هل الروايات فعلا ذات النفع؟


التعليقات

لست قارئاً لكن القصص الادبية ضرورية جداً، لان قراءتها تجعل الانسان يتخيل ما يقرأ اي انه يعمل خياله وعقله على عكس مشاهدة افلام الكرتون

الكتب العملية تعطينا علماً مجرداً لكن الادبية تعطينا الخيال ولا حياة بدون خيال ... صحيح اني اكره هذه ما سأقوله الان وانا متعصب للطرف الاخر (العلمي) لكن الحقيقة انه ليس كل شيء في الدنيا علم كما عودتنا المدرسة .. يوجد كذلك ما يدعى بالفن والخيال الذي طغى على العلم في عدة مرات

نعم ذكرت اني متعصب للكتب العلمية ههه

كنت أقرأ لسلامة موسى، وقال أن طه حسين كان يعتبر الروايات ترفا ذهنيا، وسلامة يوافقه على هذا، لكنه يقول أننا لا نملك الوقت للترف، بل لا حق لنا فيه. ويقول سلامة موسى أننا لا نملك الخبز حتى نسعى وراء الترف، لذلك يؤثر أن نقرأ العلوم لأننا يمكننا أن نطور ونصنع في كل المجالات، ثم يحين وقت الترف.

وجة نظر و لكن يتوقف الأمر على طبيعة الشخص فربما كان شخص مترف ليس لدية العديدمن المسؤليات فتكون القراءة أحد خياراتة للترفية

هل من المفترض علي الانسان ان يعيش حياه للعمل فقط

بدون اي وسيله ترفيه نهائيا !!!

كيف ذلك ان يحدث اعتقد انك مخطئ

لا شيء ليس له فائدة، الموضوع نسبي. فا الروايات وجهٌ من أوجه الأدب، والأدب علم قائم بحد ذاته يتطوّر ويطوّر البشر منذ الأزل ولا ينكر ذلك الا من يجهل في المجال. الروايات لها فوائد واضحة وجليّة من تحسين اللغة لدى القارئ كذلك تطوير لغة وصور الخيال والتسلية ايضاً. (لا أدري لماذا التسلية لاتعتبر فائدة عند بعض الاشخاص فيما أراها من أهم الفوائد) ففطرة المخلوقات كلها تحب أن تتسلى والعائد على النفس والعقل من التسلية لا تحصى فوائده. فلا أرى أنه من الصحيح أن يقال أن الرواية بعيدة مجالياً عن العلم فهي علم له مؤلفاته وطرقه وأبحاثه وتاريخه كأي علم آخر كا الهندسة مثلاً. هي تخلق فنّاً ايضاً يجعل العالم أجمل.

لست قارئاً للروايات كثيراً ربما قرأت روايات لاتتعدى العشرة روايات ولكني لازلت اتذكرها ولازلت أذكر فضلها على شخصيتي وفوائدها الواضحة.

لا مشكلة في قرائة الروايات، وفيها فائدة وان كانت قليلة مقارنة بالكتب العلمية مثلاً.

لكن المصيبة ان تعتبر نفسك مثقف وتتباهى في المجالس وصفحات الفيسبوك وتبين انك "عميق" وانت لا تقرأ الا الروايات.

طبعا صديقي كنت سأرد عليك بأكاديميا وأخبرك أنك مصيب وصديقك مصيب ومخطئ أيضا

وأن القضية فيها الكثير من المنفعة والمعرفة واكتساب تجارب للحياة

كنت سأقول هذا لو جئتني قبل شهرين ربما ثلاثة ياصديقي لكن اليوم أقول بكل محبة أننا نقرأ لأننا تعساء!

نحب الرواية لأنها تملأ الحزن الدفين فينا وتعززه لا غير ... نحاول أن نملأ حياتنا بالملائكة والشياطين تملأ المكان / الرواية ربما تصلح لتمضية وقت ما في عزبة الأهل أو في منزل فخم وجيوبك مليئة بالحياة

أما من هو فقير سعادة فهي هراء الكثير من الهراء الذي كان يجب أن نملأه بالمفيد / أعني كتب الحياة ، المجتمع والشارع ...

أبدوا تعيسا لكن لابأس !

يا اخي انا معك في كلمة '' ا تملأ الحزن الدفين فينا وتعززه لا غير ... نحاول أن نملأ حياتنا بالملائكة والشياطين تملأ المكان ''

نعم نحن نحاول ان نعرف مصطلحات وكلمات تعبر عن ما في داخلنا ووجدناها في الرواية والشعر الحزين وحتة اغاني راب

اما الرواية فهي تجارب لاشخاص عاشو قبلنا وزامنو عصورا لم نعش فيها لاشخاص حكماء لاشخاص استولى عليهم الحزن وحولوه الى وقود للمضي قدما فمع الرواية لن يفاجئنا شيئ وسنرى كل شيئ كأنه مألوف وكأننا جربناه وسنعرف الحل والطريقة المثالية للتعامل معه بدل عدم فهم ما يحدث فداخلنا و هذه مهارة من مهارات التعامل مع الحياة بكل ما فيها من فشل واحباط ويأس وخذلان وفقدان للامل فهي تجعل من لاشيئ شيئ و تزرع فالنفوس المحبطة الارادة والعزيمة والمثابرة وكل شيئ هذا ما يميز الرواية عن الشعر واغاني الراب

و لا دخل للنقود او الحالة الاجتماعية للشخص في المطالعة يا اخي :)

صديقي أنت موافق على كل كلمة قلتها / بل وأضفت لما عنيتهُ وفصّلت...

جيوبه مليئة بالحياة تعني السعادة باستعارة قصدتها وليس مليئة بالمال والنقود ;)

اه جيد اسف على سوء فهمي للكلمة ,شكرا :)

أتفق معك ، و هناك ناجحون كثيرون قالوا إنة من الأفضل أن تقضى وقتك فى ثقل مهاراتك التى تجلب لك النفع على أن تقرأ كتب فى غير تخصصك ، و إذا كان الأمر لتحسين القدرات اللغوية فالشعر أسهل فى ثقل المهارة

أخيتي حاولي أن تقرئي ماوراء السطور: جيوبه مليئة بالحياة وليس مليئة بالمال والنقود !

