أعتاد والداي على اصطحابي إلى معرض الكتاب منذ أن كنت صغيرة، وشراء كل ما لذ وطاب من كتب الأطفال؛ ليزرعا داخلي حب القراءة والاطلاع، واعترف أن خطتهما قد نجحت.
أدركت لماذا كانت (اقرأ) هي أولى كلمات الوحي، وأدركت أن حاجتنا إلى القراءة تمامًا كالغذاء، وأصبحت أرى في معارض الكتب (كرنفالات) أو أعياد للقراءة.
بما أن معرض الكتاب هو الحدث الذي يلتقي فيه العدد الأكبر من القراء؛ فتزيد سعادتي كلما ألحظ تزايد أعدادهم، وأحلم بمستقبل باهر تصبح فيه الريادة عربية.
أحيانًا أتخيل العقل بناء ضخم، كالأهرامات، لبناته هي الكتب، يحملها الكاتب والقارئ معًا. تتساوى مسئوليتهما في حمل اللبنة. لا يستطيع أحدهما رفع اللبنة وإكمال البناء دون مساعدة الآخر.
تعلمت أن الكُتّاب نوعين، أحدهما (المتخصص) الخبير، الذي نسميه (الموسوعة) الذي أفنى عمره في البحث حول موضوع ما، والآخر (المفكر) الذي يسرد أفكاره أمام القارئ ويستدل عليها ببعض من المراجع.
تعلمت أيضًا أنه ما دام هذا البناء هو (عقلي)؛ فمسئوليتي ككقارئ هي تخير أفضل اللبنات. أن لا أتقبل كل معلومة على أنها حقيقة مسلم بها. أن أشارك الكاتب متعة البحث عن مصدر المعلومة، كمتعة البحث عن الذهب.
هذه هي المشكلة التي أواجهها في الفترة الأخيرة أثناء نقاشي مع بعض الأصدقاء (غياب مسئوليته ككقارئ) فأجد بعضهم يتخلى عن دوره ويتقبل أن يبنى عقله من لبنات مصنوعة من القش؛ وكما علمتنا التجربة؛ أبنية القش لا تصمد طويلًا أمام رياح الفتن.