بسم الله الرحمن الرحيم

مقتطفات من كتاب (أعمال تشوانغتسي الكاملة)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

كتاب (أعمال تشوانغتسي الكاملة)، نقلها إلى الإنكليزيَّة: برتون واتسون، نقله إلى العربية: وفيق فائق كريشات، الطبعة الأولى: 2022م، الناشر: دار الفرقد.

1-       (قال جو قويه لجانغ ووتسي: "سمعت كونفوشيوس يقول إنَّ الحكيم لا يعمل بشيءٍ، ولا يطلب الربح، ولا يتفادى الأذى، ولا يستمتع بأن يُسعى وراءه، ولا يتبع الطَّريق، ولا يقول شيئاً ومع ذلك فإنه يقول شيئاً، ويقول شيئاً ومع ذلك فإنَّه لا يقول شيئاً، ويطوف ما وراء الغبار والسخام. كان كونفوشيوس نفسه يعتبر هذه الكلمات كلمات طائشة وثرثارة، لكنني أعتقد أنَّها تصف عمل الطَّريق الغامض. ما رأيك فيها؟"

قال جانغ ووتسي: "حتى الإمبراطور الأصفر كان سيرتبك لو سمع كلمات كهذه، فكيف لك أن تتوقَّع لكونفوشيوس أن يفهمها؟... "). الصفحة (50).

2-       (حلم تشوانغ تشو يوماً أنَّه فراشةٌ، تطير مسرعةً ترفرف، سعيدةٌ بنفسها تفعل ما تحب. لم تكن تعرف أنَّها تشوانغ تشو. واستيقظ بغتة فإذا هو تشوانغ تشو متيناً وواضحاً. لكنَّه لم يعرف هل هو تشوانغ تشو الذي حلم أنَّه فراشةٌ أم هو فراشةٌ تحلم أنَّها تشوانغ تشو. إنَّ بين تشوانغ تشو والفراشة فرقاً ما لا محالة! يدعى هذا استحالة الأشياء). الصفحة (53).

3-       (ذهب يان هوي لرؤية كونفوشيوس وسأله الإذن بالقيام برحلة.

"أين تذهب؟"

"أنا ذاهب إلى وي."

"ماذا تفعل هناك؟"

"سمعت بأنَّ حاكم وي صغير السِّنِّ جدّاً. إنه يقوم بأفعاله على نحو متفلّتٍ، ولا يكاد يبالي كيف يحكم دولته كما أنَّه يغمض عيوبه. ليس بشيء عنده أن يقود شعبه إلى الخطر، وموتاه يُحسبون بما يملأ المستنقعات مثل العشب الكثير جدّاً. ليس لشعبه مكانٌ يلجؤون إليه. ولقد سمعتك، يا معلِّمي، تقول: ’دعْ الدولة المنظمة تنظيماً حسناً واذهب إلى التي فيها فوضى! فعلى باب الطبيب الكثير من المرضى.‘ أريد أن استعمل هذه الكلمات معياراً لي، راجياً أن أستطيع أن أردَّ لدولته عافيتها."

قال كونفوشيوس: "آهـ، من الراجح أنَّك ستذهب وتُعدَم، هذا كل ما في الأمر. ليس يريد الطَّريق للأشياء أن تمازجه. إذا أصبح مزيجاً، أصبح طرقاً كثيرة؛ عندما تكون طرقٌ كثيرةٌ، يكون الكثير من النَّشاط الصَّاخب؛ وحيث يكون الكثير من النَّشاط الصَّاخب، تكون المشكلة- مشكلةٌ ليس لها علاج! لقد كان الإنسان الكامل في الزمان الغابر يتأكَّد من أنَّه قد حازه في نفسه قبل أن يحاول أن يعطيه للآخرين. كيف لك، وأنت حتى غير متأكد من أنَّك قد حزته في نفسك، أن تشغل بالك بما يفعله بعض الطغاة؟

" هل تعرف ما الذي يدمِّر الفضيلة ومن أين تأتي الحكمة؟ الفضيلة تدمِّرها السُّمعة، والحكمة تأتي من المخاصمة. السُّمعة شيء تغلب به الناس، والحكمة أداة للمخاصمة. وكلاهما سلاحٌ شرِّيرٌ – ليسا من صنف الأشياء التي تجلب لك النَّجاح. فلو أنَّ فضيلتك كانت عظيمة وحسنُ نيَّتك لا مطعن فيه، وأنت لا تفهم عقول الناس بل مَثَلت بدلاً من ذلك أمام أحد الطغاة وأجبرته على الإصغاء إلى عظاتك في البِرّ والاستقامة، والإجراءات والمعايير – لكان هذا هو استعمال نقاط ضعف الآخرين لاستعراض تفوقك ولا شيء غير ذلك. ولسوف تُدعى جالب الطّاعون للآخرين. والذي يجلب الطّاعون للآخرين سوف يُطعَن هو. فمن الرَّاجح أنَّك سوف تُطعَن من هذا الرجل.

