بسم الله الرحمن الرحيم

مقتطفات من كتاب (قواعد السطوة)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

كتاب (قواعد السطوة)، تأليف: روبرت جرين، المترجم: د. هشام الحناوي، الطبعة الأولى 1432هـ - 2011، الناشر: إيلاف معات لعلوم النفس والشخصية.

1-       (الانتهاك الثالث:

في القرن الخامس ق.م. وفي مملكة شين (الصين حاليا)، حكم على الأمير شونج إره بترك البلاد إلى المنفى، وكان عليه أن يعيش حياة الكفاف وأحيانا الفقر إلى أن يتمكن من استعادة وضعه السابق كأمير. وبينما كان شونج يعبر إمارة شنج لم يتعرف عليه حاكمها وعامله بفظاظة، وحين رأى وزيره ذلك قال له "هذا الرجل من كبار الأمراء، فعف سموكم تظهرون له بعض الاحترام حتى يدين لكم بالعرفان". لكن الحاكم حين رأى الوضع المذري للأمير تجاهل نصيحة وزيره وأهان الأمير مرة أخرى، فحذره الوزير ثانية قائلا "إن لم تكن لدى سموكم الرغبة في التعامل باحترام مع الأمير فاقتله الآن حتى تأمن شره في المستقبل"، لكن الحاكم لم يكن يريد سوى الاستهزاء والسخرية.

بعده بسنوات استطاع الأمير أن يعود إلى وطنه وتغيرت أحواله تماما، ولم يستطع أن ينسى من تعاطف معه ومن أهانه أثناء محنته. ما لم ينسه الأمير أبدا هو معاملة حاكم شنج المهينة له وفي أول فرصة جمع جيشا هائلا وزحف نحو شنج واستولى على ثمان من مدنها وأرسل حاكمها إلى المنفى). الصفحة (231-232).

2-       (ثانيا، لا تثق أبدا بالمظاهر، فمن لديه قلب أفعى قد يظهر الطيبة والتعاطف دائما حتى لا يكتشف الناس سره، والشخص الذي تراه كثير النزاع والتهديد للآخرين غالبا ما يكون في حقيقته جبانا. عليك أن تعلم نفسك رؤية التناقضات في المظاهر الخارجية وأن تستقرئ ما يكمن تحت السطح، ولا تثق أبدا بالصورة التي يمنحها الناس لأنفسهم – فهي مضللة تماما). الصفحة (234).

3-       (الملكة العذراء

صنعت حولها دائرة من الجاذبية والاهتمام والإعجاب. ولكنها لم تستسلم أبدا لمتودد بل جعلتهم جميعا يدورون حولها كالكواكب التي لا ترحل أبدا عن مدارها حول النجوم ولا تصل أبدا إليها). الصفحة (243).

4-       {كازنوفا} (... وقد كتب لاحقا "لم أشك أبدا في أن الإنسان إن عزم على شيء وأخلص نفسه لتحقيقه فإنه يناله في النهاية مهما كانت المصاعب التي تواجهه، سواء كان ذلك أن يصبح الوزير الأعظم أو البابا"). الصفحة (276).

5-       (الانتماء للصفوة له مخاطر تتطلب اليقظة. ذكر أحد الرحالة العرب في القرن التاسع عشر بعد أن زار بلاط سلطنة دارفور – السودان حاليا، أن رجال الحاشية كانوا يفعلون كل ما يفعله السلطان: فإن أصابه جرح كان عليهم أن يُجرحوا مثله، وإن سقط عن الحصان كانوا عليهم أن يسقطوا من فوق أحصنتهم). الصفحة (281).

6-       (المشهد 9:

كان لدى ألفونسو الأول ملك أراجون خادم أخبره ذات مرة أنه رأى حلما في الليلة الماضية: رأى ألفونسو يمنحه هدية تحوي أسلحة وخيول وملابس. كان ألفونسو رجلا سخيا، ورأى أن من اللطف أن يحقق للرجل حلمه فأعطاه ما جاء في الحلم بالضبط.

بعدها بفترة قليلة جاءه الخادم بحلم آخر يرى فيه ألفونسو يعطيه كومة من العملات الذهبية. ابتسم الملك وقال له "لا تصدق الأحلام بعد ذلك، فهي تكذب عليك".