أقصد السعادة وأردفت وراءها فقير سعادة ;)

1- فى الفلسفه وعلم النفس توجد علاقه كبيره بين التفكير واللغه فكلما زادت محصلتك اللغويه استطعت التعبير عن افكار اكتر بل وتستطيع التعبير عن نفس الفكره باساليب كثيره ويمكنك ملاحظه ذلك فى ان الطفل او الشخص الغير متعلم الذى يعرف كلمات بسيطه لا يمكنه التعبير سوا عن افكار بسيطه جدا وعلى ما اتذكر كانت هناك ملاحظات بخصوص امكانيات اللغه وضيق او وسع التفكير فبعض اللغات لها خصائص مثل دمج الكلمات فى اللغه الالمانيه او عدم تفضيل استخدام ضمائر مثل (انت) فى اللغه اليابانيه تؤثر بشكل عام على طريقه التفكير فى الحياه (لذلك ينصح بتعلم لغات اجنبيه)

2- قرات من قبل ان التفكير بمثابه الوقود للعقل فتوقف التفكير يعنى توقف العقل عن العمل ولايمكنك التفكير بدون اللغه. يكون التفكير فى هذه الحاله كانتقال بين الكلمات والصور بمعنى لو ذكرت كلمه سياره سيتصور عقلك شكل السياره ولن يكتفى بل سيبحث فى الذاكره عن موقف مثير مضحك مثلا حدث لك مع سياره ثم ستتذكر باقى الاشخاص فى الموقف وهكذا كلمه تجر كلمه .. الروايات تفيدك هنا فى تذكيرك بمواقف قديمه حدثت لك او حتى تخيلها وبالتالى تستخدم التفكيرفى الانتقال بين الكلمات ولا تصبح راكده بدون استخدام حتى تنساها

3- الكتب العلمية تقدم معلومات مجردة (hard facts) مثل المعدن يتمدد بالحرارة وهذه المعلومات لا يستطيع معظم الناس الاستفاده منها فى حياتهم اليوميه بشكلها هذا بينما تستطيع القصص والروايات ايصال نفس المعلومات بصوره ابسط وبشكل عملى فى سياق ممتع. كمثال لا تستهوينى قراءه الكيمياء وتفاعلاتها بينما فى سياق قصه تاريخيه كنت اقراها وجدت كلمه "النار الاغريقيه" التى تسببت فى تغيير مجرى الاحداث الامر الذى جذبنى لمعرفه ماهى

4- على عكس الكتب العلميه الروايات والقصص تعمل على زياده المخزون العقلى من المواقف والوقائع الحياتيه (الخبره) حتى لو لم تتعرض لها شخصيا

5- فى التقسيم الثنائى للعلوم بين علوم طبيعيه وعلوم انسانيه تشبع العلوم الطبيعيه الجانب العقلى ولا يمكنك ترك الجانب القلبى/ الشعورى/ الانسانى بدون اشباع والا اصبح لديك رغبه غير مشبعه وفى علم النفس قد يتسبب هذا فى خلل نفسى (حسب فهمى)

6- "ما يزيد عن حده ينقلب لضده" الاكتفاء بالكتب العلميه او العلوم فقط يجعل الانسان بارد المشاعر ويفسرها تفسير الى كالتفاعلات الكيميائيه يفقدها قميتها لذلك فالتوازن امر مطلوب

7- يمكنك ملاخظه ان من يتخصص فى جانب العلوم المجرده او التفكير العقلى عموما يتجه لمشاهده الكارتون / الانمى وقراءه المانجا بينما قد يستهوى الادباء القراءه فى الفيزياء لاراحه انفسهم

8- معظم الاختراعات ان لم يكن كلها اعتمدت على الخيال, التسويق والادراه وغيرهم يعتمدو كثيرا على فهم طبيعيه البشر

الخلاصة ان الروايات مفيده جدا وستسفيد منها بشكل او باخر

السلام عليكم

لم اترك في صغري رواية الا و قرأتها , روايات في الخيال العلمي , روايات عالمية , بوليسية , سياسية تاريخية ... الخ

و صراحة لم اشعر وقتها باهمية ذلك سوى اشباع رغبتي بالتسلية و التحليق بخيالي الى عوالم اخرى .. الى ان تقدم بي الوقت و لاحظت اثر ذلك بشكل كبير ..

حقيقة اثرت بي قراءة الروايات بشكل كبير .. حيث ازدادت معلوماتي في عدة مجالات على الصعيد العلمي و التاريخي بالاضافة الى اثراء مفرداتي من اللغة العربية و حتى طريقتي في تحليل الامور تأثرت بقراءة الروايات .. لانه في كل رواية تجد وجهة نظر الكاتب مختلفة عن كاتب اخر في تقييم معاني الحياة من حيث الخير , الشر .. الخ .

للاسف الان لم اعد اقرأ بشكل منتظم , بسبب انشغالي الدائم و اصبحت معظم قراءاتي على شبكة الانترنت ..

تقبل مروري :)

في نادي القراءة الجماعية الذي أديره تحدثنا كثيراً في هذا الموضوع .. هناك عدة وجهات نظر

1- الروايات جيدة لمن يريد البدء بالقراءة .. الروايات لطيفة تأخذك معها في رحلة.. تساعدك على ألفة الكتاب الطويل والشخصيات والحوار

2- الروايات لها فائدة كبيرة في مرحلة البداية

3- الجميع يبدأ بقراءة قصص أو روايات ثم يبدأ يرى نفسه قد اكتفى منها فينتقل للكتب العلمية أو التخصصية المفيدة، لأننا سنعيش حياة واحدة

4- هناك من يرى أن الروايات حاجة اساسية بحياته لأنه يقضي وقت آخر في التعلم بالجامعة مثلاً .. أي ضرورة للتوازن

5- دائماً بعد أن تقضي عدة أشهر في قراءة كتب علمية تخصصية، تحتاج لقراءة رواية كنوع من الفاصيل وهذا يحدث معي شخصياً

الروايات فيها كثير من المنافع، أولا فيها تجارب الكاتب التي قد تنفعك في الحياة ، كذلك تتعرف على الحضارات الأخرى و ثقافاتها، فيما مضى كان الكتاب ذو أثر كبير على المجتمع،فالأفكار كانت تنقل عن طريق الأدب، هذه السنوات لم تعد هناك إصدارات جديدة كثيرة لذلك عادة ما تقرأه يناسب فترة زمنية مضت.