"ولنفترض أنَّه من الصُّنف الذي يفرح فعليّاً بالفضلاء ويكره غير الفضلاء – فما حاجته إليك عندئذ كي تحاول أن تؤثِّر فيه تأثيراً بالغاً؟ من الخير لك أن تحتفظ بنصيحتك لنفسك! إنَّ الملوك والدوقات يطغون دائماً على غيرهم ويقاتلون للفوز في الجدال، ولسوف تجد عينيك تنبهران شيئاً فشيئاً، ولونك يتغيَّر، وفمك يسعى لاختلاق الأعذار، وموقفك يغدو ذليلاً شيئاً فشيئاً، إلى أن ينتهي بك الأمر إلى تأييده في عقلك. وهذا هو تكديس النار فوق النار، وإضافة الماء إلى الماء، ويدعى "زيادة المفْرِط". فإذا استسلمت منذ البداية، لم يكن موضعٌ تقف عنده. ولما كان من القطعيِّ تقريباً أنَّ نصيحتك لن تُصدق، فمن المؤكد أنَّك ستموت لو حضرت في محضر أحد الطغاة). الصفحة (57-58).

{ قال تعالى: (( اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)  )). (سورة طه).

وقال تعالى: (( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) )). (سورة النحل) آية (125).

( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم ) }.

4-       "ألا تعرف كيف يتعامل مروّض النَّمِر مع نَمِرِه؟ ليس يجرؤ أن يعطي النمر شيئاً حيّاً ليأكله خشية أن يتعلَّم طعم الغضب بقتله. ولا يجرؤ أن يعطيه شيئاً بتمامه ليأكله خشية أن يتعلَّم طعم الغضب بتمزيقه إرباً. إنَّه يقدّر حال شهيَّة النَّمِر ويفهم طبيعته الضارية فهماً تامّاً. إنَّ النَّمِر نوعٌ مختلف بالنسبة إلى الإنسان، ومع ذلك فبمداراته يمكنك تدريبه على ملاطفةِ مدرِّبه. الذين يُقتلون هم الذين يقاومونه). الصفحة (65).

5-       (ذهب شي النجَّار إلى تشي ولما بلغ قصبة الرمح المعوجّة رأى بلوطةً مشرشرة منتصبة عند مزار القرية. كان ظلُّها يتسع لآلاف عدَّة من الثِّيران وكان محيطها مئة شبر، وكانت تتعالى فوق التلال. كان ارتفاع أدنى أغصانها عن الأرض ثمانين قدماً، وكان من ذلك عشرة أو نحوها تصلح لأن يُعمل منها قوارب، وكان هناك الكثير ممن جاؤوا للفرجة حتّى بدا المكان وكأنَّه مهرجان، بيد أنَّ النّجَّار لم ينظر إليها ولو نظرة خاطفة ومضى في سبيله من دون توقُّف. وقف المتدرِّب لديه يحدّق مليّاً ثم جرى في إثر شي النّجَّار وقال: "معلِّمي، منذ تناولت فأسي لأوَّل مرَّةٍ وتبعتك، لم أرى قطُّ خشباً بجمال هذا. بيد أنَّك لم تكلّف نفسك فتلقي نظرةً، وثابرت على المسير من دون توقُّفٍ. فلمَ هذا؟"

قال النّجَّار: "انسَ الأمر – لا تقل أكثر من هذا! إنَّها شجرة لا قيمة لها! اصنع منها قوارب، تغرق؛ اصنع توابيت، تبلَ سريعاً؛ اصنع أوعية، تنكسر من فورها. استعملها للأبواب، تنتج نسغها كالصُّنوبر؛ استعملها للدعامات، تأكلها الديدان. إنَّها ليست شجرةً للخشب – ما من شيء تُستعمل له. لأجل هذا بلغت هذا العمر!" ). الصفحة (65-66).

6-       (كان في لو رجلٌ يدعى وانغ تاي قُطعت له قدمٌ. وكان له أتباعٌ كثيرون اجتمعوا حوله مثل كونفوشيوس...

قال كونفوشيوس: "الحياة والموت أمران عظيمان، ومع ذلك فلا تغاير فيهما عنده. لو أنَّ السَّماء سقطت والأرض ارتفعت، لم يكن في ذلك ما يربكه. إنَّه يرى بوضوح داخل ما ليس فيه باطلٌ ولا يتغيَّر مع الأشياء. إنَّه يعتبر أنَّ من القدر أن تتغيّر الأشياء، ويتمسّك بالمصدر بشدَّةٍ."

سأل شانغ جي: "ماذا عنيت بهذا؟"

قال كونفوشيوس: "إذا نظرتَ إليها من وجهة نظر اختلافها، كان كبدٌ ومرارةٌ، تشو ويويه. بيد أنَّك لو نظرت إليها من وجهة نظر تشابهها، كانت الأشياء العشرة آلاف كلُّها شيئاً واحداً. إنَّ رجلاً كهذا لا يعرف ما على أذنيه أو عينيه أن تُقرَّاه – إنَّه يترك عقله يلهو منسجماً مع الفضيلة. أمَّا الأشياء، فيراها واحداً ولا يرى فقْدها. إنَّه يعتبر فقْد قَدمٍ مثل كتلةٍ من التراب رُمي بها" ). الصفحة (69-70).