التعليق:

في الحلم الأول كان الأمر ما يزال بيد ألفونسو، فتحقيقه للحلم أظهر ما لديه من إنعام القادرين وإن كان بطريقة بسيطة ومضحكة. أما في الحلم الثاني فقد زال السحر والبهجة ولم يتبق إلا الاحتيال واضحا وقبيحا. لا تفرط أبدا في الطلب وتعلم متى عليك أن تمتنع عنه. حق المنح مكفول للولي وحده، فهو الذي يعطي ما يريد وقتما يريد دون إيعاز من أحد. لا تترك له الفرصة أبدا أن يرفض طلبك، فالأفضل أن تكسب الحظوة والأفضل بجدارتك وتنتظر حتى توهب لك دون أن تطلبها). الصفحة (293-294).

7-       (... كان العبرانيون يضحون بكبش (ومن ذلك جاءت التسمية "كبش فداء")، كان الكاهن يضع كلتا يديه على رأس الحيوان ويعترف بخطايا بني إسرائيل كي تنتقل إليه الخطايا ثم يطلقونه في البرية... ). الصفحة (315).

8-       (على نفس المنوال، بيّن لنا التاريخ كثيرا فائدة اتخاذ الرفقاء المقربين كباش فداء، ويعرف ذلك باسم "ذلة الأعزة". كل ملك لديه عزيز أو أكثر من البلاط يقربهم منه دون أسباب واضحة أحيانا ويغدق عليهم بالاهتمام والحظوة. إلا أن هؤلاء الأعزة يصلحون كباش فداء ممتازة حين تشوب سمعة الملك شائبة، حيث سيصدق الناس بسرعة أن هذا العزيز قد أذنب، ويرون أن الملك لن يضحي بشخص أحبه وقدّره إلا إن كان قد أذنب فعلا، كما أن رجال الصفوة الآخرين الذين يبغضون هذا العزيز ويحسدونه على حظوته سيفرحون برؤية ذلته. وأخيرا سوف يتخلص الملك من رجل ربما قد عرف عنه الكثير أثناء تقربه منه، بل ربما يكون قد أصابه الغرور أو حتى التجرؤ على الملك. اختيارك أقرب الرفقاء كباش فداء يشبه "ذلة الأعزة". قد يُخسرك ذلك صديقا أو مُعينا لكن على المدى الطويل سيكون من الأفضل لك أن تخفي خطأك عن أن تحتفظ بشخص قد ينقلب ضدك ذات يوم، كما سيكون من السهل عليك أن تستبدله بأن تقرب منك غيره). الصفحة (317-318).

{ قال تعالى: (( وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112) )). (سورة النساء) آية (112).

9-       (عليك أن تنتبه للتلميحات والإيماءات اللاشعورية. كشف لنا سيجموند فرويد أن "لا أحد على وجه الأرض يستطيع أن يخفي سرا، وحين تصمت شفتاه تتكلم أنامله، فالأسرار تتسرب منه من كل ثغر". هذا مفهوم مصيري عند البحث عن نقاط الضعف لدى الناس والتي يمكن كشفها من الإيماءات التي لا تبدو هامة ومن الكلمات التي قد تبدو عابرة). الصفحة (409).

10- (كان بسمارك يعرف أن الملك يتعرض للضغط والترويع من المحيطين به، وكان يعرف أنه رجل عسكري تربى على الإحساس العميق بالعزة والشرف، وأنه كان يشعر بالعار من تلاعب زوجته وحكومته بإرادته، وأنه في داخله يحن لأن يصبح ملكا قويا وعظيما، لكنه كان يخاف من أن يظهر هذا الطموح حتى لا ينتهي إلى ما انتهى إليه لويس السادس عشر. وكما يخفي التهور جبن الشخص كان جبن ويليام {الملك} يخفي رغبته الدفينة في إظهار الشجاعة والعزم). الصفحة (422).

11- (بعد ذلك بسنوات وفي عام 1936 احتل الفاشيون الإيطاليون أثيوبيا ونفوا الأسرة الملكية ومنها تافاري والذي كان يسمى حينها هيلا سيلاسي. من المنفى استطاع سيلاسي أن يخاطب عصبة الأمم دفاعا عن قضية بلده، وأخذ الإيطاليون الحاضرون يهينونه بالتعليقات البذيئة لكنه لم يتخل عن وقاره وتصرف وكأنه لا يسمعهم، وقد رفع ذلك من قدره في عيون الحاضرين وأضاف المزيد من القبح إلى خصومه. الحقيقة أن الوقار هو القناع الذي عليك دائما أن ترتديه في المواقف الصعبة: فهو يجعلك تبدو وكأنك لا تتأثر بشيء وأنك جاهز للرد في أي لحظة، وهو انطباع يمنحك بالفعل سطوة كبيرة). الصفحة (433).

