سياسة تقدير الموقف و قواعد الاشتباك ,علم بأكمله,يُدرس ويُدرب في اقوى المعاهد العسكرية و الحربية في الدول المتقدمة,فنجد ان المقاومة في قطاع غزة قد تمكنت من تطبيقه ببراعة ضد سلاح احتلال غاشم و هو السلاح ذاته الذي تم تسليطه على الدول العربية في منطقة الشرق الاوسط منذ عام 1967م عندما قام الاحتلال الاسرائيلي باحتلال الجولان السوري و صحراء سيناء المصرية و استولى على باقي فلسطين .
الاحتلال الذي يمتلك احدث طراز من طائرات ال اف 16 و اف35 و طائرات التجسس”الزنانة”. الاحتلال نفسه من يمتلك مٌفاعل ديمونا النووي الذي لا تتجرأ اي دولة عربية او حتى جُل الدول الغربية ان تُشهر امتلاكها له.الاحتلال الذي يمتلك جيش مُشاة مزوداً بأقوى انواع الدبابات و المدرعات و ناقلات الجند و الجيبات المصفحة و يمتلك ترسانةً بحرية تسيطر على الاطلالة الفلسطينية على البحر المتوسط و الذي ينشر فيها قطعه البحرية و زوارقه الحربية و الطرادات .
اذن,انه ليس بدولة و لكنه ,مجموعة من العصابات التي دعمتها امريكا و بعض دول اوروبا ليكون شوكةً في حلق العرب و مصدر تهديدهم الابدي الدائم.للاسف,هذا قد تحقق,و بشكل اشبه بالكلي,من خلال موجات و سياسات التطبيع سواء ا كان كلياً ام جزئياً ,فأنه خيانة,من عدة دول عربية و بالطبع هذه جريمة و لكن من يُحاسب؟! بالطبع الله سوف يُحاسب.
فلسطين لديها عضوية في جامعة الدول العربية فيصدروا قرارات سنوية تنص على ارجاع الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م,اما ما قبل ذلك,فأصبح من الماضي بالنسبة لهم,و مع تلو السنوات,اصبح الخطاب مٌعداً جاهزاً لا يحتاج لتنقيح اومراجعة من قبل المترجم لأنه قد حفِظ القالب ليكون ترديداً للشعارات عينها.
في عام 1993م,و تحت ضغط الدول العربية على منظمة التحرير الفلسطينية,تم توقيع اتفاقية اوسلو في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات التي نصت على اعتراف المنظمة بالاحتلال الاسرائيلي”ك دولة”مقابل اعتراف الاحتلال بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني و منحهم سلطة حكم ذاتي على اجزاء من الضفة الغربية و مدينة اريحا.
قد حدث ذلك,و لكن,هل هي لعبة شطرنج,اكن وزيراً فاصبح ملكاً ,و ان كنت مهاجماً اقف في صف الدفاع, الامر ليس بتلك البساطة اينما كبح الشعب الفلسطيني غضبه و سخطه على ما حدث .
لم يدم ذلك طويلاً,و لابد للبندقية ان تنطق كلمتها,في عام 2000م,اصبحت الانتهاكات الاسرائيلية فوق العلنية و صارخة بحق مقدساتنا و ارض المعراج ,فثار الشعب الفلسطيني و زئر زئير الاسود و اجتمعوا على كلمةً واحدة و هي “لا نؤمن بأتفاقيات سلام,نريد كل فلسطين او كل فلسطين بلا خيار ثالث”
من هنا بدأت الحكاية,اقصد ,حكاية صمود سُطرت بالدماء ,بالتضحية ,بالشهداء,بالفقر,بالبطالة ,بالحصار,بفقدان اعز ما نملك من الغالي و النفيس.
الشعب الفلسطيني قد خسِر من ناحية اتفاقيات السلام الكاذبة و المضللةالتي وقعها مع الاحتلال الاسرائيلي و الوسطاء, و لكنه من ناحية اخرى,قد تقدم خطوةً بل خطوات نحو الامام تمهد له ان يُجابه و يفرض قواعده العسكرية و ليس السياسية فحسب.لدينا حركة فتح و حماس و الجهاد الاسلامي و الجبهة الشعبية و الجبهة الديموقراطية,كُل منها لديه ايدولوجيته الخاصة به و التي كانت نقطة انطلاقه ,و لكن قضيتهم واحدة و هي تحرير فلسطين و الجهاد و المقاومة و الكفاح المسلح .
في عام 2008م/2009م,الاحتلال الاسرائيلي قد بدأ باجتياحٍ قاتل و مؤلم بحق الشعب الغزي ,شنها عبر الدبابات الحربية و المدفعيات مطوقاً القطاع من البحر بالطرادات و الزوارق الحربية و حاصرها من الجو بالطائرات المقاتلة و قنابل الفسفور السامة. غزة اصبحت كالكرة الملتهبة,لا ترى الا موتاً بالجملة بشكل عشوائي بلا رحمة ,و ارتقى عدداً كبيراً من الشهداء و سقط عدد كبير من الجرحى مما ادى الى وجود عجز حاد في المشافي اينما تعالت الاستغاثات الطبية .لم تسلم المساجد و لا المدارس و لا المشافي و لا المنتزهات,كُلُ تم قصفه و تسويته بالارض,حتى الناس الامنين في بيوتهم :عائلات بأكملها,قد دٌفِنت تحت ركام منزلها ليرتقوا جميعا شهداء.
