بسم الله الرحمن الرحيم

مقتطفات من كتاب ( الجريمة والعقاب ) (المجَلّد الأوّل ) (رواية)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

كتاب ( الجريمة والعقاب ) ( المجَلّد الأوّل ) (رواية), المؤلف: دوستويفسكي, ترجمة: الدكتور سامي الدروبي, الطبعة الأولى 2017, دار التنوير للطباعة والنشر, لبنان – بيروت.

1-       [ إذ إن راسكولنيكوف يظل بالنسبة له سراً إلى حد كبير. ودوستويفسكي يحاول أن يفهمه, ويقدم لذلك عدداً من التفسيرات. وهو لا يتظاهر بعدم الفهم, فلا معنى لذلك, إذ إنه يعرف عن راسكولنيكوف الكثير ... يعرف أفكاره وأحاسيسه وكلماته وتصرفاته, ولكن ذلك كله لا يكفي لتفسير وتعليل الدوافع والبواعث الكامنة في اللاوعي والتي حَدَتْ راسكولنيكوف للتصرف بما يخالف المنطق. إن كل ذلك لغز بالنسبة لدوستويفسكي. وهو ينظر إلى أبطاله نظرته إلى سِرّ, فالأمير ميشكين سرّ, وإيفان كارامازوف سرّ, وستافروجين سرّ.

إن ليف تولستوي يساعدنا على إدراك الإنسان, ويطلعنا على تطور شخصيته, وعلى منابع أفكاره, ويقودنا إلى أعماق روحه.

أما دوستويفسكي فيساعدنا على إدراك استحالة معرفة الإنسان, ويطلعنا على لا محدوديته, وعلى فوضى مشاعره, ويرينا أي تناقضات وأي أعماق لا يمكن بلوغها تكمن في نفس الإنسان ]. الصفحة (6).

2-       [ أو قوله في مشهد الكارثة التي أصابت آل مارميلادوف في هذه الرواية: ( ... فهاهم أولاء سكان البيت يتجهون نحو الباب واحداً بعد آخر, وهم يشعرون بذلك الإحساس الغريب, إحساس اللذة الذي يُلاحظ دائماً حتى لدى أقرب الأقرباء حين يرون شقاء يحل بقريبهم, وهو إحساس لا يخلو منه أي إنسان مهما يكن إحساسه بالأسف والشفقة صادقاً ... ]. الصفحة (9).

3-       ( - آ ... ها أنت ذا عدت ! يا لص, يا شيطان, يا مسخ ! أين المال ؟ ماذا في جيبك ؟ أرني ! .. وهذا اللباس الذي ترتديه ليس لباسك, فأين رداؤك إذن ؟ أين المال ؟ تكلم !

قالت ذلك وهجمت عليه لتنبش جيوبه. فسرعان ما باعد مارميلادوف ذراعيه خاضعاً طيّعاً بغية أن يسهّل عليها تفتيش جيوبه. ولم يكن في جيوب مارميلادوف كوبيكاً واحداً.

هتفت تقول:

-    أين المال ؟ آه ... يا رب ! .. هل يمكن أن يكون قد شرب خمراً بالمال كله ؟ كان ما يزال في الصندوق اثنا عشر روبلاً مع ذلك ...

وألمت بها ثورة مسعورة من الغضب على حين فجأة, فأمسكت بشعره, وجرّته إلى الغرفة. وسهّل هو عليها هذه المهمة, فكان يزحف على ركبتيه وراءها طائعاً ذليلاً.

صاح يقول بينما كان يُجَرّ من شعره حتى لتصطدم جبهته مرةً بأرض الغرفة:

-    هذه لذة بالنسبة إليّ ! ليس هذا ألماً يا سيدي الكريم بل لذة !

-    واستيقظت البنية التي كانت نائمة على الأرض, وأجهشت تبكي. ولم يتمالك الصبي الصغير نفسه فأخذ يرتعش ويصرخ وهرع نحو أخته مروّعاً تكاد تجتاحه نوبة عصبية. وكانت البنت الكبرى ترتجف بعد النوم كورقة في مهب الريح.

صاحت المرأة المسكينة تقول:

-شرب بالمال كله, شرب بالمال كله. حتى رداؤه ليس رداءه ! إنهم يتضورون جوعاً, يتضورون جوعاً.