12- (اقتباس من معلم: على كل شخص أن يبدو للآخرين ملكيا بأسلوبه الخاص. اجعل تصرفاتك تظهرك بأنك وإن لم تكن ملكا فإنك تستحق أن تكون ملكا. كن راقيا في تصرفاتك؛ ونبيلا في اعتقاداتك وآرائك واعمل على أن تثبت بكل أفعالك أنك تستحق فعلا أن تكون ملكا (بالتسار جراتسيان، 1601-1658) ). الصفحة (435).

13- (بعد أن وصل فوشيه إلى باريس للانضمام إلى المؤتمر حدث انقسام عنيف بين المعتدلين وبين اليعقوبيين المتشددين، وأدرك فوشيه أنه لن يخرج أي من الطرفين منتصرا في هذا الصراع، فالسلطة نادرا ما تذهب إلى من يبدأون الثورات أو حتى إلى من أيدوها وساعدوا على استمرارها بل إلى من يعطونها شكلها النهائي، وذلك هو الجانب الذي كان فوشيه يرغب في الانضمام إليه). الصفحة (438).

14- (الحكمة:

الانتباه لمشكلة تافهة يبرزها ويعطيها أهمية، ويتحدد حجم عدوك بما تبذله له من اهتمام، وغالبا ما تسوء الأخطاء التي ترتكبها بقدر ما تبذله من جهود لتصحيحها. دع الأمور تصحح نفسها... ). الصفحة (450).

15- (الرجل: اركله وأهنه وقد يسامحك ويغفر لك.. تملقه وقد يلتفت أو لا يلتفت لما تقول.. لكن لو تجاهلته فسوف تثير حتما كراهيته وعداءه لك.

(قافلة الأحلام. إدريس شاه، 1968) ). الصفحة (456).

16- (لأن الشمس تشع بضوئها على النجوم الأخرى التي حولها وكأنهم بلاطها الملكي، ولأنها توزع عليهم أشعتها بالعدل، ولأنها تأتي بالخير والحياة والحركة إلى كل مكان تصل إليه، وبسبب حضورها الدائم الذي لا يقل ولا يتغير، أرى أنها الرمز المعبر عن أي قائد عظيم.

(لويس الرابع عشر، الملك الشمس، 1836-1715) ). الصفحة (468).

17- (المشاعر تتأثر بما نراه. كان الإمبراطور الروماني قسطنطين يعبد الشمس أغلب سنين حياته ولكن ذات يوم نظر للشمس ورأى فوقها صليبا فأوحى له ذلك بصعود المسيحية كدين جديد فآمن به وأمر كل رعايا الإمبراطورية الرومانية بأن يؤمنوا بها. لم يكن لكل ما في الأرض من وعظ أو تبشير أن يفعل ما فعله هذا المشهد. إن أوجدت ما يربط بينك وبين المشاهد والرموز التي تؤثر في الناس هذا التأثير ستحصل على سطوة بلا حدود). الصفحة (470-471).

18- (ذات مرة كان صن بن قائد جيوش مملكة شاي والتلميذ المخلص لتعاليم صن تسو يتحرك لمواجهة جيوش وي التي كانت تفوق ضعف عددهم، فأشار صن تسو عليهم بأن "نوقد مائة ألف شعلة عند دخولنا نحو وي، وفي اليوم التالي نوقد خمسين ألفا وفي اليوم الثالث ثلاثين ألفا فقط". في اليوم الثالث قال قائد جيوش وي ساخرا بعد أن رأى ما حدث "كنت أعلم أن جنود شاي جبناء لكن لم أتوقع أن يفر أكثر من نصفهم في ثلاثة أيام فقط"، وأراد أن يستغل الفرصة فتحرك بسرعة بقوات مجهزة تجهيزا خفيفا تاركا خلفه المدفعية الثقيلة بطيئة الحركة، وأظهر لهم صن بن وجنوده أنهم ينسحبون إلى أن استدرجوهم إلى ممر ضيق وقضوا عليهم تماما، وبعد أن قتلوا القائد وأهلكوا معظم الجنود كان من السهل عليهم أن يسحقوا من تخلفوا). الصفحة (494).