لكي تحصل الإستفادة إبتعد عن الروايات العربية التي وقع تكريم كتابها فهي أشبه بالهراء.

ما قاله لك يعد نوعًا ما مغالطة منطقية، فلو أخذنا بكلامه فهل يريد إقناعنا بأن قراءة كتاب لستيفن هوكينج أفضل من قراءة القرآن؟ وهل يريد إقناعنا بأن قراءة القرآن أفضل من الحج والصلاة؟ فلو أخذنا بكلامه لما فعلنا شيئًا ولأمضينا عمرنا نبحث عن الأفضل.

لماذا نقرأ الأدب؟ ماريو فارغاس يوسا

المصدر: تكوين

دائمًا ما يأتيني شخص حينما أكون في معرض كتاب أو مكتبة، ويسألني توقيعًا. إما لزوجته أو ابنته أو أمه أو غيرهم، ويتعذر بالقول بأنها ” قارئة رائعة ومحبة للأدب”. وعلى الفور أسأله: “وماذا عنك؟ ألا تحب القراءة؟”، وغالبًا ماتكون الإجابة: “بالطبع أحب القراءة، لكني شخص مشغول طوال الوقت.”.

سمعت هذا التعبير عدة مرّات، هذا الشخص وبالطبع الآلاف منهم لديهم أشياء مهمة ليفعلوها، التزامات كثيرة ومسؤوليات أكثر في الحياة، لذلك لايستطيعون إضاعة وقتهم الثمين بقراءة رواية، أو ديوان شعر، أو مقال أدبي لساعات. استنادًا إلى هذا المفهوم الواسع، قراءة الأدب هي نشاط كمالي يمكن الاستغناء عنه، لاشك بأنه يهذب النفس ويزودها بالأخلاق الحميدة وبالإحساس بمن حولها، لكنه في الأساس ترفيه، ترف للأشخاص الذين يملكون وقت فراغ. هو شيء يمكن وضعه بين الرياضات أو الأفلام أو لعبة شطرنج؛ وهو نشاط يمكن أن نضحي به دون تردد حينما نرتب “أولوياتنا” من المهام والواجبات التي لايمكن الاستغناء عنها في سعينا الحياتي الشاق.

يبدو بشكل واضح أن الأدب شيئًا فشيئًا يتحول إلى نشاط نسوي. في المكتبات، وفي المؤتمرات الخاصة بالكتّاب، وحتى في كليّات العلوم الإنسانية، نرى بوضوح أن النساء أكثر من الرجال. وهذا الأمر يُفسَّر عادةً أن نساء الطبقة المتوسطة يقرأن أكثر لأنهن يعملن لساعاتٍ أقل، لذلك يستطيع العديد منهن تخصيص وقت أكثر من الرجال لقراءة الكتب التخييلية والتفرغ للوهم. وأنا – بشكل ما – أتحسس من التفسيرات التي تفصل النساء والرجال بتصنيفات جامدة، وتنزع لكل من الجنسين طبعه الخاص ونتائج تترتب من هذه الطباع. لكن مما لا شك فيه أن قراء الأدب في تناقص، وأن غالبية الباقين من القراء هن نساء.

هذا الأمر يحدث في كل مكان تقريبًا، في إسبانيا – على سبيل المثال – كشفت إحصائية حديثة أقامها اتحاد الكتاب الإسبان أن نصف السكان لم يقرأوا كتابًا من قبل. وكشفت أيضًا أن ضمن الأقلية التي تقرأ، النساء اللاتي يقرأن يتعدين الرجال بنحو 6.2%، وهذا الفارق يزداد مع الوقت. أنا سعيد من أجل أولئك النسوة، لكني أشعر بالأسف للرجال، وللملايين ممن يستطيعون القراءة لكنهم اختاروا أن لايقرأوا.

هم يستحقون الشفقة ليس فقط لأنهم يجهلون المتعة التي تفوتهم، بل أيضًا لأني مقتنع بأن مجتمعًا بلا أدب أو مجتمعًا يرمي بالأدب – كخطيئة خفيَّة – إلى حدود الحياة الشخصية والإجتماعية هو مجتمع همجي الروح، بل ويخاطر بحريته. أود أن أطرح تفنيدات لفكرة أن الأدب نشاط للمترفين، وعرضه كنشاط لايستغنى عنه لتشكيل المواطنين في مجتمع حديث وديمقراطي، مجتمع مواطنين أحرار.

نحن نعيش في عصر تخصص المعرفة، وذلك بفضل التطور الهائل للعلوم والتكنولوجيا، وبفضل تقسيم المعرفة إلى وحدات صغيرة وعديدة. وهذا الاتجاه الثقافي سيستمر بالنمو لسنوات قادمة. للتأكيد، فإن التخصص له منافع عديدة. فهو يسمح باكتشاف أعمق وتجارب أعظم وأكبر، وهو محرك التقدم. غير أن له أيضًا عواقبه السلبية. فهو يمحي الصفات الفكرية والثقافية بين الرجال والنساء، والتي تسمح لهم بالتعايش، والتواصل، والإحساس بالتضامن فيما بينهم. التخصص يؤدي إلى نقص في الفهم الاجتماعي، يؤدي إلى تقسيم البشر إلى جيتو1 من التقنيين والأخصائيين. إن تخصيص المعرفة يتطلب بالتالي لغة دقيقة ورموزًا تزداد غموضة كل مرة. وبالتالي، فإن المعلومة تصبح أكثر انفرادية وتشتتًا. هذا هو التخصيص والتقسيم الذي كان يحذرنا منه المثل القديم: “لاتركز كثيرًا على غصن أو ورقة، وتنسى أنهما جزء من شجرة. ولاتركز على الشجرة فتنسى أنها جزء من غابة”. الوعي بوجود الغابة يخلق شعورًا بالجماعة، شعور الانتماء، ذلك الذي يربط المجتمع ببعضه ويمنع تفككه إلى عدد لايحصى من الأجزاء بسبب هوس الخصوصية الأناني بالنفس. هوس الأمم والأشخاص بأنفسهم لم يخلق إلا الارتياب وجنون العظمة، وتشويهًا في الواقع هو مايولّد الكراهية، الحروب، وحتى الإبادات الجماعية.

