شاب الماء

يشيب البشر ... فيبض الشعر

يشيب الشجر ... فتسقط اوراقه

فهل يشيب الماء ؟

يا لجمال الماء في تدفقه وجريانه ... في تساقطه من السماء .. في ركوده وحيويته ... بحار هوجاء ... وانهار هادئة ...

قالوا قديماً عن الماء أنه أهون موجود، وأعزّ مفقود ...

الماء يعطي للحياة رونقها ... والعطاء سر بقاء البشر ...

فالماء ينعش حياة البشر والشجر ليعمل في انعاش حياة من حوله ...

قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) .

فكيف يشيب الماء ؟

الماء كالشاب المثابر فهو يعطي ويسعى هو القلب النابض للحياة، هو أغلى ما تملك الإنسانية تبتسم الأرض الجرداء فرحاً بقدومه، فبه يصفو الجو ويُصبح مشرقاً وجميلاً ، وبه ويُصبح كل شيءٍ يُشع جمالاً ، حتى الجمادات تُشرق أكثر وتصبح أكثر جمالاً ، يقول الشاعر :

اذا الماء يوما أفاض عطاه وصارت به أرضنا زاهيه

تدفق شلاله من علاه تلين به أرضنا القاسية

وأن توقف عن الحركة تغير لونه وذهب بريقه وقست الحياة عليه وابلة منفعته ، وهذا ناقوس الضعف، ونذير الفناء ، روكد الماء هو الشيب والرحيل المبكر والمرارة بعد الحلاوة، والعجز بعد القوة، وهو العلة التي لا تبرأ، والضيف الذي لا يرحل فالشيب لا يبقي ولا يذر لا في الماء ولا في البشر ولا الشجر ، فخاصية الماء الجريان وهي من خصائص البشر الصغير والكبير فمتى توقف عن العطاء مات موتتا صغرى وتعطلت منفعته ولو صغر سن الرجل ولم يغزو الشيب رأسه ولم يعطي فقد ذهبت منفعته وخارت قواه وأن اصابه الشيب فهي مأساة ة تعيسة كئيبة تشير إلى تقدمه في السن والشيب نذير الآخرة .

ولا سبيل للحياة إلا بالعمل التطوعي في شتى مجالات الحياة فما اجمل ان نحرص على العطاء فهو روح تحيا به الحياة ومقاومة لا تنثني لعوامل الزمان وطوبى لمن شاب رأسه، وابيض شعره، وهو ثابت على طاعة ربه، ملازم لمرضاته، يُسأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: ( مَن طال عمره، وحسن عمله )، قيل: فأي الناس شر؟ قال: (من طال عمره، وساء عمله).

فما اجمل الرجال العاملة الكادحة تبني مجتمعاتها وتخدم دينها مستنده على قولُه تعالى : ﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ﴾ فبالعمل تعزيز للانتماء والمشاركة العلمية والعملية جهد نابع بإرادة ذاتية يبذل فيها تضحية بالوقت والجهد والمال، فلله درك من متطوع لا ترتجي من محسن اجرة ولا ثناء ، وما ابشع الرجال العاطلة المائلة عن الجادة التي يعتريها الشيب وهي في سن الزهور كبشاعته الشيب في رؤوس النساء والماء والشجر ، يقول الإمام الشافي :

وعِزةُ عمرِ المرء قبل مشيبهِ وقد فنيت نفسٌ تولى شبابها

إذا اصفر لون المرء وابيض شعره تنغص من أيامه مستطابها

فدع عنك سوآت الأمور فإنها حرام على نفس التقي ارتكابها

قالت العرب قديما في الرجل إذا شاب شعره: " ليله عسعس، وصبحه تنفس" ، وهذا كلها ينطبق على من مال عن طريق العمل والعطاء في مجال العمل الخيري والاجتماعي ، فبالعمل وأن اعترا الرأس الشيب فلهو الوقار والرأي السديد والجهد المفيد ، فهو دليل اكتمال العقل وعنوانَ الوقار، وتاجَ الهيبة، ورمز الإجلال والرزانة، فجديرٌ بمن لبس ثوبَ الوقار أن يتوقَّر، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن شاب شيبة في الإسلام، كانت له نورًا يوم القيامة) .

يقول المتنبي :

لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والاقدام قتال

ويقول أيضاً :

ومن يجد الطريق الى المعالى فلا يذر المطي بلا سنام

ولم اري في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام

نعم كن كالماء تفيد بجريانك من حولك تعطي للشجر رونقها وللحياة جمالها وللبشر بقائها وكما انه يساعد جسم الانسان على طرد السموم من الجسم ، وكذلك يقيه من الامراض ، فبالتطوع أخي الحبيب تقي الضعيف من الظلم والفقير من الجوع وتخرج الجاهل إلى النور .

والحمد لله رب العالمين ،،،

كتبه محبكم

سعد بن سعيد العدواني