19- (كان قادة مدينة تاير عاصمة فينيقيا يعتزون بأنفسهم ويرون أن لديهم القدرة على الصمود للإسكندر الأكبر، والذي هزم كافة بلاد الشرق ولم يقترب من مدينتهم. أرسوا رسلا للإسكندر يقولون له أنهم يقدرونه كإمبراطور ولكن عليه أن لا يفكر أن يدخل مدينتهم، وأغضبه ذلك بالطبع وفرض عليهم حصارا بعدها بقليل. استطاعت المدينة بالفعل أن تصمد له طوال أربعة أشهر، وفي النهاية رأى أنه لا جدوى من الحصار وأن من الأفضل له أن يفاوض قادة المدينة للتحالف معه، لكن شعورهم بأنهم قد استدرجوا الإسكندر ولم يستطع أن يفعل لهم شيئا كان قد عزز ثقتهم بأنهم سيصمدون له للنهاية، ورفضوا المفاوضات بل أنهم قتلوا رسله.

كان ذلك أكثر من أن يتحمّله الإسكندر، ولم يعد بعدها يهمه إلى أي مدى سيطول الحصار أو إلى عدد الجنود الذي سيتطلبه، لأنه كان لديه ما يكفي ولم يعد يريد إلا أن يحتل المدينة مهما كلّفه الأمر. وكانت هجمته التالية من القوة بحيث استطاع أن يقتحم المدينة في أيام قليلة ويحرق بيوتها جميعا ويبيع سكانها عبيدا). الصفحة (495-496).

20- (في عام 1532 وبعد أن تمكن فرانسيسكو بيزارو من غزو بيرو بدأ الذهب يتدفق على إسبانيا، وبدأ الإسبان من كل الطبقات يحلمون بتحقيق الغنى السريع في العالم الجديد. وبدأت الحكايات تنتشر بسرعة في أنحاء البلاد عن زعيم لأحد قبائل الهنود يمارس طقسا سنويا بأن يدهن نفسه كاملا بالذهب ثم يغوص في البحيرة، وبالغت الشائعات وحولت كلمة إلدرادو من "رجل الذهب" إلى إمبراطورية الذهب وأنها أغنى من الإنكا وأن كل شيء فيها من الشوارع والبيوت مطلي بالذهب. ولا نستغرب أن تصل الحكايات الشعبية إلى هذه المبالغات لأن من يهدر مثل هذا الذهب كل عام في البحيرة لابد وأنه يحكم إمبراطورية بها كميات لا تحصى منه. وبدأ الإسبان يبحثون في كل الأنحاء الشمالية من أمريكا الجنوبية عن مملكة إلدرادو.

في عام 1541 أبحرت باتجاه الشرق من ميناء بالإكوادور أكبر حملة منظمة للبحث عن إلدرادو يقودها جونزالو أخو فرانسيسكو بيزارو: كانت تتكون من 360 رجل أسباني في دروعهم اللامعة معهم 4000 مرشدا هنديا و4000 خنزيرا وعشرات من حيوانات اللاما وما يقرب من الألف كلب. وبعد مسيرة قصيرة واجهت الحملة أمطار مدارية غزيرة أبطأت تحركهم وأفسدت مخزونهم من الطعام. وحين كان جونزالو يسأل هنود المنطقة ويشعر أنهم يخفون معلومات أو حتى لا يعلمون شيئا كان يعذبهم ويرمي لحومهم للكلاب، وانتشر بين هنود المنطقة أن أفضل وسيلة للتعامل مع جونزالو هي أن يختلقوا له معلومات مضللة تبعده عنهم على قدر ما يستطيعون. وحين كان جونزالو ورجاله يتبعون ما وصفه لهم الهنود كانوا يجدون أنفسهم يتوغلون في أعماق الغابات.