في عصرنا الحالي، لايمكن للعلم والتكنولوجيا أن يكمل بعضهما الآخر. وذلك للثراء اللامتناهي من المعرفة وسرعة تطورها، والذي قادنا إلى التخصصات وغموضها. لكن لطالما كان الأدب وسيبقى واحدًا من القواسم المشتركة لدى التجربة البشرية، والتي يتعرف البشر من خلاله على أنفسهم والآخرين بغض النظر عن اختلاف وظائفهم، خطط حياتهم، أماكنهم الجغرافية والثقافية، أو حتى ظروفهم الشخصية. استطاع الأدب أن يساعد الأفراد على تجاوز التاريخ، كقرَّاء لثرفانتس، شكسبير، دانتي، وتولستوي. نحن نفهم بعضنا عبر الزمان والمكان، ونشعر بأنفسنا ننتمي لذات النوعية، لأن من خلال الأعمال التي كتبوها، نحن نتعلم مانتشاركه كبشر، وماالذي يبقى شائعًا فينا تحت كل الفروقات التي تفصلنا.

لاشيء يحمي الإنسان من غباء الكبرياء والتعصب والفصل الديني والسياسي والقومي أفضل من تلك الحقيقة التي تظهر دائمًا في الأدب العظيم: أن الرجال والنساء من كل الأمم متساوون بشكل أساسي، وأن الظلم بينهم هو مايزرع التفرقة والخوف والاستغلال.

لايوجد من يعلمنا أفضل من الأدب أننا نرى برغم فروقنا العرقية والاجتماعية ثراء الجنس البشري، ولايوجد ماهو مثل الأدب لكي يجعلنا نكافئ ونمجد فروقنا بوصفها مظهرًا من مظاهر الإبداع الإنساني متعدد الأوجه. قراءة الأدب الجيد هو مصدر للمتعة بطبيعة الحال، ولكنه أيضًا تجربة لنعرف من نحن وكيف نكون، بعيوبنا وبنقصنا، من أفعالنا وأحلامنا وأشباحنا، وحيدين وفي العلاقات التي تربطنا مع الآخرين، في صورتنا العامة الظاهرة لدى الآخرين أو في تجاويف وعينا السرية.

هذا المجموع المعقد من الحقائق المتعارضة – كما يصفها أشعيا برلين – تشكل جوهرًا للحالة الإنسانية. في عالم اليوم، هذا المجموع الضخم والحي من المعرفة في الإنسان لايوجد إلا في الأدب. لم تستطع حتى فروع العلوم الإنسانية الأخرى – كالفلسفة أو الفنون أو العلوم الاجتماعية – أن تحفظ هذه الرؤية المتكاملة والخطاب الموَحَّد. العلوم الإنسانية خضعت أيضًا لتقسيم التخصصات السرطاني، وعزلت تلك التخصصات نفسها في أقسام مجزأة وتقنية بأفكار ومفرديات لايستوعبها الشخص العادي. بعض النقاد والمنظرين يودون تحويل الأدب إلى علم، وهذا ما لن يحصل أبدًا، لأن الكتابة التخيلية لم توجد لتبحث في منطقة واحدة من تجربة الإنسان. وُجدت الكتابة لكي تثري الحياة البشرية بأكملها من خلال الخيال، والتي لايمكن تفكيكها، أو تجزئتها إلى عددٍ من المخططات أو القوانين دون أن تضمحل. هذا هو معنى ملاحظة بروست حينما قال أن “الحياة الواقعية، هي آخر مايكتشف وينوَّر. وأن الحياة الوحيدة التي تعاش بكاملها، هي الأدب”.

بروست لم يكن يبالغ، أو يعبر عن حبه لما يجيد. هو كان يقدم قناعته الخاصة بأن الأدب يساعد على فهم الحياة وعيشها بطريقة أفضل. وأن العيش بطريقة أقرب للكمال يتطلب وجود الآخرين بجانبك ومشاركتهم الحياة.

هذا الرابط الأخوي، الذي ينشأ بين البشر بسبب الأدب، يجبرهم على التحاور ويوعيهم بالأصل المشترك وبهدفهم المشترك، وبالتالي فهو يمحي جميع الحواجز التاريخية. الأدب ينقلنا إلى الماضي، إلى من كان في العصور الماضية قد خطط، استمتع، وحلم بتلك النصوص التي وصلت لنا، تلك النصوص التي تجعلنا أيضًا نستمتع ونحلم. الشعور بالانتماء لهذه التجربة البشرية التراكمية عبر الزمان والمكان هو أعظم إنجاز للثقافة، ولاشيء يساهم في تجددها كل جيل إلا الأدب.

كان بورخيس ينزعج كثيرًا كلما سُئل “ماهي فائدة الأدب؟”. كان يبدو له هذا السؤال غبيًا لدرجة أنه يود أن يجاوب بأنه “لاأحد يسأل عن فائدة تغريد الكناري، أو منظر غروب شمس جميل.”. إذا وُجد الجمال، وإذا استطاع هؤلاء ولو للحظة أن يجعلوا هذا العالم أقل قبحًا وحزنًا، أليس من السخف أن نبحث عن مبرر عملي؟ لكن السؤال جيد بالفعل. لأن الروايات والأشعار لا تشبه بأي حال تغريد الكناري أو منظر الغروب، هي لم توجد عن طريق الطبيعة أو المصادفة، هي إبداعات بشرية. ولذلك فمن اللائق أن نسأل كيف ولماذا أتت إلى العالم، مافائدتها ولماذا بقت كل هذه المدة.

تأتي الأعمال الأدبية – في البداية كأشباح بلا شكل – أثناء لحظة حميمية في وعي الكاتب، ويسقط العمل في تلك اللحظة بقوة مشتركة بين كل من وعي الكاتب، وإحساسه بالعالم من حوله، ومشاعره في ذات الوقت. وهي ذاتها تلك الأمور التي يتعامل معها الشاعر أو السارد في صراعه مع الكلمات لينتج بشكل تدريجي شكل النص، إيقاعه، حركته وحياته. حياة مصطنعة، وللتأكيد، هي حياة مُتخَيلة، صنعت من اللغة، وحتى الآن يسعى الرجال والنساء لتلك الحياة، بعضهم بشكل متكرر، والبعض الآخر بشكل متقطع، وذلك لأنهم يرون أن الحياة الواقعية لاترقى لهم، وغير قادرة على تقديم مايريدون. لاينشأ الأدب من خلال عمل فردٍ واحد، بل يوجد حينما يتبناه الآخرون ويصبح جزءًا من الحياة الإجتماعية عندما يتحول، وبفضل القراءة، إلى تجربة مشتركة.

