تأخذنا ( بيانكا بيتسورنو )إلى جنوب إيطاليا وبالتحديد في مقاطعة سردينيا في القرن التاسع عشر حيث أزقتها الضيقة الفقيرة، والأمراض التي تخص وتصيب الفقراء فقط.
لم تُبرِز بيتسورنو البُعْدَ الطَّبَقِيَّ للمجتمع الإيطالي في النصف الأوَّل من القرن العشرين فقط، لكنها تجاوَزَتْهُ إلى سلطة الرجال على النساء، ووَضْع المرأة بين طبقة عاملة كادحة، تُمثِّلها الراوية نفسها،
صاغت بيتسورنو حكاياتها بسلاسة، وهي تنتقل بين الحَكْي والحوار بأنواعه ومُستوياته، فرافقتْنا، ليس فقط بين منازل السادة، ومجالسهم، بل بين أساليب حديثهم، وما تدلُّ عليه من رُقِيٍّ، ونَصَاعَة، في بعض الأحيان، أو لُؤم، ومُراوَغَة، في أحيان أخرى؛ وهكذا فَعَلَتْ مع فقراءِ المدينة ومُهمَّشيها، كاشفةً بجُرأة عن مناطق ضَعْف مجتمع، لا يزال يرزحُ أسيراً لقِيَم زمنٍ وَلَّى.
تميزت الرواية بأسلوب الوصف الرائع والدقيق للكاتبة، فكانت تصف الأقمشة بدقة، وتصف عملية الحياكة والقص، وتركيب وتصفيف كل الاجزاء في النهاية بمهارة ، حتى أنني كنت أكاد أجزم أنني أكاد أرى التنانير ، والفساتين وملاءات الأسرة المزركشة رؤية العين ،وهي تحاك سواء باليد أو بالماكينة التقليدية القديمة في ذاك القرن.
في رواية حلم ماكينة الخياطة تحكي لنا الخياطة التي لم تخبرنا بإسمها قط، أنها نجت بأعجوبة هي وجدتها من وباء الكوليرا، حيث قضى الوباء على أهلها جميعًا. تقوم الجدة بالعناية بحفيدتها وتبدأ في تعليمها أصول مهنة الخياطة حتى لا تضطر إلى العمل كخادمة في المستقبل. تبدأ الفتاة بتعلم تلك المهنة، وتساعد جدتها، ولكن ليس ذلك فحسب كل ما ستتعلمه، فمع إصرار الفتاة على تعلم القراءة والكتابة، ستحاول الجدة أن تقدم بعض الخدمات للمعلمة الخاصة لتعليم حفيدتها.
أكثر ما جذبني في شخصية بطلة القصة هو ميلها للتعلم الذاتي وحبها للقراءة، فلا يقدر أهمية الكتب وأثرها في تغيير منحى حياة الشخص إلا القارئ النهم. ما ميز خياطة القصة وعلى الرغم من خلفيتها المتواضعة هو تعلمها للقراءة والتي أتاحت لها أن تتفوق على مثيلاتها من الخياطات البسيطات.
أما عن الترجمة، فهي ممتازة جداً ..
"لكن الوقت، و إن لم يمح كل ذكرى، فإنه يجعلها باهتة، الألم الذي ظننت أنه سيمزق قلبك، يصبح أقل حدة."
"كانت القراءة تساعدني على الابتعاد عن الأفكار المؤلمة التي تطاردني باستمرار"
التعليقات