قالت ذلك وهي تلوي يديها وتشير إلى الأولاد ...). الصفحة (47).

4-       ( أضف إلى ذلك أن على المرء, إذا هو أراد أن يصل إلى معرفة إنسان من الناس, أيّاً كان هذا الإنسان, أن يتصرف إزاءه تصرفاً فيه كثير من التروي والتعقل والحكمة والحذر, وإلا فقد يقع في الخطأ, وقد ينجرف إلى التحيز, فيصعب عليه كثيراً بعد ذلك أن يصحح ذاك الخطأ وأن يزيل ذلك التحيز ). الصفحة (62).

5-       ( هل تعرف يا روديا, يا كنزي, ما هو شعوري الآن ؟ يخيّل إليَّ, استناداً إلى بعض الخواطر التي تساورني ( وهي لا تتعلق ببيوتر بتروفتش, ولا تزيد على أن تكون أهواء امرأة عجوز ), يخيل إليَّ أنني سوف أحسن صنعاً إذا أنا لم أعش معهما بعد زواجهما بل أعيش منفصلة عنهما مثلما أعيش الآن. أنني واثقة ثقة مطلقة بأنه يملك من الكرم واللطف ما يكفي لأن يدعوني من تلقاء نفسه, ولأن يقترح عليّ أن لا أنفصل عن ابنتي. وإذا كان قد سكت عن هذا الأمر حتى الآن, فلأنه أمر بديهي لا حاجة إلى الكلام فيه. ولكنني سأرفض. لقد أمكنني أن ألاحظ أكثر من مرة خلال حياتي أن الأصهار لا يحبون حمواتهم كثيراً. وأنا لا أكره أن أحدث أي إزعاج لأي إنسان فحسب, وإنما أريد كذلك أن أحتفظ بحريتي كاملة ما ملكت ولو لقمة من خبز). الصفحة ( 65-66).

6-       ( واصل الطالب كلامه فقال:

-    اسمع التتمة إذن: هناك تلك المرأة من جهة, وهناك من جهة ثانية قوىً فتية شابة نضرة, تضيع لأنها محرومة من المساعدة, وتُعدّ بالألوف, في كل مكان. إن ثمة مائة أو ألف عمل خير أو مبادرة رائعة يمكن التحريض عليها أو إصلاح حالها بمال العجوز, بهذا المال الموقوف على دير ! ! إن ثمة مئات وربما ألوفاً من الأفراد الذين يمكن وضعهم بهذا المال على الطريق القويم. إن ثمة عشرات من الأسر يمكن إنقاذها بهذا المال من الفقر المدقع, والتحلل الأخلاقي, والدمار والفساد, ومستشفيات الأمراض التناسلية! فماذا لو قُتلت هذه العجوز, وأُخذ مالها ثم وُقفت على الخدمة الإنسانية بأسرها, على خدمة قضية جميع البشر؟ ماذا؟ ألا تعتقد أن جريمة طفيفة كهذه الجريمة ستمحوها ألوف الأعمال الخيّرة؟ إننا بقتل فرد واحد نستطيع أن ننقذ حياة ألوف غيره من العفن والفساد والتحلل! يموت واحد لعيش مئات. مسألة حسابية! وأي وزن في ميزان الحياة العام يمكن أن يكون لتلك العجوز الشقية المصدورة الغبية الشريرة؟ ألا إنها ليس لها من الوزن أكثر مما لقملة أو خنفساء. لا بل إن وزنها دون ذلك, لأن هذه العجوز ضارة. إنها تمتص حياة الآخرين. إنها شريرة. منذ مدة قصيرة عضّت أختها اليزافيتا في إصبعها, وكادوا أن يقطعوا الإصبع! ). الصفحة (108).

{ قال تعالى: (( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ )). (سورة النساء) آية (54).

( وقد ذكرنا في الدرس الماضي مضار الحسد ويطلب الأخ عمر الآن ما هو دوائه ، فنقول في دوائه ، أولا: أن يرضى الإنسان بقضاء الله وقدره وأن يعلم أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، فإذا علم ذلك اطمئن ولم يعترض على ربه سبحانه وتعالى فيما آتاهم من فضله . ومنها: أن يعلم أن حسده لن يمنع فضل الله عن المحسود أبدا ، ولو كان يمنع فضل الله على المحسود لكان كل إنسان يحسد غيره . ومنها: أن يتجه إلى الله عزوجل في سؤاله أن يعطيه مثل ما أعطى هذا كما قال تعالى:   (( وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32))).). (سورة النساء) آية (32) .(موقع أهل الحديث والأثر ). 