أحد منافع الأدب للشخص في المقام الأول تكمن في اللغة. المجتمع الذي لايملك أدبًا مكتوبًا يعبر عن نفسه بدقة أقل، وأقل وضوحًا من مجتمع يحمي طريقة التواصل الرئيسية له، وهي الكلمة، بتحسينها وتثبيتها عن طريق الأعمال الأدبية. إنسانية بلا قراءة، ولايصاحبها الأدب ستنتج ماهو أشبه بمجتمع صم وبكم، ناقص الفهم وذلك لعلته اللغوية. وسيعاني من مشاكل هائلة في التواصل نظرًا للغته البدائية. وهذا يقع على مستوى الأفراد أيضًا، فالشخص الذي لايقرأ، أو يقرأ قليلًا، أو يقرأ كتبًا سيئة، سيكون لديه عائق: ستجده يتحدث كثيرًا ولكن المفهوم قليل، لأن مفرداته ضعيفة في التعبير عن الذات.

وهذا الأمر لا يعني وجود قيد لفظي فقط، ولكن أيضًا وجود قيد في الخيال والتفكير. هو فقر فكري لسبب بسيط، لأن الأفكار والتصورات التي يمكن من خلالها فهم حالاتنا لايمكن لها التكون خارج الكلمات. نحن نتعلم كيف نتحدث بعمق وبدقة وبمهارة من الأدب الجيد. لن يجدي أي انضباط آخر في أي فرع من فروع الفن ماعدا الأدب في صناعة اللغة التي نتواصل بها. أن نتحدث جيدًا، أن يكون تحت تصرفنا لغة ثرية ومنوعة، أن نجد التعبير الملائم لكل فكرة ولكل شعور نود أن نتواصل به، يعني بالضرورة أن تكون جاهزًا للتفكير، أن تُعلم، أن تتعلم، أن تناقش، وأيضًا لأن تتخيل وتحلم وتشعر. بطريقة خفية، تردد الكلمات صداها في جميع أفعالنا، حتى تلك الأفعال التي لايمكن أن نعبر عنها. وكلما تطورت اللغة، وذلك بفضل الأدب، ووصلت لمستويات عالية من الصقل والأخلاق، زادت من مقدرة الإنسان على عيش حياة أفضل.

عمل الأدب حتى على صبغ الحب والرغبة والجنس بصبغة الإبداع الفني. لم يكن الشبق ليوجد بدون الأدب. الحب والمتعة سيكونان أسوأ بحيث ينقصهما الرقة والروعة. سيفشلان في تحقيق الحالة القصوى التي يمنحها الأدب. لذلك فإني لا أبالغ حينما أقول أن الثنائي الذي يقرأ لغارثيلاسو، بترارك، جونجورا أو بودلير يقدران المتعة ويعيشانها بخلاف الثنائي الذي صار أبلهًا بمشاهدة الأوبرا الصابونية2 في التلفاز. في عالمٍ أمي، لن يتعدى الحب والرغبة ماترضى به الحيوانات، كما أنها لن تتجاوز الوفاء بالأساسي من الغرائز.

وبطبيعة الحال، لايمكن لوسائل الإعلام السمعية والبصرية أن تعلم الناس كيف يستخدمون الإمكانيات الهائلة للغة بمهارة وثقة. على النقيض من ذلك، تعمل وسائل الإعلام على الحط من قدر الكلمة إلى منزلة أقل بجانب الصورة، والتي تعد اللغة البدائية لتلك الوسائط، وتعمل أيضًا على تقييد اللغة بالتعبير الشفوي إلى الحد الذي لايمكن الاستغناء عنه بعيدًا عن البُعد الكتابي للغة. أن تصف فيلمًا أو برنامجًا تلفزيونيًا بالأدبي فهذه مجرد طريقة لبقة عوضًا عن وصفه بالممل. لهذا السبب، من النادر أن نرى العامة ينجذبون لمثل هذه البرامج. وحسب ماأعرف، فإن الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو برنامج بيرنارد بيفوت3 “فواصل عليا” في فرنسا. وهذا يقودني إلى الاعتقاد بأن الأدب ليس فقط متطلَّبًا لمعرفة كاملة باللغة واستخدام أكمل لها، بل أن مصيرها مرتبط بشكل لاينفصل بمصير الكتاب، ذلك المنتج الصناعي الذي يعتبره الكثيرون بأنه قد عفا عليه الزمن.

هذا الحديث يقودني إلى بيل جيتس، كان في مدريد منذ فترة ليست بالطويلة وزار الأكاديمية الملكية الإسبانية، والتي قد عقدت شراكة مع مايكروسوفت. ضمن أشياء أخرى، طمأن جيتس أعضاء الأكاديمية وأكد بأن الحرف “fl” لن يحذف من برامج الحاسب، كان ذلك الوعد يكفل لأربعمائة مليون متحدث بالإسبانية أن يتنفسوا الصعداء بما أن حذف حرف أساسي مثل هذا سيؤدي إلى مشاكل كبرى. على كل حال، بعد تنازله الودي للغة الإسبانية، أعلن جيتس قبل أن يغادر مقر الأكاديمية في مؤتمر صحفي أنه يتوقع تحقيق حلمه الأكبر قبل أن يموت، وهو وضع حد للورق، ومن ثم للكتب.

يرى جيتس بأن الكتب هي أشياءٌ عفا عليها الزمن. وقال بأن شاشات الكمبيوتر قادرة على القيام بمهمات الورق الذي يستطيع عملها. أصر أيضًا أنه بالإضافة إلى كونها أقل مشقة، فشاشات الكمبيوتر تأخذ مساحة أقل، وهي أسهل للتنقل، وأيضًا بأن نقل الأخبار والآداب إلى هذه الشاشات سيكون له فائدة بيئية لإيقاف تدمير الغابات، وأن صناعة الورق هي أحد أسباب التدمير. أكد أيضًا بأن الناس سيستمرون بالقراءة، لكن على شاشات الكمبيوتر، وبالتالي سيكون هناك المزيد من الكلوروفيل في البيئة.