انخفضت معنويات المستكشفين، وتمزقت أزياؤهم العسكرية وصدأت دروعهم ورموها وأصبح عليهم أن يسيروا حفاة بعد أن بليت أحذيتهم، ومات عبيدهم من الهنود وتمكن بعضهم من الهرب، وفي النهاية لم يكونوا قد استهلكوا كل خنازيرهم وحيوانات اللاما فحسب بل التهموا أيضا كل الكلاب وبدأوا يعيشون على الثمار والجذور. بعد أن رأى جونزالو أنه لا يمكنهم أن يستمروا في هذه الأحوال قرر أن يغامروا بالإبحار عبر نهر نابو الخطر، لكنهم سرعان ما وجدوا أن النهر ليس أحن عليهم من الأدغال فعسكروا على ضفافه وأرسلوا مستطلعين للبحث عن مستوطنات للهنود بها طعام. انتظر جونزالو عودة المستطلعين لكنه عرف لاحقا أنهم تخلوا عن المعسكر ورحلوا عبر النهر نجاة بأنفسهم.

ظلت الأمطار تنهمر دون توقف، ونسي رجال جونزالو ما جاءوا لأجله. كان حلمهم الوحيد هو أن يعودوا إلى كويتو. وأخيرا وفي أغسطس من عام 1542 عاد منهم ما لا يزيد عن مائة رجل من حملة كان تعدادها بالآلاف. دخل الناجون إلى كويتو وكأنهم عائدون من الموت؛ يرتدون الخرق والجلد، أجسادهم متقرحة ولا يتعرف عليهم أحد من الهزال الشديد. كانوا قد قضوا عاما ونصف يدورون عبثا في دوائر فارغة، وساروا حفاة ما يقرب من الألفي ميلا، وضاعت هباء الأموال الهائلة التي أنفقوها على الحملة – فلم يجدو أي إلدرادو أو أي ذهب.

التعليق:

حتى بعد أن انتهت حملة جونزالو بيزارو بكارثة، ظل الإسبان يرسلون الحملة بعد الأخرى بحثا عن إلدرادو. كانت كل حملة تكرر ما فعله جونزالو من تخريب قرى الهنود ونهبها وتعذيب سكانها، وكانوا يتحملون مشقات يصعب تخيلها وفي النهاية تضيع جهودهم سدى. استمر إغراء الحلم رغم أن الأموال التي أهدرت في سبيله كانت أكبر من أن تحصى.

لم يتوقف الأمر عند إهدار المال وآلاف الأرواح فقط بل استمر إلى أن قضى للأبد على إسبانيا كإمبراطورية. بعد أن أصيب الإسبان بهوس الذهب بدأوا ينفقون الذهب الذي يأتيهم من مستعمراتهم وكان كثيرا للغاية على حملاتهم العبثية وعلى الرفاهية والترف وتجاهلوا الإنفاق على الزراعة والصناعة وغيرها من وسائل الإنتاج). الصفحة (500-501-502).

21- (بعد أن جمع قطب المال جيمس روتشلد ثروته واجهته معضلة صعبة: فكيف كان له وهو يهودي وأجنبي أن ينال ثقة وتقدير الطبقات العليا في فرنسا التي تكره بشدة اليهود والأجانب؟. كان روتشلد يفهم طبيعة السطوة ويعرف أن الثروة تمنحه المكانة ولكن بدون القبول الاجتماعي لم يكن من الممكن للثروة أو المكانة أن تدوم، ولذلك درس طبيعة المجتمع في عصره وبحث عن ما قد يمكّنه من استمالة القلوب.

لم يكن الفرنسيون يهتمون للأعمال الخيرية أو للنفوذ السياسي الذي كان يمتلكه بالفعل والذي لم يكن ليؤدي إلى المزيد من ارتياب الناس به، ورأى أن نقطة الضعف الوحيدة لدى الشعب الفرنسي هي شعورهم بالملل. بعد عودة الملكية إلى فرنسا أصيبت الطبقات العليا بالسأم والملل، ولذلك بدأ روتشلد ينفق أموالا طائلة للترفيه عنهم، فاستعان بأعظم المعماريين في فرنسا ليصمموا له الحدائق وقاعات الرقص وجعل أشهر طباخ في فرنسا ماري أنطوان كاريم يرتب له الموائد والحفلات المسرفة الي لم يشهد الفرنسيون لها مثيلا، ولم يكن الفرنسيون ليقاوموا كل هذا حتى إن كان المضيف ألمانيا يهوديا. بدأ الناس يأتون بأعداد متزايدة إلى السهرات الأسبوعية التي يقيمها روتشلد، وفي النهاية اكتسب الشيء الوحيد الذي قد يؤمن السطوة لأجنبي وهو القبول الاجتماعي). الصفحة (508-509).