7-       (قال كونفوشيوس: "الحياة، الموت، الحفظ، الفقد، الإخفاق، النَّجاح، الفقر، الغنى، الفاضليَّة، عدم الفاضليَّة، الافتراء، السُّمعة، الجوع، العطش، البرودة، الحرارة – هذه هي متعاقبات العالم، فعاليات القدر. نهاراً وليلاً يتبادلون مواضعهم أمامنا، وليس بإمكان الحكمة أن تصل ببحثها إلى مصدرهم. من أجل هذا ينبغي ألا تكون لهم من القوَّة ما يكفي لتدمير تناسقك؛ ينبغي ألا يُسمح لهم بدخول مستودع الرُّوح. إنْ استطعت أن تتناسق وتفرح بهم، فلتسيطر عليهم ولا تتردَّد أبداً في الابتهاج؛ إن استطعت أن تفعل هذا ليلاً ونهاراً وبلا توقُّفٍ وأن تصنع من كلِّ شيء ربيعاً، ممتزجاً بالجميع ومحدثاً اللحظة في باطن عقلك – هذا ما أدعوه أن تكون كلّاً تامّاً في القوة." ). الصفحة (74).

8-       (قال هويتسي لتشوانغتسي: "هل يمكن للإنسان أن يكون حقّاً بلا مشاعر؟"

تشوانغتسي: "نعم".

هويتسي: "لكنَّ الإنسان الذي ليس له مشاعر – كيف تدعوه إنساناً؟"

تشوانغتسي: "الطَّريق قد وهبه وجهاً؛ والسَّماء صورةً – فلمَ لا تدعوه إنساناً؟"

هويتسي: "لكن إذا كنت قد دعوته إنساناً، فكيف يكون بلا مشاعر؟"

تشوانغتسي: "ليس هذا ما عنيته بالمشاعر. إذا تحدَّثت عن عدم امتلاك الإنسان للمشاعر، كان ما عنيته هو أنَّ الإنسان لا يسمح لما يحب وما يكره بالدخول وإلحاق الأذى به. إنَّه إنَّما يترك الأشياء على النحو الذي هي عليه ولا يحاول تعزيز الحياة." ). الصفحة (76).

9-       (قال شو يو: "أهـ - لا يمكننا أبداً أن نعرف. سأكلِّمك بالمختصر العامِّ فحسب. معلِّمي هذا، معلِّمي هذا – إنَّه ليصدر حكمه على الأشياء العشرة آلاف، بيد أنَّه لا يرى نفسه مستقيماً؛ سخاؤه ممدود على عشرة آلاف جيل، بيد أنَّه لا يرى نفسه كريماً. إنَّه أقدم من زمان الأقدمين الأبعد، بيد أنَّه لا يرى نفسه قد عاش طويلاً؛ يحجب السَّماء، يحمل الأرض، ينحت ويصوغ صوراً لا تحصى، بيد أنَّه لا يرى نفسه ماهراً. معه وحده أجول."

قال يان هوي: "أنا في تحسّن!"

قال كونفوشيوس: "ما معنى قولك هذا؟"

"لقد نسيت البِرّ والاستقامة!"

"هذا حسن. لكنك لم تنله بعد."

وبعد يوم التقى الاثنان مرَّةً أخرى، فقال يان هوي: "أنا في تحسُّن!"

"ما معنى قولك هذا؟"

"لقد نسيت الشعائر والموسيقى!"

"هذا حسن. لكنك لم تنله بعد."

وبعد يوم التقى الاثنان مرَّةً أخرى، فقال يان هوي: "أنا في تحسُّن!"

"ما معنى قولك هذا؟"

"أستطيع أن أجلس وأنسى كلَّ شيء!"

وبدا على كونفوشيوس الإجفال الشديد فقال: "ما معنى قولك إنَّك تجلس وتنسى كلَّ شيء؟"

قال يان هوي: "أحطِّم أطرافي وبدني، وأطرد الإدراك والعقل، وأخلع الصُّرة، وأتخلَّص من الفهم، وأجعل من نفسي مطابقاً للطريق العامِّ الأعظم. هذا معنى قولي إنِّي أجلس وأنسى كلَّ شيءٍ."

قال كونفوشيوس: "إن أصبحت مطابقاً له، فأنت بعد هذا لا محالة بلا نظير! إن كنت قد استحلت، فأنت بعد هذا لا محالة بلا ثبات! وفوق هذا، أنت رجلٌ فاضلٌ حقاً! بإذن منك، أحبُّ أن أكون تابعاً لك." ). الصفحة (88-89).