لم أكن حاضرًا خلال خطاب جيتس، وعلمت بكل هذه التفاصيل عن طريق الصحافة. ولو كنت هناك، لأعلنت استهجاني لجيتس كونه قد أعلن بوقاحة نيته إرسالي أنا وزملائي الكتّاب إلى خط البطالة. ولكنت تنازعت معه بقوة بخصوص تحليله. هل تستطيع الشاشة حقًا استبدال الكتاب من جميع الجوانب؟ أنا لست متأكدًا. أنا واعٍ تمامًا للتطور الهائل الذي سببته التكنولوجيا الجديدة في مجال الاتصالات وتبادل المعلومات، وأعترف بأن الانترنت يؤدي لي مساعدة لا تقدر بثمن كل يوم في عملي؛ لكن امتناني لهذه الراحة لايتضمن اعتقادًا بأنه يمكن للشاشات الإلكترونية أن تستبدل الورق، أو أن القراءة بالكمبيوتر يمكن أن تفي للقراءة الأدبية. هذه فجوة لاأستطيع تخطيها. لاأستطيع قبول فكرة أن تحقق القراءة غير الوظيفية، التي لانبحث بها عن معلومة أو تواصل سريع، توفر نفس تلك الأحلام ومتعة قراءة الكلمات مع نفس الإحساس بالحميمية، ومع نفس التركيز العقلي والعزلة الروحية التي يمنحها الكتاب.

ربما يصدر تحيزي هذا لكوني لم أمارس القراءة الالكترونية، وكوني تعاملت بعلاقة أدبية طويلة مع الكتب والورق. لكني على الرغم من أني أستمتع بتصفح أخبار العالم من خلال الانترنت، لايمكن أن أذهب للشاشة لكي أقرأ شعرًا لجونجورا، رواية لأونيتي أو مقال لباز، لأنني موقن بأن أثر تلك القراءة لن يكون مثل القراءة بالورق. أنا مقتنع، بالرغم من أني لاأستطيع إثبات ذلك، بأن مع اختفاء الورق سيعاني الأدب من ضربة مهولة، وربما مميتة. كلمة “أدب” لن تختفي بالطبع، لكنها ستدل على نصوص هي بعيدة عما نسميه أدبًا هذه الأيام، كبعد الأوبرا الصابونية عن مسرحيات سوفوكليس وشكسبير.

لايزال هناك سببٌ آخر لمنح الأدب منزلته الهامة في حياة الأمم. بدون الأدب، سيعاني العقل النقدي، وهو المحرك الحقيقي للتغيير التاريخي والحامي الأقوى للحرية، من خسارة لاتعوض. هذا بسبب أن الأدب الجيد كله متطرف، ويطرح أسئلة حادة عن العالم الذي نعيشه. في كل النصوص الأدبية العظيمة، وغالبًا دون قصدٍ من الكتّاب، توجد نزعة تحريضية.

الأدب لايقول شيئًا لمن هم راضون بما لديهم، لمن يرون الحياة بما يعيشونها الآن. الأدب هو قوت الروح المتمردة، هو إعلان عدم الانقياد، هو ملجأ لمن لديهم القليل جدًا أو الكثير جدًا في الحياة. الشخص منا يبحث عن ملاذه في الأدب حتى لا يكون هادئًا ومطمئنًا. أن تركب جنبًا إلى جنب مع ذلك السائس الهزيل وذلك الفارس المرتبك في حقول لامانشا، أن تبحر على ظهر حوت مع الكابتن آيهاب، أن تشرب الزرنيخ مع إيما بوفاري، أن تتحول إلى حشرة مع غريغور سامسا، هذه كلها طرقٌ اخترعناها لنجرد أنفسنا من أخطاء وإملاءات هذه الحياة الظالمة، هذه الحياة التي تجبرنا دائمًا أن نكون الشخص نفسه بينما نتمنى أن نكون مختلفين لكي نرضي رغباتنا التي تتملكنا.

يهدئ الأدب هذا الاستياء الحيوي للحظات، لكن في هذه اللحظات الخارقة، في هذا التعليق المؤقت للحياة، هذا التوهيم الأدبي ينقلنا لخارج التاريخ، ونصبح مواطنين لأرض لا تنتمي للزمان، وبالتالي هي أرض خالدة. فنصبح أكثر حساسية، وثراء، وأكثر تعقيدًا وسعادة، وأكثر وضوحًا مما نحن عليه في حياتنا الرتيبة. عندما نغلق الكتاب ونتخلى عن الخيال الأدبي، نعود إلى وجودنا الفعلي ونقارنه بالأرض المذهلة التي غادرناها توًا. وياللخيبة التي تنتظرنا! لكن هناك إدراكًا هائلًا ينتظرنا، وهي أن الحياة المتخيَّلة من الرواية أجمل وأكثر تنوعًا، أكثر فهمًا وأقرب للكمال من الحياة التي نعيشها ونحن واعون، تلك الحياة التي تحدها الظروف وضجر الواقع. بهذه الطريقة، نرى الأدب الجيد الحقيقي دائمًا كهدام، كمتمرد، كمقاوم، هو تحدٍ لما هو موجود.

كيف لايمكن أن نشعر بالخداع بعد قراءة “الحرب والسلام” أو “البحث عن الزمن المفقود” ونعود إلى عالمنا ذو التفاصيل التافهة، عالم مليء بالحدود وبالموانع التي تقف بانتظارنا في كل مكان وفي كل خطوة لتفسد خيالنا؟ فوق مهمته لاستمرارية الثقافة ولإثراء اللغة، أكبر مساهمة للأدب في التقدم البشري (دون قصد، وفي معظم الحالات) هي تذكيرنا بأن العالم جُعل سيئًا، وأن من يدعي العكس من الأقوياء والمحظوظين يكذب، وأن الكلمة يمكن أن تُطوَّر وتكون أقرب للعوالم التي يستطيع خيالنا ولغتنا تشييدها. المجتمع الحر والديمقراطي يجب أن يحتوي مواطنين واعين بالحاجة المستمرة للكلمات التي نعيشها ونحاول – بالرغم من أن المحاولة تكاد تكون مستحيلة – أن نجعلها تشبه العالم الذي نود أن نعيشه. وليس هناك من وسيلة أفضل من قراءة الأدب الجيد لإثارة عدم الرضا عما يوجد، وتكوين مواطنين ناقدين ومستقلين عمن يحكمهم، ويمتلكون روحية دائمة وخيالًا نابضًا.