22- (لم يكن لدى الإسكندر الأكبر في صغره سوى شعور واحد مسيطر وهو نفوره الشديد من أبيه فيليب ملك مقدونيا، فكان يكره أسلوبه المراوغ والحذر في الحكم وخطبه المنمقة وحبه الشديد للشراب والعاهرات والمصارعة وكل ما كان يراه الإسكندر مضيعة للوقت. وقرر لنفسه أن يكون عكس ذلك تماما وأن يصبح جريئا وشديدا وأن يتحكم بلسانه فلا يتكلم إلا قليلا وأن لا يقضي عمره المحدود في الجري وراء الملذات التي لا تأتي بأي مجد، وكان يكره أيضا أن فيليب استطاع أن يخضع معظم اليونان وقال ذات مرة "أنه [فيليب] سيظل يخضع البلاد ولن يتبقى لي شيء من المجد". وعلى عكس الأبناء الآخرين لرجال السطوة الذين كانوا يسعدون بما ورثوه من الترف والرخاء كان هم الإسكندر أن يتفوق على أبيه وأن يطمس اسمه من التاريخ بأن يتفوق كثيرا على إنجازاته). الصفحة (521-522).

23- (حين كان ت.إ. لورنس [لورنس العرب] يحارب الأتراك في صحراء الشرق الأوسط أثناء الحرب العالمية الثانية تكون لديه استبصار عميق: تأكد أن الحرب المعتادة لم تعد تصلح للعصر الحديث، فقد ذاب الجندي التقليدي في جحافل الجيوش الهائلة وتحول إلى قطعة شطرنج يحركها قادته، فعزم لورنس على أن يغير ذلك ويتعامل مع قلب كل جندي كأنه مملكة يريد أن يغزوها لأن الجندي المؤمن بالحرب والمتحمس لها من داخله يحارب بصلابة ومرونة لا يحارب بها الجندي الدُمية). الصفحة (553).

24- (ثقب المفتاح

يبني الناس جدرانا تفصلهم عن الآخرين. لا تحاول أبدا أن تخترق هذه الجدران بالقوة لأن ذلك لن يفعل إلا أن يضع بينك وبينهم جدرانا جديدة. هناك أبواب داخل الجدران تنفذك إلى قلوبهم وعقولهم، داخل كل باب ثقب لإدخال المفتاح. ابحث عن المفتاح المناسب وسيسهل عليك الدخول إليهم دون أن يبدو عليك قبح ووقاحة الاقتحام.

اقتباس من معلم: أصعب خطوة في إقناع شخص هي أن تعرف ما يدور في قلبه لتنتقي الكلمات التي تناسبه... لهذا يتوجب على أي شخص يريد أن يكون مقنعا أمام العرش أن يتعرف على ما يسعد الحاكم وما ينفّره، وما يتمناه وما يقلقه حتى يتمكن من الوصول إلى قلبه. (هان فاي تسو، فيلسوف صيني، القرن الثالث ق.م.) ). الصفحة (554-555).

25- (لا تستهن أبدا بميل الناس للاستقرار والمحافظة على ما اعتادوا عليه، فذلك شعور مسيطر وعميق. ولا تجعل افتتانك بفكرة يعمي بصيرتك: فكما لا تستطيع أن تجعل الناس يرون الأمور كما تراها كذلك لن تستطيع أن تفرض عليهم المستقبل بتغيرات تؤلمهم لأنك بهذا لن تجني منهم إلا الاعتراض والتمرد. إن رأيت أنه لا مفر من التغير والإصلاح كن مستعدا للتعامل مع مقاومة الناس له واعمل على أن تظهر التغيرات وكأنها امتداد للماضي والمعتاد. ضع بعض عسر المألوف في دواء التغير ليتحمل الناس شرابه). الصفحة (581-582).

26- بعد فشل الثورة الثقافية في أواخر 1960 حدث صراع على الحكم داخل الحزب الشيوعي، وكان المنافس لماو هو من كان من قبل صديقه الحميم لن بياو. لكي يظهر ماو للجماهير طبيعة الاختلاف بين سياسته وسياسة منافسه لجأ للماضي من جديد: أظهر بياو مناصرا قويا لأفكار كونفوشيوس والذي كان بياو بالفعل يقتبس الكثير من أقواله، وكان كونفوشيوس يمثل المحافظة والتمسك بالقديم. اختار ماو لنفسه مثالا من الحركة الفلسفية القديمة المعروفة باسم الحركة القانونية التي مثلتها كتابات هان فاي تسو. كان القانونيون يحتقرون مبادئ كونفوشيوس ويؤمنون بضرورة استخدام القوة لترسيخ الإصلاحات، وكانوا يقدسون السطوة.

