في ليلة السادس من الشهر الثاني لعام 2023 لم يكن أحد يعلم أن تلك الليلة الهادئة سوف تختتم باهتزار الأرض تحت الأقدام معلنة بدء رحلة البحث عن البشر تحت الأنقاض. كان الليل لهم سكناً حتى الساعة الرابعة فجراً، استيقظ الجميع على زلزال مدمر، تمايلت معه الأبنية يمنة ويسرى. وحدث مالم يكن في الحسبان.
وجد الناس أنفسهم بلا حراك. ينتظرون فرج الرحمن ليخرجوا من الظلمات إلى النور أو يقضي الله تعالى أمراً كان مفعولاً فالموت واحد وإن تعددت الأسباب.
لم يكن الزلزال درساً للكبير فقط، بل للصغير أيضاً. أتراه ينسى المشهد؟ أتراه ينشغل تفكيره بغير ذلك اليوم؟ أبداً، فالمشاهد عالقة في أذهانهم، والخوف مازال يتملك قلوبهم الصغيرة، تحت الأنقاض كانت لديهم قصة وعبرة، ينتظرون من ينتشلهم لتعود إليهم الحياة، أو يستسلمون فتتوقف قلوبهم النابضة.
أولئك الأطفال الذين عاشوا الموقف، فماذا عن الأطفال الذين شاهدوه من بعيد؟
أول سؤال سألوه: لماذا قبض الله أرواح الصغار؟ لماذا لم يساعدهم؟
ولأن الأسئلة متعلقة بالله تعالى علينا أن نكون أكثر حكمة من الحكمة ونفكر قبل الإجابة ونفهم طبيعة الطفل وسبب سؤاله. ولا نتردد في النهل من معين العلم استعداداً لإجابات دقيقة ومؤثرة. خلال تلك الأحداث انتشرت على مواقع التواصل منشورات لأسئلة الأطفال وكيف أجيب طفلي؟
تبدأ الإجابة بتحبيب الأطفال بربهم والحديث معهم عن رحمته سبحانه وتعالى بالناس، الكلام معهم عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَ" رحمة الله تعالى واسعة، وما اختار الله تعالى لأولئك إلا كل خير، قال تعالى: "بيده الخير" لم يقل بيده الخير والشر، بل الخير فقط وإن كان ظاهره الشر بالنسبة لنا فهو الخير العميم عند الله تعالى. نكلمهم عن سعة فضله في هذه المحنة، عن جزيل عطائه للصابرين وأن الله أعد لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، نكلمهم عن عظيم فضله لمن يموت ردماً، نتكلم معهم عن تآلف وتضامن المجتمع الذي ظهر في ذلك الابتلاء، عن مساعدة الإنسان للإنسان، عن جمال الروح ونقائها وفطرتها، نعلمهم أن يروا الجمال في كل التفاصيل الصغيرة، لأن الله تعالى لم يخلق الأشياء عبثاً. نعلمهم أن نذكر الله تعالى عند الابتلاء فيهون علينا المُصاب. هناك الكثير الذي نستطيع فيه الحديث مع أطفالنا، المهم في هذا كله أن نقوي إيمانهم بربهم فلا يتزعرع يقينهم ولا تتأثر ثقتهم به سبحانه وتعالى.
ولا نغفل هنا عن نقطة جوهرية وهي أن "فاقد الشيء لا يعطيه" حتى تصل كلماتك إلى قلبه لابد أن تخرج من قلبك، لابد أن تؤمني بما تقولين لطفلك، فالطفل ذو قلب صافٍ يشعر بصدق ما يقال، تتخلل كلماتك إلى نفسه بسلاسة عبقة نقية إن خرجت منك وأنت على يقين بها لا يراودها الشك، لذلك ابدأي بتوعية نفسك قبل توعيته، فهو يتلمس الحياة في كلماتك...
التعليقات