( كنز سوداوي )
لقد إقتربت النهاية والكل مدرك لذلك، لا شئ من كل هذا الرغد مستدام، وكل هذه القصور المحلقة ستصابُ بالإكتئاب، ستنقلب الطاولة رأساً على عقب وكل شئ سيسير وفق الخطة الكونية.
لقد شعرت الأُسود بالتهديد فالشتاء قادم بلا شك، لا يوجد إستثناء على الإطلاق.
الرحلة ما زالت مستمرة ولكن لا شئ من كل هذا سيستمر للأبد،
نحن في المرحلة قبل النهائية بالتأكيد، كل تلك الأشياء الجنونية التي حدثت والتي لم تحدث بعد تسير بالتدريج وكل لها توقيتها الخاص.
لا يوجد ما يسعنا فعله سوى التشبث بآمالنا وبروحنا التي لم تلوث بعد، لا سبيل لكل تلك الإنتهاكات بالتغلغل داخلنا.
بإنتظارنا طريق ملئ بما نود فعله والإستمتاع بتنفيذه، لذا لا سبيل للقلق أو الخوف بالتمكن بنا أو النيل منا.
لذا قل معي يا رفيقي بئساً لكل ما يتربص بنا قاصداً إضعاف عزيمتنا، وجودنا بهذه الحياة ليس عبساً فكل منا له حكاية يجب عليه إكمالها، ضعيف أو قوي، ذكر أو أنثى، صغيراً كبيراً مسناً أو حتى مجرد طفل صغير، لا تكتمل أحجية كل منا بدون وجود من يشاركه بها.
عزيزي كلنا عابرون وكل هذه الأحداث المروعة ستعبر بلا شك، وتلك الأحداث السعيدة التي لا زالت ترسم الإبتسامة على محياك دعها كما هي لا تقلق لن يأخذها أحد من مخيلتك بل أفسح المجال لكل ما سيأتي لاحقاً.
إن كان كل ما نريد الحصول عليه أو اللحاق به يعتبر كنز ما ، فبئساً لكل هذه الكنوز التي لا حصر لها وتستمر بإرهاق هذا الذهن الصغير، لدينا العديد من الأشياء القيمة التي تستمر باللمعان ولن تنفد، فجوهرنا كنز ووجودنا على هذه الكرة الأرضية كنز يعلمه الله عز جلاله، ألا تكفي كل هذه الأشياء..؟
لذا كل آمر أخر نعجز عن الحصول عليه لا فائدة لنا منه، وكل ما تحصلنا عليه ولم يستمر لا خير من وجوده بالتأكيد.
أذكر قصة رويت لي في طفولتي ( منذ زمن بعيد قيل أنه كان هنالك ثلاثة أصدقاء يستمرون بالإنتقال من مكان إلى مكان لكسب عيشهم، وذات مرة صادفوا رجل مسن أثناء سيرهم فطلب منهم أن يطعموه فأطعموه وأشربوه، ثم طلب منهم أن يقضي الليل معهم فسمحوا له بذلك، أصبح الصبح وأخذ الرجل يبادر بسؤالهم ما هي أمنياتكم التي تريدونها، قال أولهم أود أن يكون لي مجموعة من الماشية حتى لا أحتاج أن أبحث عن عمل، وقال الثاني أريد مزرعة تحتوي على كل نبات في الأرض ويأتي الناس عندي كل يوم ويأكلون من ثمارها حتى يشبعون، أما الثالث قال لا أريد شئ من هذه الحياة سوى الزوجة الصالحة، فرد عليهم الرجل المسن إن شاء الله ستحصلون على ما تريدون وذهب منصرفاً في طريقه، استمرت السنين ونال كل واحد منهم ما تمناه، وذات يوم عاود عليهم الرجل المسن الزيارة، فذهب للأول صاحب الماشية وطلب منه أن يطعمه فرفض أن يدخله منزله بسبب مظهره المزري، فحزن الرجل من أسلوبه وقال له غدا ستفقد ما لديك، وقرر الذهاب للثاني صاحب المزرعة ووجد أن أمنيته تحققت كما أراد ووجد عنده كثير من الناس يأكلون ما يشتهون وإبتسم الرجل لكرمه وذهب للجلوس معهم ولكن فاجئه صاحب المزرعة بصده وطلب منه الخروج قائلا بأنه لم يتعرف عليه فهؤلاء الذين يعرفهم ذو مكانة عالية ولن يسمح له بالجلوس معهم، فخاب ظن الرجل المسن وقال له ما تتباهى به الأن ستفقده بلا شك، فقرر الذهاب للرجل الثالث ليرى ماذا سيفعل هو الآخر، فطرق بابه مساءً وسمح له بالدخول ووجد حاله أبسط ما يكون من رفاقة الآخرين، يمتلك غرفة واحده فقط وبها مجرد سرير لا غير، ومع ذلك طلب منه أن يسمح له بالمكوث هذه الليلة، فصدم الرجل لأنه لا يمتلك سوى غرفة واحده هو وزوجته ولم يعرف كيف يرد عليه ولكن قبل أن يتفوه بكلمة نادت عليه زوجته ووجد أنها لا تمانع مكوثه وقالت له إنها مجرد ليله لن نرده خائباً وطلبت منه أخذ وجبة العشاء وليأكل معه ولكنه رفض قائلا ألا ترين هيئته، فغضبت وقالت ما بها هيأته خذ الأكل رجاءً وكُل معه ولبى لها ما طلبت، وسمحوا له بالنوم معهم وعندما أوشكت الشمس أن تشرق إختفى أثر الرجل تماما وبعدها بلحظات ورد للزوجين خبر بوجود ميراث قديم من عائلة الزوجة فتغيرت حياتهم تماما، أما أولئك الجشعين فقدا ما كانا يملكان في لحظات فقط أحدهم ظهرت له ديون من حيث لا يدري والأخر أصيبت ماشيته بعدوى قاتلة.) قد تبدو هذه القصة خيالية بلا شك ولكنها تركت أثراً عميقاً لن يتزعزع مطلقاً.
لذا من إمتلك شيئا ما لا يعني أنه إمتلك الحياة بأكملها كل شئ قابل للزوال من الوجود وقابل للتغيير كثيراً إلا روحنا وصدقنا مع أنفسنا والأخرين كذلك.
الحياة محطة لامعة بلا شك ولكن كل ذلك اللمعان إن نقص أو زاد وإن إستمر أو توقف لن تتعدى كونها محطة فقط.
.
.
. يتبع