10- ( نهبُ الصَّناديق

إذا أراد المرء المحاذرة والاحتراز من اللُّصوص الذين ينهبون صناديق الثياب ويسلبون الحقائب ويكسرون أقفال العلب، كان لا بد له من العصب بالأسلاك والحبال وإحكام الإغلاق بالأقفال والمشابك. يدعو العالم العاديُّ هذا بالحكمة. ولكن لو أنَّ لصّاً شاطراً أقبل، لتنكب العلب وحمل صناديق الثياب وربط الحقائب على ظهره، واندفع ذاهباً، لا يخشى شيئاً سوى أن تكون الأسلاك والحبال، والأقفال والمشابك، غير مثبتة بإحكام بالقدر الكافي. في هذه الحالة، الرجل الذي دعي سابقاً بالحكيم إنَّما كان في الحقيقة يكدِّس البضائع لمنفعة لصٍ شاطر). الصفحة (104).

11- (يرحِّب البشر جميعاً الذين من الصنف المبتذل بالذين هم أمثالهم ويزدرون الذين يختلفون عنهم. والَّبب في أنَّهم يحابون أمثالهم ولا يحابون المختلفين هو أنَّ عقولهم قد حُثت لتمييز أنفسهم من العامَّة. ولكن إذا كانت عقولهم قد حُثت لتمييز أنفسهم من العامَّة، فكيف لهذا أن يميِّزهم من العامَّة؟ إنَّه لمن الأفضل اتباع العامَّة والرضا، لأنَّه مهما يكن مقدار ما تعرفه كبيراً، فلن يضاهي أبداً المواهب الكثيرة للعامّة مجتمعةً). الصفحة (117-118).

{ قال تعالى: (( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) )). (سورة هود) آية (40).

وقال تعالى: (( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) )). (سورة الأنعام) آية (116).

(قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تطع هؤلاء العادلين بالله الأنداد، يا محمد، فيما دعوك إليه من أكل ما ذبحوا لآلهتهم, وأهلُّوا به لغير ربهم، وأشكالَهم من أهل الزيغ والضلال, فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن دين الله، ومحجة الحق والصواب، فيصدُّوك عن ذلك .

وإنما قال الله لنبيه: (وإن تطع أكثر من في الأرض)، من بني آدم, لأنهم كانوا حينئذ كفارًا ضلالا فقال له جل ثناؤه: لا تطعهم فيما دعوك إليه, فإنك إن تطعهم ضللت ضلالهم، وكنتَ مثلهم، لأنهم لا يدعونك إلى الهدى وقد أخطئوه . ثم أخبر جل ثناؤه عن حال الذين نَهَى نبيه عن طاعتهم فيما دعوه إليه في أنفسهم, فقال:)إن يتبعون إلا الظن)، فأخبر جل ثناؤه أنهم من أمرهم على ظن عند أنفسهم, وحسبان على صحة عزمٍ عليه، (25) وإن كان خطأ في الحقيقة )=وإن هم إلا يخرصون(، يقول: ما هم إلا متخرِّصون، يظنون ويوقعون حَزْرًا، لا يقينَ علمٍ. (26) ) }. (موقع جامعة الملك سعود – المصحف الإلكتروني).

12- (كان ياو يتفرَّج على المناظر في هوا فقال له حارس الحدود عند هوا: "أها- حكيم! إنَّني ألتمس تقديم الصَّلوات للحكيم. فهي ستجلب للحكيم طول العمر!"

قال ياو: "كلا، شكراً لك."

"ستجلب للحكيم النفائس!"

قال ياو: "كلا، شكراً لك."

"ستجلب للحكيم أبناء كثيرين!"

قال ياو: "كلا، شكراً لك."

"طول العمر والنفائس والأبناء الكثيرون – هذا ما يرغب فيه البشر أجمعون!"

قالها حارس الحدود، "فكيف صار أنَّك وحدك لا ترغب فيها؟"

قال ياو: "كثرة الأبناء عاقِبَتُها المخاوفُ الكثيرة. وعاقبة النفائس هي المتاعب الكثيرة. وعاقبة طول العمر هي المعايب الكثيرة. وهذه الثلاث غير ذات نفعٍ في تغذية الفضيلة – ومن أجل هذا فإنني أردّها." ). الصفحة (123-124).

{ قال تعالى: (( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46))). (سورة الكهف) آية (46).

13- (سافر تسيغونغ جنوباً إلى تشو، وعند عودته مجتازاً جين ولما كان يسير على الضِّفة الجنوبية لهان، رأى شيخاً يُعدّ حقله للغرس. كان قد حفر في الأرض تجويفاً اتخذه فتحة يدخل بها إلى البئر ومنها يخرج، مستعملاً إبريقاً كان يحمله لسقاية الحقل. لقد كان يستعمل، وهو ينخر ويلهث، مقداراً عظيماً من الطاقة وينتج القليل القليل من النتائج.

قال تسيغونغ: "ها هنا آلةٌ صفتها كذا، تروي في يومٍ واحدٍ مئات الحقول، لا تتطلَّب إلا القليل من الجهد وتأتي بنتائج ممتازة. ألا تحب أن تحصل على واحدة منها؟"

رفع البستاني رأسه ونظر إلى تسيغونغ: "كيف تعمل؟"

"هي بدعةٌ من البدع بتشكيل لقطعة من الخشب. طرفها المؤخّر ثقيلٌ وطرفها المقدّم خفيف ترفع الماء كما لو أنَّها تصبُّه صبّاً سريعاً حتّى يبدو أنَّه يغلي! تدعى الشادوف."

