى "Conversation without words"

في كثير من الثقافات حول العالم، يستعمل الراشدون أسلوب معين لخلق حوار مع الطفل حيث يكون أسلوب الحوار بسيط جدًا مع المبالغة في نبرة الصوت أثناء الحديث، يُعرف هذا الأسلوب بــCDS اختصارًا لــChild-directed speech

و المعروف أيضًا بــBaby talk. هذا الأسلوب مفيد جدًا للأطفال حيث يستطيعون من خلاله:

1/ سماع الحروف بشكل واضح و بالتالي يتعلمون النطق بشكل أفضل.

2/ لأنه أسلوب حواري، يتعلم الطفل من خلاله مبدأ الــTurn taking حيث ينتظر أن تنهي أنت حديثك ليبدأ هو بالكلام.

أمثلة على هذا الأسلوب:

http://bit.ly/2hGFDZI
  • ملاحظة: لا تستخدم كل الشعوب هذا الأسلوب في الحديث مع الأطفال.

إذُا كيف يتحدثون مع الأطفال؟ يتحدثون معهم و كأنهم يتحدثون إلى أشخاص بالغين.

  • ملاحظة أخرى: الأطفال يتعلمون اللغة بشكل طبيعي سواء استُخدمت لغة الأطفال معهم أم لم تُستخدم.

عندما يبدأ الطفل بتعلم اللغة فهو يدرك تمامًا أن اللغة مكونة من أسماء و أفعال لكنه ببساطه لا يعرف كيف يكونها بالطريقة الصحيحة،و يبدأ بتعلمها شيئًا فشيئًا. يبدأ الطفل من عمر الـ18 شهرًا إلى عمر السنتين تقريبًا بتكوين جمل بسيطة مكونة من كلمتين فقط "Mini sentences"

  • أمثلة:

"ماما حليب" بدلًا من "ماما أريد حليب"

"علي لعبة" بدلأ من "هذه لعبة علي"

وهكذا... و تعرف هذه العملية بإسم "Telegraphic language"

كثير من الآباء و الأمهات يحزنون عندما يرون أطفالهم يكونون جمل بطريقة خاطئة، لكن على العكس، تكوين الطفل لهذه الجمل الخاطئة دليل على أن الطفل بدأ بإستيعاب اللغة و أن دماغه يعمل بطريقة ممتازة. على عكس الطفل الذي يقوم بتقليد كلام الكبار فقط دون تكوين جمل من نفسه و الوقوع بأخطاء لغوية.

و لبساطة لغة الأطفال و لضيق مفرداتهم فهم يتسخدمون ما يسمى بالــOver-extension

حيث يطلقون لقب أو مسمى واحد على عدة أشياء مختلفة.

فعندما تخبر الطفل مثلًا أن هذا الرجل ذو الشارب هو "بابا" فإن أي رجل بشارب يصبح "بابا"

أو عندما تخبر طفلك أن هذا الشيئ الدائري هو "كُرة" فإن أي شئ دائري يصبح كُرة؛ الكُرة تصبح كُرة، البرتقالة تصبح كُرة و القمر يصبح كُرة.

هذا لن يؤثر على تعلم طفلك للغة، هو فقط سيبدأ بتعلم مسميات الأشياء شيئا فشيئا.

عكس ما يتوقع الراشدون، الأطفال رغم بساطة لغتهم، يعلمون جيدًا متى و كيف و مع من يتحدثون. فستجد الطفل في المنزل مثلًا يطلب الذهاب إلى الحمام بصوت مرتفع بينما إن كان هناك غُرباء فيطلب الذهاب للحمام بصوت منخفض جدًا. أو مثلًا عندما يكون الطفل في المنزل فتراه ينشد الأناشيد و يغني بصوت مرتفع جدًا أما إن كان هناك غُرباء و طلبت منه الغناء أمامهم فسيبقى صامتًا - في أغلب الأحيان -.

(Mayor, Barbara, Communicating in English, chapter 3, The Open University, ROUTLEDGE,2012)