كنت صديقة للجميع، كان عطائي بلا تردد ودون مقابل، تقاسمت آلامهم جميعاً، كنت أقف بأقسى لحظات ألمي أمد يد الدعم حتي ظنوا أنني لا أحمل للدنيا هماً .. لم أبالي بل كنت سعيدة .. لم يرد بخاطري ذات يوم هل حقاً كل من حولنا يملكون حق المساعدة .. لم أفكر هل إذا تبدلت الأدوار سنتلقي نفس المقدار من الدعم ... لم يكن التردد في المساعدة أمراً مطروحاً في ذلك الحين ... بل كنت دوماً اردد "كان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه" .. كنت أحبني جداً حينها ... "فليسامح الله من يشوهون جميل ما نحب في أنفسنا"...

حتي خُذلت ذات يوم وجاءتني ضربة من أكثر الجهات التي ظننتها آمنه .. شعرت كمن يرتشف دواءً شديد المرارة بكأس مكسور حافته .. يأتيه الوجع من كل إتجاه ... عاجز هو عن تحديد السبب .. ولكن الدواء لم يفتقد صفته بالعلاج .. فتلك الضربات المؤلمة تأرجح صاحبها حيناً من الزمن وتعيده ثانية لأكثر النقاط ثباتاً ... وفيما بين النقطتين نمر بفترة إختبار ... فما كنت تردده دون تفكير أصبح موضع إختبار الآن ... هل ستستمر في العطاء !!! هل معتقدك شعار أم مبدأ مترسخ فيك وستستمر ... لم أخفيكم سراً !!! إبتعدت عن كل من آمن لوجودي .. أعلنت إنسحابي ولم أعد صديقة لا لمن يملك صديق أو من لا يملك .. إتخذت موقف الحياد عمداً تجاه كل من كنت استطيع أن أقدم له يدي ... تسألت كثيراً .. كثيراً جداً .. بل كنت طوال الوقت اتسائل .. لماذا !!! لماذا نُخذَل؟ هل لأننا استحقينا هذا أم لأنهم لم يستحقوا وجودنا منذ البداية ... لماذا نعطي ما دمنا سنُخذَل .. ورأيت الجميع سيَخذِلون ولكن لم تسنح الفرصة بعد ... فما زادتني تلك الأفكار الإ أنيناً .... أستمر بي الحال هكذا صراع داخلي كالبركان وهدوء خارجي كبحيرة راكدة تفتقر الحياة .....

حتي شاءت الأقدار أن أمر بأكثر الإختبارات صعوبة ورأيت ابتلاء لم أكن لأحتمله لولا دعم من أخذتهم بأقدام الآثمين في حقي .. رأيت يد الله تمتد إلي في أقسي لحظات الوجع حتي أنني الآن أتذكر ذلك الوقت وأنا سعيدة ممتنة شاكرة حامدة .. ومر ما ظننته لن يمر فأيقنت أن العطاء بل حتي الجود في العطاء كان ضئيل جدا ولم يكن إثماً بل الإثم كله اننا نسبنا الخذلان لمقدار العطاء وأخذنا الأشخاص بعين الإعتبار ... قد أكون أعطيت ولكن حباً لأشخاص لا لوجه الله فقط!! لذلك أضللت الطريق وقد يكون لسبب آخر لا يهمني الآن .. ما يُهم حقاً انني عدت ثانية بعد ان كدت أضل طريقي لأجدني مرة أخري متصالحة مع نفسي اردد:

"انا صديقة لمن لا صديق له،

متى اردتم كتفاً اخبروني،

سأمُدُّ لكم قلبي لا يدي"