احمرَّ البستاني غضباً ثمَّ قال ضاحكاً: "سمعت أستاذي يقول إنَّه حيث تكون آلات، فمن المؤكد أن تكون هموم آليَّة؛ وحيث تكون هموم آلية، فمن المؤكد أن تكون قلوبٌ آليَّة. إذا حصل في صدرك قلبٌ آليٌّ، أفسدت ما كان طاهراً وبسيطاً، ومن دون الطَّاهر والبسيط لا تعرف حياة الرّوح سكوناً. وحيث لا تعرف حياة الرّوح سكوناً، يكفُّ الطَّريق عن تعويمك. الأمر هو أنَّني لست غير عارف بآلتك – بل إنَّه ليخجلني أن أستعملها!" ). الصفحة (127-128).

{ قال تعالى: (( وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7) )). (سورة النحل) آية (7). }.

14- (فقال رو صاحب البحر الشَّمالي: "لا تستطيع مناقشة ضفدع البئر في المحيط – فهي محدودة بالمكان الذي تسكنه. ولا تستطيع مناقشة حشرة الصَّيف في الجليد – فهي مقيَّدة بفصلٍ واحد. ولا تستطيع مناقشة عالم ضيق التفكير في الطَّريق – فهو مشكول بعقائده. الآن قد خرجت من وراء ضفتيك وحدّيك ورأيت البحر الكبير – فأنت تدرك ضآلتك. ابتداءً من الآن صار من الممكن الحديث معك في المبدأ الكبير). الصفحة (162).

15- (من أجل هذا فإنَّ الإنسان الكبير لا يؤذي غيره بأفعاله، ولكنَّه لا يتباهى بالبِرّ أو الصَّدقة. ولا ينتقل طلباً للرَّبح، ولكنَّه لا يزدري الحمّال عند البوابة. ولا يشاحن من أجل السلع أو الثروة، ولكنَّه لا يتباهى برفضها أو التخلِّي عنها. ولا يأخذ في حسبانه عند عمله أن يستعين بغيره، ولكنَّه لا يتباهى بأنَّه يعتمد على نفسه، ولا يزدري الجشعين والوضيعين. أعماله مختلفة عن أعمال الغوغاء، ولكنَّه لا يتباهى بالتفرد أو الشُّذوذ. يقنع بالبقاء ما وراء جمهرة الناس، ولكنَّه لا يزدري من يجرون قدماً ليتملَّقوا ويتزلَّفوا. ألقابُ العصر ورواتبُه كلُّها ليست بكافية لتحرضه على إجهاد نفسه؛ غراماته وتقريعاته كلُّها ليست بكافية لتجعله يشعر بالعار. إنَّه يعلم إنَّه ما من خطٍّ يُرسَم بين الصواب والخطأ، ما من حدٍّ يثبت بين الكبير والصغير. سمعت أنّه قيل: ’إنسان الطَّريق ليس يفوز بالسُّمعة، والفضيلة العليا ليست تفوز بكسب، والإنسان الكبير ليس له ذات.‘ إنَّه، وبأكمل درجة، يمضي قدماً بما قُسِم له." ). الصفحة (165).

16- ( "إذا كان رهانك في مباراة رمي السِّهام هو على آجرات، رميت بمهارة. وإذا كان رهانك على إبزيم خياليٍّ له علاقة، قلقت وأنت تسدِّد. وإذا كان رهانك على ذهب حقيقيٍّ، خانتك قوَّتك من التوتُّر العصبيّ. مهارتك في الأحوال الثَّلاث كلِّها هي هي – ولكن لمَّا كانت إحدى الجوائز لها عندك معنى أكثر من غيرها، فإنَّك تدع الاعتبارات الخارجية تثقل عقلكَ. إن يكن شديد القسوة في نظره إلى الخارج يكن أخرقاً في الداخل." ). الصفحة (184).

17- (قال تيان كايجي: "كان في لو شان باو – كان يسكن بين الجروف ويشرب الماء فقط ولم يسعَ للكسب كغيره من الناس. ومضى على ذلك لسبعين سنةً وظلَّت له بشرة طفل صغير ولسوء الحظِّ فقد لقي نَمِراً جائعاً قتله وأكله. ثمَّ كان جان غيي – لم يترك أسرةً عظيمة وقصراً فخماً لم يهرع لزيارته. ومضى على ذلك لأربعين سنة، ثمَّ خرجت فيه حمى داخليَّة، فمرض ومات. شان باو اعتنى بما في الداخل فافترس النَّمِر خارجه. وجانغ يي اعتنى بما في الخارج فهجم السّقم عليه من الداخل. لقد قصّر هذان الرجلان كلاهما في ردّ الشَّاردة). الصفحة (185).