المقاومة اعدت و تصدت بكل ما اوتيت من قوة,و اطلقت صواريخها بكثافة على العدو و نفذت عمليات نوعية اوجعت الاحتلال الاسرائيلي. و لكنها في هذه المرحلة لم تكن بالقوة التي ستظهرها فيما بعد ,لانهم لم يكونوا مستعدين لحرب ضروس مثل هذه و كافة انواع الاسلحة المعروفة للعالم و قنابل الفسفور ضد قطاع محاصر و صتاعات محلية .انهم مقاتلون عظماء شجعان استطاعوا ان يُلقنوا الاحتلال درسأ قاسيأ و قد فرضوا شروطهم ,و لكنهم لم يكونوا يمتلكوا قواعد ااشتباك محددة وقدرة على تحديد مدى الرد,على نحوٍ كاملة,لانها لا تتشكل الا من خبرة قد بنتها و بقوة بعد هذا العدوان ,مما ساعدها في تقدير التنبؤ بردود فعل العددو و تقدير القوة العسكرية للعدو و لهم على السياق عينه , و التنبؤ بحجم الخسائر التي ستتلقاها مقابل التي ستٌلحقها في جانب العدو و مجموعة من العوامل الاخرى التي قد اكتملت صورتها في عدوان عام2012 م.
ش
عدوان عام 2012 م عندما اغتال طيران الاحتلال الاسرائيلي الشهيد القائد احمد الجعبري ,فكان رد المقاومة مزلزلاً و دكوا مواقع الاحتلال كافة موقعين خسائر جمة سواء في الجانب البشري او في البنية التحتية لدى الاحتلال.تم توقيع اتفاقية وقف اطلاق النار ,و المقاومة هي من فرضت قواعدها بعد حربها مع العدو عام 2008/2009م بل و استطاعت الرد بشكل مناسب لحجم الجريمة التي ارتكبها الاحتلال.
عام 2014م,في مطلع شهر رمضان المبارك بينما من الناس من هم نيام و منهم الصائمون القائمون يتعبدون,و على حين غرة,كانت طائرات الاحتلال الاسرائيلية تلقي بلظى نيرانها على كل ما يتحرك:سيارة او دراجة او انسان ,اشبه ما تكون بالمجزرة,مسعفين و صحفيين قد ارتقوا شهداء و مشافي و مساجد قد سٌويت بالارض .اعدام الابرياء رمياً بالرصاص في خزاعة,و لكن هنا,بالمرصاد قد كانت فصائل المقاومة, لم يتركوهم ليصولوا و يجولوا,فلم يستطيعوا تخطي الحدود,و ان فعلوا,فيكون تدبير مقاومة نحو عملية نوعية و كمين,كما حدث في هتلر عندما زحف صوب موسكو و لقي جيشه حتفه.هذا ما تجلى في مقتل اكثر من 300 جندي اسرائيلي حسب ما صرح الاحتلال اما انا فأقول حسب ما شهدته وقتها,بأنه قد سقط ما يزيد عن 500 جندي اسرائيلي قتلى و الاف الجرحى و لكنهم يضللون و يكذبون اعلامياً. باغتتهم المقاومة بعمليات لا يضاهيها كل ما نراه على التلفاز لجيوش العالم,إذ جاؤهم برمائيأ ,فقطعوا البر و غاصوا البحر و نزلوا بهم رشقاً بالرصاص ,انهم الضفادع البشرية,ثم ارتقوا شهداء.الله اكبر,كل شعب فلسطين اصبح يردد عندما رأينا البث الحي لما حصل على قناة الاقصى.كانت عملية اشبه ما تكون بالمستحيلة و لكنهم فعلوها لان غايتهم ان تكون كلمة الله هي العليا اما الاعداء فهم في الاسفلين,فابادوهم ثم استشهدوا. اشلاء جنود الاحتلال قد تناثرت,مدرعاتهم قد فُجرت بالكورنيت و الاربيجيه و صواريخ المقاومة طالتهم في بيوتهم صوباً و تحديدأ و بأدق الزوايا,موتهم الحتمي كان وما زال و سيكون.فجأة,رأينا الناطق العسكري بأسم القسام,ابا عبيدة,و خلفه رسمأ يحوي يداً تٌمسك بجندي,فكانت خطف الجندي الاسرائيلي شاؤول ارون و اعلن عن رقمه و انه ما زال على قيد الحياةو انكر الاحتلال ثم تراجع.كانت فاجعةً لهم و انتصاراً مؤزراً للمقاومة و للشعب الفلسطيني و المفاجأة لم تكن هنا فحسب,بل ان المقاومة بحوزتها اكثر من جندي اسير على قيد الحياة ما ان وضعت الحرب اوزارها.هنا,فرضت المقاومة جميع شروطها بالقوة,بالصواريخ,بمضادات الدروع,بالضفادع البشرية,بقناصة الغول,بالكمائن,بالتفجير,بالقنص,بالقصف,حتى انصاع الاحتلال لجميع الشروط و تكبد خسائر فادحة على كافة المستويات.ارتقى خلال هذه الحرب الضروس عام 2014م , 2128شهيد و اصابة اكثر من 11128 جٌلهم من النساء و الاطفال و الشيوخ و المدنيين العُزل و الطواقم الطبية و الصحفية.
من هذه المرحلة,تراجع الاحتلال عن تنفيذ اي عدوان شامل كما مضى و اكتفى ,بقوة السلاح الفلسطيني,بتصعيدٍ قصير الامد و الاثر,و هنا نجد ان المقاومة قد فرضت شروطها بالقوة و ادارة قواعد الاشتباك و سياسة تقدير الموقف جيدأ وانتصرت غزة.