وقال تعالى: (( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) )). (سورة المائدة) آية (27).

( يقول المؤلف - رحمه الله - وهو النووي - رحمه الله -: الحديث العاشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ أنه قال) : إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا ... ).

هذا الحديث العظيم يدل على أن ربنا - جلَّ وعلا - طيب لا يقبل إلا طيبًا، لا يقبل من أعمالنا إلا الطيب، فالخبيث ما يقبله، والخبيث ما كان لغيره، قد وقع فيه الشرك، أو كان على غير السنة، على غير الشريعة، يكون رديئًا، ما يُقبل، فلا يقبل إلا إذا توافر فيه شرطان: أحدهما: أن يكون لله خالصًا، والثاني: أن يكون للشريعة مُوافقًا، لا بدَّ من الشرطين؛ لأنَّ العمل الصالح يشتمل على هذا) : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) [البقرة:277]، العمل الصالح ما كان لله، وما كان موافقًا للشريعة، هذا العمل الصالح، هو لا يقبل إلا الطيب الذي أُريد به وجهه، ووافق شريعة نبيه عليه الصلاة والسلام، فالخبيث لا يقبله... ). }. {موقع الإمام ابن باز رحمه الله}.

7-       ( ... وليتأكد من أن باب غرفتها مغلق تماماً بحيث لا تستطيع أن تلمحه حين يدخل إلى المطبخ لأخذ الفأس. فما كان أشد ذهوله حين رأى أن ناستاسيا لم تكن حاضرةً فحسب بل كانت مشغولة كذلك, فهي تُخرج الغسيل من سلة وتنشره على حبال ! فلما رأته قطعت عملها والتفتت نحوه ثم لم تحوّل بصرها عنه إلى أن غاب. وقد أشاح راسكولنيكوف عينيه وابتعد كأنه لم يلاحظ شيئاً, ولكن مهمته كانت قد أخفقت: ما من فأس ! واسودّت الدنيا في عينيه.

قال يحدث نفسه وهو يجتاز باب المنزل: ( من أين جئتُ بهذه الفكرة وهي أن ناستاسيا لا بد أن تكون في هذه اللحظة غائبة حتماً ؟ لماذا اتخذت هذا القرار موقناً هذا اليقين كله ؟ ) وشعر بأنه مسحوق مُذل. كان من شدة غضبه يشتهي أن يسخر من نفسه ... إن حنقاً حيوانياً أخذ يغلي في أعماقه ). الصفحة (117).

{ قال تعالى: (( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) )). ( سورة مريم ) آية (83).

( قوله تعالى : ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين أي سلطناهم عليهم بالإغواء وذلك حين قال لإبليس واستفزز من استطعت منهم بصوتك . وقيل : أرسلنا أي خلينا يقال : أرسلت البعير أي خليته ، أي خلينا الشياطين وإياهم ولم نعصمهم من القبول منهم . الزجاج : قيضنا . تؤزهم أزا قال ابن عباس : تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية . وعنه: تغريهم إغراء بالشر ). }. ( موقع جامعة الملك سعود – المصحف الإلكتروني).

8-       ( هتف الشاب يقول مرة أخرى:

-    انتظر! كفاك هزاً للباب! إن في الأمر سراً! لقد قرعت الجرس وهززت الباب فلم تفتحا!.. معنى هذا, إما أنهما مغشيّ عليهما, وإما أنهما...

-    وإما أنهما ماذا؟

-    هلم نستدعي البواب. الأفضل أن يتولى هو إيقاظهما!

-    موافق!

وأخذ الرجلان يهبطان على السلم. ولكن الشاب ما لبث أن قال:

-    انتظر! ابق أنت هنا, وأنا استدعي البواب.

-    أبقى هنا؟ لماذا؟

-    لا يدري أحد ماذا يمكن أن يحدث.

-    لك ما تشاء...

قال الشاب بلهجة متحمسة:

-    أرأيت؟ إنني أهيىء نفسي لوظيفة قاضي تحقيق! الأمر واضح, وا... ضح! لا شك أن هناك سراً.