18- (قال نانرونغ جو: "إن قلتُ لا أدري، دعاني الناس أحمق كاملاً. ولكن إن قلتُ إنني أدري، جلبتُ، وعلى العكس تماماً، القلق لنفسي. إن لم أكن بِرّاً، آذيت الآخرين؛ ولكن إن كنت بِرّاً جلبت، وعلى العكس تماماً، المتاعب لنفسي. إن لم أكن مستقيماً، أنزلت الضَّرر بالآخرين؛ ولكن إن كنت مستقيماً، أنزلت، وعلى العكس تماماً، بنفسي كرباً. فكيف أستطيع الفرار من هذه الحال؟ هذه الورطات الثلاث هي ما يضايقني باستمرار، وبتعريف من غنغسانغ تشو جئت ألتمس تفسيراً".

قال لاوتسي: "منذ لحظةٍ لمَّا نظرت إلى الفرجة ما بين حاجبيك وجفنيك عرفت ما أنت بين الأشخاص. وما قلتَه الآن يثبته. إنَّك مرتبكٌ ومكتئبٌ كما لو أنك قد فقد أباك وأمَّك وأنَّك خارج بقصبةٍ تصطاد لهما سمكاً في البحر. فأنت رجل تعوزه الثِّقة بالنفس – متردِّد وغير حازمٍ، تريد العودة إلى صورتك وطبيعتك الفطريَّة الحقيقيَّتين، ولكن ليس لك إلى ذلك سبيل – منظرٌ جديرٌ بالشَّفقة حقّاً!" ). الصفحة (230-231).

19- (الرَّجل الذي قُطعت رجله عقاباً ينبذ ملابسه البديعة – لأنَّ الثَّناء واللوم ما عادا يحركان مشاعره. والمحكوم المقيَّد يتسلق أعلى قمة بلا خوف – لأنَّه قد تخلَّى عن كلِّ تفكير في الحياة والموت. هذان الاثنان مذعنان وغير خجلين لأنَّهما قد نسيا البشر الآخرين، وبنسيانهما البشر الآخرين، أصبحا رَجُلي السَّماء. من أجل هذا لو أنَّك عاملت البشر الذين كهذين باحترام لم يُسَرّوا؛ ولو عاملتهم بازدراء لم يغضبوا. ولأنَّهم واحد هم والتناسق السَّماوي لذلك فقط يكونون مثل هذا). الصفحة (237).

20-  (قال شو ووغوي: "ألم تسمع قطُّ عن الذين نُفوا إلى يويه؟ لقد كانوا، وبعد أيام قلائل من مغادرتهم لمواطنهم، يُسَرّون إذا لقوا صدفة أحداً لهم به معرفة قديمة. وبعد انقضاء أسابيع قلائل أو شهر، كانوا يسّرُّون إذا لقوا صدفة أحداً كانوا يعرفون وجهه لمَّا كانوا في الوطن. وبعد انقضاء سنةٍ، كانوا يسَرُّون إذا لقوا صدفة أحداً ربَّما توحي طلعته بأنَّه من أهل بلدهم. أليسوا كلما طال بعدهم عن أهل بلدهم، ازداد عمقاً مَسُّ شوقهم إليهم؟ إنَّ الذي يفرُّ إلى البرية، حيث يتشابك رجل الإوزة وصريمة الجدي مع الآثار الصغيرة لفأر الخيل وابن عرس، ويسكن هناك زمناً طويلاً في فراغ وعزلة، يُسرّ لو سمع حتى خشخشة وطأة قدمٍ بشريَّةٍ. فكم بالحري به أن يُسَرَّ لو سمع إخوته وأنسباءه يثرثرون ويضحكون بجانبه! لقد انقضى زمان طويل، بحسب ما أرى، منذ جلس امرؤ كلامُه كلامُ الإنسان الحقيقيِّ فثرثر وضحك بجانب حاكمنا"). الصفحة (239-240).

21-  ( "إذا كان لا بد لي من أن أجيب، فإنَّني أقول إنَّ شي بنغ سينجح. إنَّه ينسى الذين في الأماكن العليا ولا يتخلى عن الذين في الأماكن الدنيا. يُخجله ألّا يكون هو نفسه مثل الإمبراطور الأصفر، ويشفق على الذين ليسوا مثله هو. من يُشرك غيره في فضيلته يدعى حكيماً؛ ومن يُشرك غيره في مواهبه يدعى إنساناً فاضلاً. فإذا استعمل فضله في محاولة مراقبة غيره، لم يظفر قطُّ بتأييدهم؛ أمَّا إذا استعمله ليتواضع أمام غيره، لم يخفق قطُّ في الظفر بتأييدهم. عند إنسان كهذا، في داخل الدولة أشياءٌ لا يبالي بأن يسمع بها، وأشياء داخل الأسرة لا يبالي بأن يعتني بها. فإذا كان لا بد لي من أن أجيب، فإنَّني أقول إنَّ شي بنغ سينجح." ). الصفحة (246).

