السبب في عدم إقتناعي بجدوى العقاب في التعليم وخاصة التعليم الديني وتعليم النشئ 

هو أن العقاب ليس عملية تربوية إنما هو عملية إنتقامية في الأصل

لأن المعلم لا يضرب الطالب إلا إذا أخطأ أو نسى أو قصر وقد رفع الله عن أمته الخطأ والنسيان وما أستكرهوا عليه ورفع عن الطفل كل التكاليف الشرعية حتى يبلغ

فكيف لنا أن نحاسب الطالب الناشئ على التقصير والله لا يحاسبه عليه

إنما يكون تقصير الطالب دليلا على ظرف منعه من الألتزام والأولى البحث في سبب المشكلة وحلها عوضا عن أستسهال العقاب وسوء الظن في الأطفال فلا يوجد طفل يكره التعلم لكنهم بالتأكيد يكرهون العقاب

وأما أن قلت أن الطلاب سيتخذون ما قلت زريعة للتقصير بحجة النسيان كل مرة لتجنب الضرب

فهذا ما أقصده بكلمة "أنتقامية" بالظبط

العقاب يجعل الطالب ينتقل تركيزه من تحصيل العلوم إلى محاولة عدم التعرض للألم

وهذا يصرفه عن العلم إلى محاولة إرضاء المدرس فقط دون أي أهتمام بالعلم الذي يتلقاه

وبالتالي ينسى كل شيء بمجرد الخروج من الحصة

لقد دخلت دوراً كثيرة لتحفيظ القرآن والفارق الوحيد بين الدور التي تستخدم الضرب والدور التي لا تفعل ذلك 

هو أحترام الطلاب لكتاب الله

ففي الدور التي تضرب يقل إحترام الطلاب فيها لكتاب الله فتدجها دورا صاخبة مليئة بالمشاكل والحوارات الجانبية

أما الدور التي لا تستخدم أي وسائل عقابية تجدها خاشعة هادئة وكل فرد فيها منكب على كتاب الله يراجع ويستذكر 

والفارق الوحيد بين الدارين 

أن الاولى أجبر الأهالي أولادهم على الحضور فيها ولم يكن لدى الأطفال أي اختيار أو وعي أو إدراك لأهمية حفظ القرآن الكريم فأجبروا معلمهم على عقابهم كي يحفظوا القرآن خيفة منه ومن عقابه 

وفي كل مرة كان يضطر لمضاعفة العقوبة للوصول لنفس التأثير لأن الاولاد كانوا يعتادون العقوبات القديمة ولا تؤثر فيهم

وهذا كله لأن الأهالي والمعلم لم يكونوا مهتمين بتكوين أي علاقة حميمة مع الطلاب يستطيعون أن يزرعوا من خلالها بذور حب كتاب الله في قلوبهم

إنما تعاملوا مع الأمر على أنه محض وظيفة مقابل أجر أو مسؤلية يريدون الخلاص منها

أما في الدور الأخيرة 

فكان مرتادوها متطوعين غير مغصوبين 

فكان إحترامهم لكتاب الله والتزامهم بحفظه ومراجعته نابعاً من إيمانهم بأهميته ودوره العميق في تنقية روحهم وتنظيف قلوبهم ورفع درجاتهم عند الله

وهذا الوعي وحرية الأختيار هو ما جعلهم يدركون عظم المهمة التي يقومون بها وزاد من حرصهم عليها واهتمامهم بها

لذلك كان عقاب المعلم هناك بعض اللوم الذي يكون بين الأحبة 

وفي حالة التمرد أو أثارة الشغب يكون العقاب الطرد من المجلس

أي الحرمان من العلم

وهكذا كان العقاب قديما أيام مجلس العلماء 

لأن الطالب كان يسعى للمدرس وليس العكس كما نرى اليوم في الدروس الخصوصية والمراكز

ستقول أنك أن تعاقب الطالب بهذا العقاب هذة الأيام سيفرح به كثيراً

وهذا ما أقصده "بكارثة العقاب"

لقد تحولت دور التعليم في عالمنا إلى ما يشبه المؤسسات العقابية كالسجون يفرح الطالب إذا طرد منها ولا يعتبر هذا عقاباً بل منحة

كثيرا ما نسمع عن ظاهرة الهروب من المدارس

كيف لطالب أن يصل به الحال أن يفكر في الهرب من مكان التعليم إلا أذا كان يعتبره سجنا لا فصلاً

ستقول لي إن وافقناك في وجهه نظرك فلن يتعلم أحد شيء وسيبقى الأطفال بلا تعليم

سأرد عليك بأن الصحابة رضوان الله عليهم فتحوا الدنيا وأناروا العالم ولم يكن لديهم نظام للتعليم أصلا فكل منهم أعتمد على ما تعلم من رسول الله وما تعلمه من قومه وما تعمله من خبرات حياته لتتكون شخصيته في النهاية

بينما خريجوا جامعات هذا الزمان هو أكثر مرتادي المقاهي والملاهي 

ورغم أن الصحابة انقسموا بين أمي وبين كاتب 

إلا أنهم لم يكن بينهم جهلاء

لأنهم جميعا اتبعوا المنهج الصحيح في التعليم

الايمان والتجربة

الايمان بأهمية التعلم وتطوير الذات 

والتجربة التي بها يعرف الفرق بين النافع والضارة والصحيح والخاطئ

ولقد قامت كل العلوم على هذين المبدأين

أي أن كل الذين غيروا وجه الأرض في القرون السابقة لم يجبرهم أحد على التعلم والتعليم

ولهذا السبب فإن طلاب النبي محمد ليس بينهم راسب

لأن التعليم لم يكن سباقا في الدرجات ولا سعيا وراء الشهادات بل رغبة إنسانية خالصة نابعة من إيمان خالص برب الكون