مع ذلك، أن يُسمى الأدب بالتحريض لأنه يحسس وعي المواطن لعيوب العالم لا يعني بالضرورة – كما يبدو أن الحكومات والكنائس تفكر، ولذلك أنشأت الرقابة – أن النصوص الأدبية ستثير اضطرابات اجتماعية أو تسرع نشوء ثورات. لايمكن التنبؤ بالتأثير الاجتماعي والسياسي لقصيدة أو رواية أو مسرحية، لأنها لم تصنع بشكل جماعي من عدة خبراء. تصنع هذه الأعمال من قِبل أفراد وتُقرأ من قِبل أفراد ممن تختلف استنتاجاتهم بشكل كبير عندما يكتبون أو يقرأون. لذلك من الصعب، بل من المستحيل، أن تنتج أنماطًا وردود أفعال دقيقة. فضلًا عن ذلك، قد تكون القيمة الجمالية لعمل أدبي ما سببًا في حدوث القليل من العواقب الاجتماعية. هناك رواية متواضعة4 لهارييت ستاو يبدو أنها لعبت دورًا حاسمًا في تنبيه الوعي السياسي والاجتماعي لفظاعات العبودية في الولايات المتحدة. إذًا، واقع ندرة تأثيرات الأدب لايعني أنها ليست موجودة. مايجب أن نعرفه هو أنها آثار صنعت من قِبل مواطنين تغيرت شخصياتهم جزئيًا بسبب الكتب.

فلنعد صياغة التاريخ بلعبة رائعة. ولنتخيل عالمًا بدون أدب، إنسانية لم تقرأ الشعر ولا الروايات. في هذا النوع من الحضارات الضامرة، بقواميسها الهزيلة التي تحفل بالآهات وإيماءات القرود على حساب الكلمات، من المؤكد أن بعض الصفات لن توجد. وتشمل تلك: حالم دونكيخوتي، مأساوي كافكاوي، سوداوي أورويلي، ساخر رابيلي، سادي، ماسوشي، وكلها ذات أصول أدبية. وللتأكد من ذلك، سيبقى لدينا مجانين، وضحايا جنون عظمة واضطهاد، وأشخاص بشهوة عادية وتجاوزات فاحشة، وأناس منحطين لدرجة الحيوانات يستمتعون بتلقي الألم وتسليطه. لكننا لن نستطيع أن نرى ماهو خلف هذه السلوكيات المتطرفة المحظورة من قبل قواعد المجتمعات، تلك الخصائص الأساسية في الإنسان، لم نكن لنرى السمات الخاصة بنا؛ لذلك نحن مدينون لمواهب ثيرفانتس، كافكا، أورويل، رايبليه، دو ساد، و ماسوش لأنهم استطاعوا كشفها لنا.

عندما ظهرت رواية “دون كيخوته دي لامانشا”، سخر قراءها الأوائل من هذا الحالم المتطرف كما سخرت منه بقية الشخصيات في تلك الرواية. اليوم، نحن نعرف أن إصرار ذلك الفارس ذو الوجه الحزين على رؤية عمالقة بينما كان هناك طواحين هواء، وعلى التصرف بطريقة تبدو سخيفة، هو الشكل الأعلى للكرم، وهو تعبير عن مظاهرة تجاه بؤس هذا العالم على أمل تغييره. مفاهيمنا عن المثالية والمثاليين تفوح بمعانٍ إيجابية ثانوية، لن تكون ماهي عليه، ولن تُحترم وتكون واضحة، لو لم تجسد في بطل الرواية بتلك القوة المقنعة لثيرفانتس العبقري5. يمكن أن يقال نفس الشيء عن الأثنى الصغيرة الأقرب لدونكيخوته، إيما بوفاري، والتي قاتلت بحماس لتعيش الحياة الرائعة من الفخامة والشغف، والتي عرفتها وقرأت عنها من الروايات، كفراشة اقتربت كثيرًا من ضوء اللهب واحترقت بالنار.

تلك الإبداعات لكل أولئك الأدباء المبتكرين العظماء فتحت أعيننا على آفاقٍ مجهولة لحالاتنا البشرية، جعلتنا نستطيع اكتشاف وتفهم الهوة البشرية المشتركة. عندما نقول “بورخيسي”، فإن تلك الكلمة تستحضر فصل عقولنا عن منطق الواقع وتدخلنا إلى عالمٍ مذهل، إلى عقلية دقيقة وأنيقة، غامضة وأشبه بالمتاهة بكل تلك المراجع والإشارات الأدبية، والتي لانشعر بالغرابة تجاه شخصياتها لأننا نتعرف فيها على رغباتنا الخفية وحقائقنا الحميمة الخاصة بشخصياتنا، والذي أخذت شكلها بفضل الإبداع الأدبي للويس خوسيه بورخيس. عندما نذكر “كافكاوي” يتبادر إلى الذهن كميكانيكية التركيز في الكاميرات القديمة، كل مرة شعرنا بها بأننا مهددون، كل مرة شعرنا بأنا أفراد لانستطيع الدفاع عن أنفسنا، بكل أجهزة السلطة القمعية التي سببت الخراب للعالم الحديث، الأنظمة السلطوية، الأحزاب العمودية، الكنائس المتعصبة، البيروقراطية الخانقة. من دون تلك القصص القصيرة والروايات لذلك اليهودي المعذَّب من براغ، الذي كتب بالألمانية وعاش دائمًا على اطلاع، لم نكن لنستطيع فهم الشعور بالعجز لدى الفرد المعزول، أو رعب الأقليات المضطهدة والتي تعاني التمييز، تلك المتواجهة مع القوة الطاغية التي يمكنها سحقهم والقضاء عليهم من دون أن يظهر الجلادون أوجههم حتى.