واندفع الشاب راكضاً على السلم.

فلما أصبح كوخ وحيداً شدّ حبل الجرس برفق, فرنّ الجرس رنةَ واحدة, ثم هزّ قبضة الباب مرة أخرى ببطء, كمن يفكر أن يحاذر, فهو يشدها إليه ويرخيها ليتأكد من أن الباب ليس موصداً إلا بالمزلاج. ثم زفر زفرة قويّة ومال إلى تحت, ونظر من ثقب القفل, ولكن المفتاح كان مدسوساً في القفل من الداخل, فلا يمكن أن يُرى شيء.

لبث راسكولنيكوف ساكناً جامداً, قابضاً على فأسه. كان في حالة قريبة من الهذيان. حتى لقد كان يتهيأ لأن يقاتلهما متى دخلا. ولقد خطر بباله مراراً حين كانا يقرعان ويتشاوران أن يحسم الأمر دفعةً واحدة فيناديهما من خلال الباب. واستبدت به في بعض اللحظات رغبة مجنونة رعناء في أن يسخر منهما, وأن يستهزئ بهما،... ). الصفحة (136).

9-       ( - مثلاً, قالوا لنا حتى الآن: ( أحبّ قريبك ). فلنفرض أنني أحببته, فما الذي يترتب على ذلك؟ يترتب عليه أن أشطر معطفي شطرين فأعطيه أحدهما فنصبح كلانا عاريين نصف عري, وفقاً لما يقوله المثل الروسي: ( من طارد أرنبين في آن واحد لن يدرك أياً منهما ). أما العلم فإنه يقول: أحب نفسك قبل سائر الناس, لأن كل شيء في العالم قائم على المنفعة الشخصية. فإذا لم تحب نفسك إلا نفسك صرّفت شؤونك على نحو ما يجب أن تصرّفها ودبرت أمورك كما ينبغي أن تدبّرها, فبقي معطفك كاملاً سليماً لم يُمزّق. وتضيف الحقيقة الاقتصادية إلى ذلك أنه كلما ازداد وجود الثروات الفردية في المجتمع, أي كلما كبر عدد المعاطف الكاملة, ازدادت الأسس التي يقوم عليها المجتمع متانةً وصلابة, وازدادت ثروة المجتمع. معنى هذا أنني حين أجني خيراً لنفسي وحدي, فإنما أحصّل في الوقت نفسه خيراً لجميع الناس, فينشأ عن ذلك أن قريبي ينال عندئذ أكثر من نصف معطف, ولا يتم ذلك عندئذ بفضل كرم فردي, بل يتم نتيجة لرخاء عام ورفاهية شاملة. الفكرة بسيطة, ولكنها لم تفرض نفسها – وا أسفاه! – إلا بعد وقت طويل لأنها كانت محجوبة عن الأنظار بحماسة ساذجة وأحلام وهمية باطلة. ولم يكن المرء مع ذلك في حاجة إلى كثير من نفاذ البصيرة وقوة الذكاء من أجل أن يدرك أن... ). الصفحة (234-235).

10-  ( نظر إليه العامل الكبير نظرة شزراء وسأله بخشونة:

-    ماذا تفعل هنا؟

ولكن راسكولنيكوف لم يجبه, بل نهض وخرج إلى فسحة السلَّم, فأمسك بحبل الجرس وشدَّه. هو ذلك الجرس نفسه, وهو ذلك الرنين نفسه. شدَّ الجرس مرةً ثانية فمرةً ثالثة. فكان يصغي ويتذكر. عاوده الإحساس الذي شعر به في ذلك اليوم, ذلك الإحساس الرهيب الكاوي, عاوده بحدة ما تنفك تقوى شيئاً بعد شيء. فكان يرتعش كلما رنَّ الجرس مرةً جديدة, وكانت لذته تزداد.

صرخ العامل يقول وهو يخرج إلى فسحة السلم:

-    ماذا تريد؟ مَنْ أنت؟

فعاد راسكولنيكوف إلى الغرفة. وقال:

-    أنا أبحث عن شقة أستأجرها, وقد جئت أرى هذا البيت!

قال العامل:

-    ما من أحد يزور مسكناً في الليل. ثم إن عليك أن تصطحب البوّاب...