وكان إيمانهم هو دافعهم والتجربة هي طريقهم 

والأمثلة أكثر من أن تحصى

من أختراع المصباح والسيارة إلى أحدث الأجهزة والأدوية والابتكارات كلها قامت على الأيمان والتجربة

أما إذا فشلنا في غرس الايمان في قلوب الطلاب ومنعناهم من حرية التجربة والاختيار

فصنصل إلى النتيجة التي نشهدها اليوم في المؤسسات القمعية التي نسميها مدارس

فهي تقمع الخيال والتجربة وتستبدل الإيمان بالإكراه وتحول التعليم إلى تعليب وتحول الأمتحانات إلى مسابقات ولذلك

نجد قلة قليلة جدا من روادها ناجحين نجاحاً حقيقياً والباقي أما غشاش أو فاشل 

ما حاجة الطالب إلى الغش في الامتحان إذا كان هو نفسه يريد أن يختبر نفسه

فالتعليم ليس منافسة نتهم فيها الطالب أنه فاشل إلى أن يثبت العكس 

إنما هو طريق لرفع مستوى الفاشل ليحلق بين النجوم

ولقد كانت التجربة سابقا هي الامتحان العملي الوحيد الذي يقيم بها الطالب نفسه ويقيس من خلالها مدى تقدمه 

أما امتحانات اليوم فما هي إلا نظام عقيم لتقييم مزيف لمدى تحصيل الطالب من خلال بضعة أسالة في ورقة لا معنى لهم

يحولون عملية التعلم المعقدة إلى أرقام واحصائيات كاذبة تخدم المؤسسات البيروقراطية فقط ولكنها تهمل الطالب وتجعله مجرد سلعة تخدم السوق فيما بعد

فلقد صممت أنظمة التعليم في الأساس بعد الثورة الصناعية الكبرى لخدمة الأسواق وليس لأخراج النوابغ ولا العلماء بل إن من يدقق يجد أنه من العلماء والمبتكرين والرواد في كافة المجالات من لم يحصل تعليم منهجي وترك سلك التعليم المدرسي منذ البداية

ولم يشرد أو يخسر حياته كما يزعمون

فهذا الطريقة الوحيدة التي يستعين بها عصابة التعليم الممنهج لاستقدام الطلاب التهديد المجتمعي بخسارة الطفل لمستقبله رغم أن كل هذه مجرد أوهام

فأنا واحد من الناس أنهيت كافة مراحل التعليم الأساسية وتخرجت دون أي مهارات تذكر ومعظم المعلومات التي حفظتها نسيت مع الزمن إلا ما مارست منها وجربته على أرض الواقع

ولذلك أنا على يقين أن الحقيقة الذي يدركها الجميع دون أن يمتلكوا الشجاعة للإعتراف بها

هو أننا بتنا نعيش حياة يسخر فيها الغني حياة الفقير لصالح أعماله فيزداد الغني غنى ويزداد الفقير فقراً 

وهنا تحديداً تكمن مشكلتي مع التعليم المنظم الممنهج

هو أنه خدعة كبيرة نعيشها جميعا 

فلا هو منظم ولا هو ممنهج إنما هو عبارة عن تعليم معلب يطلب من الطالب ترك كل شيء آخر في حياته والتركيز على شيء واحد 

فتجد شباباً في أعمار الفتوة والفحولة أجسادهم نحيلة والأمراض تنهشها ومنهم من تنتهي حياته بسبب درجة سخيفة لم يحصلها في الامتحان 

لقد نسينا أن من وضع هذة الأنظمة بشر مثلنا وان من يديرها هم بشر ليسوا بأنبياء

فصرنا نعاقب الطالب على تقصيره في حفظ كتاب كتبه موظف وشرحه موظف لصالح مؤسسة يديرها أحد الأغنياء لخدمة شركات يديرها حفنة من فاحشي الثراء

فلا الطالب يعلم لماذا يجيب عليه حفظ الكتاب؟! ولا الموظف يعلم لماذا يعلم الطلاب هذا الكتاب؟!

وكل هذا لا يهم طالما يحصل صاحب المؤسسة على أرباحه افي نهاية المطاف

وهذا ما يجعلنا نلاحظ ما تقوم به بعض المدارس من تشهير وتهديد بالطلاب الذين لم يدفعوا المصاريف وكأنهم يعاقبون الطالب على قلة حيلة أبويه

فبأي ذنب تعاقب طفلاً على ما لا يد له فيه

كل هذا الغثاء كغثاء السيل سيمر به الزمان ويفنيه تماماً أنها مسألة وقت فقط

لكني أناشد كل مدرس أن يستغل وقفته أمام التلاميذ ويدرك أنه يقوم بمهمة سامية

يتوقف عليها الحاضر والمستقبل

ويسعى جاهداً مهما كانت الظروف أن يغرس في طلابه بذور الإيمان وآداب أحترام العلم

وحب التجربة والتعلم من الفشل

فإن أنظمة التعليب الفاشلة قد علمتهم أحتقار العلم والخوف من الفشل

بهذة الطريقة فقط يمكن لأجيال المستقبل أن تجد لنا علاجاً للجفاف العلمي والأدبي والثقافي والروحاني الذي بتنا نعانيه

إننا ومنذ زمن طويل نعاني مجاعة وشدة في الأخلاق والعلوم والآداب والفنون وغيرها

ولم يكن ولن يكون العقاب سبيلاً للتقدم أبدا

فالعقاب لا يكون إلا للمجرمين

فأذا لم يكن للطالب رغبة في أن يتعلم فلا معنى حينها للمعلم أو التعليم