صفة الأورويلي، وهي الصفة الأقرب للكافكاوي، تعطي تنبيها لتلك السخافة الرهيبة، تلك السخافة التي صُنعت من قِبل الأنظمة الشمولية في القرن العشرين، الديكتوريات الأكثر توحشًا وتعقيدًا في التاريخ، في تحكمهم بأفعال وأحاسيس المجتمع. في رواية 1984، وصف جورج أورويل في جو بارد موحش تلك الإنسانية المحكومة للأخ الأكبر، الحاكم المُطلق، والذي بواسطة مزيج مخيف من الرعب والتكنولوجيا، محق الحريات والمساواة والعفوية، وحول المجتمع إلى خلية نحل من البشر. في هذا العالم الكابوسي، طوِّعت اللغة لصالح السلطة، وحُولت إلى “خطاب جديد”، خالٍ من أي ابتكار وموضوعية، ممسوخ إلى سلسلة من التفاهات التي تضمن عبودية الفرد للنظام. صحيح أن نبوءة 1984 لم تمر حتى الآن، والشيوعية الشمولية في الاتحاد السوفيتي ذهبت مع الفاشية الشمولية في ألمانيا وأماكن أخرى، وبعد ذلك بوقتٍ قصير بدأت تتداعى في الصين، وفي كوبا وكوريا الشمالية اللتين تنتميان للماضي. لكن الخطر لم يُمْح بعد، وكلمة “أورويلي” ستبقى لتصف الخطر، ولتساعدنا على فهمه. عالم من دون أدب سيبقى أعمى عن هذه الأعماق الخطرة، والتي نحتاج أن نراها في أسرع وقت.

عالم غير حضاري، بربري، يخلو من العاطفة وذو خطاب جلف، جاهل ومأساوي، من دون شغف وجلف في الحب، هذا العالم من دون أدب، هذا الكابوس الذي أحذر منه وأرسم معالمه، سيكون سمته الأساسية الانسياق وتسليم عالمي لبني البشر إلى السلطة. بهذا المنطق، سيكون عالمًا حيوانيًا. الغرائز الأساسية لدى الإنسان ستحدد مشواره اليومي باتجاه سد الجوع والشقاء لكي يبقى، ستحدده بالخوف من المجهول وإشباع الحاجات المادية. لن يكون هناك مكان للروح في هذا العالم. وفوق ذلك، رتابة العيش المسحوق ستولد الإحباط وستلقي بظلال شريرة للتشاؤم، الشعور بأن الحياة البشرية ماكان لها أن توجد، وأنها ستكون هكذا دائمًا، وأن لاأحد يمكنه تغييرها.

عندما يتخيل الواحد منا هذا العالم، تقفز إلى ذهنه تلك المجتمعات الصغيرة التي يختلط فيها الدين بالشعوذة، والتي تعيش على هامش التطور في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وأوقيانوسيا. ولكن فشلًا مختلفًا يخطر في بالي. الكابوس الذي أحذركم منه لن يكون نتيجة قلة التطور، بل سيكون نتيجة التحديث والتطوير المفرط. نتيجة للتكنولوجيا وتبعيتنا لها، قد نتصور مجتمعًا في المستقبل وهو ممتلئ بالشاشات والسماعات، ومن دون كتب، أو في مجتمع يعتبر الكتب – وأقصد هنا الأعمال الأدبية – ماكانوا يعتبرون الخيمياء: ذلك الفضول القديم، والشيء الذي يُمارس في سراديب ومقابر حضارة الإعلام من قِبل أقلية عُصابية ومضطربة. وأخشى أن هذا العالم المعرفي، على الرغم من ازدهاره وقوته، وهذا المعيار العالي من المعيشة والإنجاز العلمي، من شأنه أن يكون غير متحضر بعمق وسيكون خالي الروح. ستكون إنسانية آلية تركت تلك الإنسانية التي تخلت عن الأدب.

ليس من المرجح، بالطبع، أن هذه اليوتوبيا المروعة سوف تأتي. نهاية قصتنا ونهاية التاريخ لم تكتب بعد، ماسيأتي لاحقًا مرهون برؤيتنا وبإرادتنا. ولكن إن أردنا أن نتجنب فقر خيالنا، ونتجنب اختفاء ذلك الاستياء الثمين الذي يهذب حساسيتنا ويعلمنا التحدث ببلاغة ودقة، فيجب أن نتصرف. وبعبارة أدق، يجب أن نقرأ.

هوامش

1- هو اسم لأحياء اليهود القديمة في أوروبا، والتي كانت توصف بالعشوائية والضيق.

2- هي مسلسلات كانت تعرض على التلفاز، سميت بالصابونية لكثرة إعلانات الصابون التي كانت تتخللها.

3- هو صحافي وإعلامي فرنسي، متخصص في تقديم البرامج الثقافية في فرنسا. ويشغل حاليًا رئاسة أكاديمية الغونكور، صاحبة أرفع جائزة أدبية فرنسية.

4- رواية “كوخ العم توم”، ترجمت للعربية عن طريق منير البعلبكي.

5- يشير يوسا هنا إلى تغير قراءة الناس للأدب عبر الزمن، فتأمل!

ترجمة: راضي النماصي/ مراجعة: فيصل الحبيني

اعتقد يا صديقي ان الروايات مليئه بالعلم و المعرفه و لكنها تأتي عن طريق القصه و الحوار و من لا يعرف هذا الشيء فعليه ان يبحث في فن الروايه

أعتقد أن الروايات الأدبية لها دور في العامل النفسي .. بقربها من الخيال، فبمجرد قراءتها تساعد على التهرب من الواقع بمشاكله ..

بعكس الكتب العلمية التي تساعدنا على حل تلك المشاكل xD

ولكننا نحتاج كليهما في العادة ..

مازلت أتذكر نصيحة صديق لي عندما قلت له بأني ذاهب لشراء بعض الكتب .. قال:

احرص على أن يكون نصف كتبك تابعاً لمجال دراستك ، والنصف الآخر ترفيهاً عندما تملّ من دراستك.


كتب وروايات

مجتمع لعشاق الكتب والروايات لمناقشة وتبادل الآراء حول الأعمال الأدبية. ناقش واستكشف الكتب الجديدة، مراجعات الروايات، ومشاركة توصيات القراءة. شارك أفكارك، نصائحك، وأسئلتك، وتواصل مع قراء آخرين.

79.6 ألف متابع