22-  (قال حارس الحدود عند جانغوو لتسيلاو: "في إدارة الحكومة، لا تكوننَّ مهملاً؛ وفي تنظيم الناس، لا تكوننَّ متسرِّعاً! في الماضي، كان من عادتي زراعة الحبوب. كنت أحرث بطريقة مهملة فأحصل لقاء ذلك على محصول مهمل. وكنت أعشّب بطريقة متسرِّعة فأحصل لقاء ذلك على محصول متسرِّع. وفي السنة التي تلت ذلك، غيَّرت مناهجي، وحرثت حراثة أعمق من قبل وسوّيت التراب بعناية شديدة – فنما الحَبُّ بكثافة ووفرة في النَّماء، فحصلت على كل ما أردته لطعامي سنة كاملة!"

ولما سمع تشوانغتسي بهذا قال: "كذلك الناس في يومنا هذا إذا عملوا على إدارة أبدانهم وتنظيم عقولهم، فإنَّهم كثيراً ما يفعلونه بأسلوب مماثل لذلك الذي وصفه حارس الحدود. إنَّهم يديرون ظهورهم للجزي السّماوي، وينحرفون عن الطبيعة الفطريَّة، ويدمِّرون الصُّورة الحقيقيَّة، ويعطّلون الرُّوح، يفعلون تماماً ما تفعله العامَّة. ولهذا فإنَّ الذي يكون مهملاً في أمر طبيعته الفطريَّة يجد شرور الرّغبة والكراهية تفعل فعلها في طبيعته الفطريَّة كالأعشاب الضَّارّة ونبات السُّمّار. إذا أخرجت أو أوراقها، ظنَّ أنَّها ستكون السُلوان لبدنه، فإذا آن أوانها انتهى بها الأمر إلى خنق طبيعته الفطريَّة. وتأخذ، معاً، بالتفقؤ والنزّ، ليس في جزء واحد فقط من البدن، بل في كامله. خرَّاجات وبثرات متقيِّحة وحمى داخليَّة وبول مِلؤه قيح هذه هي النتائج). الصفحة (260-261).

23-  ( "كان ماجدو الأقدمين ينسبون ما يحققونه من نجاح إلى الناس وما يخفقون فيه إلى أنفسهم، وينسبون ما كان قويماً للناس وما كان معوجاً لأنفسهم. من أجل هذا كانوا إذا حدث شيء خطأ للبدن حتى لبدن موجود واحد، كانوا يعتزلون وينزلون الّلوم بأنفسهم. ولكن ليست هذه هي السّبيل التي يجري عليها الأمر في يومنا هذا. إنَّهم يجعلون الأمور مبهمة ثم يلومون الناس لعدم الفهم؛ ويكبّرون المصاعب ثمَّ يعاقبون الناس لعجزهم عن التعامل معها بنجاح؛ ويكدِّسون المسؤوليات ثمَّ يقاصصون الناس على عجزهم عن الوفاء بها؛ ويطوّلون المسير ثمَّ يوبِّخون الناس لعدم وصولهم إلى آخره. إذا استُنزفت معرفة الناس وشدَّتهم، أخذوا في تجميعهما بالحيلة، فإذا ما ازداد مقدار الحيلة في العالم يوماً بعد يوم، كيف يستطيع البشر الإمساك عن الّلجوء إلى الحيلة. عدم الشِّدَّة يغري بالحيلة؛ وعدم المعرفة يغري بالخديعة؛ وعدم السِّلع يغري بالسَّرقة... " ). الصفحة (261-262).

24-  (تولَّى تسِنغتسي منصباً مرَّتين، في كلِّ مرَّةٍ كان قلبه بخلاف حاله في المرَّة الأخرى. وقال: "في المرَّة الأولى، وكنت أرعى والديّ، نلت راتباً مقداره ثلاثة فو من الحبِّ، ومع ذلك كان قلبي سعيداً. وفي المرَّة الثانية، نلت راتباً مقداره ثلاثة آلاف جونغ، ولكنَّهما ما عادا لديّ لأرعاهما، فكان قلبي حزيناً." ). الصفحة (277).

25-  (ظهرت على وجه كونفوشيوس سيماء الارتباك، وقال: "ممتاز، يا هوي – يا لتصميمك! سمعت بأنَّ من يعرف ما يكفيه لا يدع نفسه تقع في شَرَك أفكار الكسب؛ وأنَّ من يفهم حقاً كيف يجد الرضا لا يخشى أنواع الخسارة الأخرى؛ وأنَّ من يمارس تهذيب ما في باطنه لا يخجله ألا تكون له منزلة في المجتمع. وإنَّني أدعو إلى هذه الأفكار منذ عهدٍ بعيدٍ، لكنَّني أرى الآن أنها قد تحققت فيك ولأوَّل مرَّة. فهذا ما قد كسبته أنا." ). الصفحة (287).