ولكي يعطي لنفسه الأفضلية شن ماو حملة موسعة في أنحاء البلاد ضد كونفوشيوس واستفاد من الهجمة القديمة التي قام بها القانونيون ضد الكونفوشيه لدفع الشباب إلى التمرد على الجيل القديم، وهكذا استطاع ماو أن يظهر الصراع المبتذل على السلطة في الصورة المجيدة لبطولات الماضي وبذلك أشعل حماس الجماهير وفاز على غريمه). الصفحة (583-584).

27- (كتب بلانك عن المعارضة العلمية للتجديد "لا تنتصر الحقيقة العلمية بأن تقنع المعترضين وتثبت لهم بالبراهين، بل ببساطة لأن المعترضين يموتون يوما ويأتي مكانهم جيل تربى على الحقيقة الجديدة"). الصفحة (587).

28- (ذلك هو ما فعله مايكل أنجلو مع المعماري الحاقد عليه برامانتي الذي أقنع البابا بحرمان أنجلو من تصميم مقبرته. كان برامانتي يحسد مايكل أنجلو على مواهبه الخارقة وبعد أن استطاع أن يحقق هذا النصر على مايكل أنجلو بحرمانه من تصميم المقبرة أراد أن يؤذيه بشيء آخر فأقنع البابا بتكليف مايكل أنجلو برسم سقف كنيسة السيستين وهو مشروع كان متوقعا أن يستغرق عشر سنوات لن يستطيع مايكل أنجلو أن ينجز خلالها أيا من منحوتاته الرائعة، كما أن برامانتي كان مقتنعا بأن مايكل أنجلو أقل موهبة في الرسم عنه في النحت، وبذلك يضعف صورته لدى الناس كفنان خارق كما استطاع أن يضعف صورته لدى البابا.

أدرك مايكل أنجلو هذا الفخ وفكر في الاعتذار لكن كان من الصعب أن يرفض طلب البابا ولذلك وافق دون اعتراض، ولكنه جعل حسد برامانتي دافعا له لصنع إنجاز كبير. وبالفعل كانت رسومات السستين أفضل ما أبدعه مايكل أنجلو وكان برامانتي كلما رآها أو سمع عنها يحترق من الغيظ – وذلك هو أقوى وأطول انتقام يمكن أن تفعله لحاسد). الصفحة (602-603).

29- (ظل اليابانيون لقرون عديدة منفتحين على الأجانب ويرحبون باستيعاب ثقافتهم ونفوذهم بينهم، وقد كتب عن ذلك القس رودريجيز الذي زار اليابان في عام 1577 وأقام فيها لسنوات "إن المرء ليصيبه الذهول حين يرى استعداد اليابانيين لمسايرة وتقليد كل ما هو برتغالي". كان اليابانيون يرتدون مثل البرتغاليين ويضعون مثلهم المسابح حول أعناقهم والصلبان حول أعجازهم. قد يظهر من ذلك أن اليابانيين شعب ضعيف وثقافتهم هشة إلا أن هذه المرونة قد أنقذت اليابانيين من التعرض للغزو الذي يفرض عليهم الثقافة الأجنبية بالقوة. كانت مرونة اليابانيين ومسايرتهم للمتغيرات ترضي كبرياء البرتغاليين وغيرهم من الغربيين وتشعرهم بأن اليابانيين يقلدونهم لأنهم يملكون الثقافة الأرقى ولكن الحقيقة أن اليابانيين كانوا يتعاملون مع الثقافات الوافدة باعتبارها صيحات يرتديها المرء لفترة ثم يخلعها. في العمق كانت الثقافة اليابانية تنمو وتزدهر، ولو أظهر اليابانيون الجمود والعناد لتعرضوا لآلام الغزو التي تعرض لها الصينيون. وتلك هي قدرة المرونة وعدم الجمود فهي لا تستثير عداء المتجبرين ولا تمنحهم مبررا للاعتداء). الصفحة (629-630).

كتاب (قواعد السطوة)، تأليف: روبرت جرين، المترجم: د. هشام الحناوي، الطبعة الأولى 1432هـ - 2011، الناشر: إيلاف معات لعلوم النفس والشخصية.