26-  ( "تحدَّث العالم عن الماجدين الفضلاء، سمعنا ’بو يي وشو تشي‘. ومع ذلك فإنَّ بو يي وشو تشي رفضا حُكم دولة غوجو وذهبا بدلاً من ذلك وماتا جوعاً في جبل شويانغ، حيث لم يدفن أحدٌ عظامهما ولحمهما. لقد تباهى باو جياو جدّاً بسلوكه وذمّ العالم؛ فلفّ ذراعيه حول شجرة وقام هناك حتى مات. وقدَّم شِنتو وي اعتراضاً لم يلقَ أذناً صاغية؛ فحمل حجراً على ظهره ورمى بنفسه في النَّهر، حيث أقامت الأسماك والسَّلاحف وليمة عليه. وكان جيه تيستوي نموذجاً للولاء، ذهب به مذهباً فقطع قطعةً من لحم فخذه لإطعام سيده، الدوق وِن. ولكن لما تجاهله الدوق وِن في ما بعد، انصرف غاضباً، فلفّ ذراعيه حول شجرة واحترق حتى الموت. وضرب وي شِنغ موعداً للقاء إحدى الفتيات تحت الجسر. وتخلَّفت الفتاة عن الحضور وأخذ الماء يرتفع، لكنه وبدلاً من المغادرة، لفّ ذراعيه حول دعامة الجسر ومات. لم يكن في هؤلاء السِّتَّة اختلاف عن كلبٍ مسلوخ، خنزيرٍ قُرِّب قرباناً للسيل، متسولٍ في يده يقطينة الصَّدقة. لقد وقعوا جميعاً في أحبولة أفكار الشّهرة واستخفّوا بالموت، مخفقين في تذكُّر المصدر أو الحرص على السنين التي منحها لهم القَدَر). الصفحة (298-299).

27-  (... لقد سنحت الفرصة لشان قوان وشو يو ليكونا إمبراطورين فردّاها، ولكن ليس لأنَّهما أحبَّا أن يُبديا إيماءة ردٍّ فارغة؛ ما كانا ليدعا أموراً كهذه تجلب لنفسيهما الأذى. إن هؤلاء الرّجال جميعاً سعوا لما هو مزية لهم وردّوا ما كان مؤذياً. فالعالم يثني عليهم كفضلاء، ولا بأس عليهم لو نعموا بسمعةٍ كهذه – ولكنَّهم لم يكونوا يجهدون طلباً لأيِّ شهرة أو ثناء." ). الصفحة (305).

28-  (كان في الجنوب شخص غريب الأطوار اسمه هوانغ لياو كان يتساءل لماذا السَّماء لا تنهار والأرض لا تتداعى أو ما الذي صُنع منه الريح والمطر، والرعد والبرق. فتولى هوي شي، غير هيّاب، أمر جوابه؛ ومن دون وقفة ليفكِّر، أخذ في الجواب، ملامساً في خُطبه المنمَّقة كلَّ واحد من الأشياء العشرة آلاف، ماضياً في البسط من دون توقُّفٍ وبوفرة في الكلمات لم تنتهِ قط. ولكن ذلك لم يفِ بالغرض، فأخذ يضيف إليه تقريراته المدهشة. فأيَّما شيء مناقض لآراء البشر كان يعلنه أنَّه الحقُّ، راجياً الفوز بشهرة التّفوُّق على الآخرين بالدّهاء. ولهذا السَّبب لم ينسجم قطُّ مع النَّاس العاديين. ضعيفاً بالفضيلة الداخليَّة، قويّاً باهتمامه للأشياء الخارجيَّة، لقد سلك سبيلاً ملتوياً بالفعل! ولو تفحَّصنا إنجازات هوي شي من وجهة نظر طريق السَّماء والأرض، لبدت كجهود البعوضة أو الجرجسة – ما نفعها للأشياء الأخرى؟ إنَّه يستحق، حقاً، أن يعتبر مؤسِّساً لمدرسة، ولكنَّني أقول إنَّه فقط لو أظهر من الاحترام للطَّريق أكثر مما أظهره، لكان أكثر قرباً من الصَّواب. ولكنَّ هوي شي لم يستطع على ما يبدو أن يجد لنفسه أيَّ سكينةٍ في مقاربة كهذه. ومضى بدلاً من ذلك وبلا كَلَل يفرّق ويحلِّل الأشياء العشرة آلاف فعُرف، في آخر أمره، بمهارته في الشَّرح فقط. يا له من مستحق للشَّفقة – لقد أساء هوي شي استعمال مواهبه وبذّرها من دون أن يحقِّق أبداً وحقاً أيَّ شيء! متعقِّباً للأشياء العشرة آلاف، ليس راجعاً أبداً، كان مثله كمثل امرئ حاول أن يُسكت الصَّدى بصراخه أو أن يبرهن أنَّ الصُّورة تستطيع أن تسبق الظّلَّ. كم هو محزن! ). الصفحة (340-341).

كتاب (أعمال تشوانغتسي الكاملة)، نقلها إلى الإنكليزيَّة: برتون واتسون، نقله إلى العربية: وفيق فائق كريشات، الطبعة الأولى: 2022م، الناشر: دار الفرقد.