تابع راسكولنيكوف كلامه فقال:

-    أرى أن الأرض قد غُسلت. هل سيُعاد دهنها؟ لم يبق دم, هه؟

-    دم؟

-    لقد قتلت العجوز وأختها. كان ههنا بركة دم...

صاح العامل يقول قلقاً:

-    ولكن مَنْ أنت؟

-    أنا؟

-    نعم أنت.

-    تريد أن تعرف؟ تعال معي إذن إلى قسم الشرطة. هناك سأقول لك من أنا ). الصفحة (272-273).

11-  ( ما أدنأ هذا كله فينظر رازوميخين الآن! هل يبرِّر سكره ذلك السلوك؟ يا له من عذر! إلا أن سكره ذاك ليلطخه بمزيد من العار! الخمرة تكشف عن حقيقة الرجل, ولقد انكشفت الحقيقة كاملة. ( إن قذارة قلبه الحسود الطماع ) قد ظهرت واضحة للعيان ). الصفحة (328).

12-  ( كان يقول لنفسه: ( إن تلك الملكة ) التي كانت ترقِّع جوربيها في سجنها لا بد أنها كانت أثناء ذلك أعظم إجلالاً وأكبر مهابةً منها في أعظم الأعياد وأروع الاحتفالات ). الصفحة (342).

13-  ( صاح رازوميخين يسأله بسرعة شديدة:

-    هيه, لقد قاطعتك...ما حكاية الرجل الذي داسته العربة؟

قال راسكولنيكوف وكأنه يستيقظ فجأة:

-    ماذا؟ آ...نعم...لقد تلوثت بالدم حين ساعدت في نقله إلى بيته...بالمناسبة يا أمي: لقد فعلت أمس أمراً لا يغتفر. حقاً لم أكن أملك كل عقلي. لقد أعطيت امرأة ذلك الرجل, أمس, كل المال الذي أرسلته إليَّ... من أجل دفنه...هي الآن أرملة, أنها امرأة شقية فقيرة...عندها ثلاثة يتامى صغار جائعين...ما من قرش واحد في بيتهم...وهناك أيضاً بين...لعلكما كنتما ستفعلان ما فعلته أنا لو كنتما في مكاني. طبعاً لم يكن من حقي أن أفعل ذلك, أنا أعترف بهذا...لأنني أعرف حق المعرفة كيف حصلتما على ذلك المال ). الصفحة (352).

{ قال تعالى: (( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) )). ( سورة الإسراء) آية (29). }.

14-  ( كانت الخواطر تعصف في رأس راسكولنيكوف كالإعصار. وكان مهتاجاً أشد الاهتياج.

قال يحدث نفسه: ( أنكى ما في الأمر أنهم لا يخفون ولا يكتمون, أنهم لا يتحرجون! كيف حدث, وأنت لا تعرفني بعد, أن تتحدث عني مع نيكوديم فومتش؟ معنى ذلك أنهم لا يحاولون حتى أن يخفوا أو يكتموا, وأنهم يطاردونني جميعاً كما يطارد الفريسةَ سربٌ من كلاب الصيد! أنهم يبصقون في وجهي صراحةً! (كذلك قال لنفسه وهو يرتجف من شدة الغضب). ما بالكم لا تكونون صريحين! لماذا تلعبون معي لعبة القط والفأرة؟ حقاً أن هذا لمن قلة الأدب يا بورفيري بتروفتش! ولعلني لن أسمح به بعد الآن!.. لسوف أنهض واقفاً, فأرميكم بالحقيقة كلها صفعاً على وجوهكم. ولسوف يرون عندئذٍ مدى الاحتقار الذي أحمله لهم!) دارت هذه الخواطر في رأس راسكولنيكوف وهو يجد في التنفس مشقة كبيرة. تابع يحدث نفسه: (ولكن ألا يمكن أن يكون هذا كله إحساساً باطلاً, وهماً من أوهام الخيال, سراباً لا أكثر؟ ألا يمكن أن أكون مخطئاً في الحكم على الأمر كله من أوله إلى آخره, وأن لا يكون غضبي ناشئاً إلا عن نقص الخبرة وقلة التجربة وعن عجزي عن تمثيل دوري الساقط؟ لعلهم يقولون كل ما يقولونه بدون فكرة مبيتة أو نية سيئة!.. لا, إن كل ما يقولونه عادي, ولكن المرء يحس وراء كل كلمة من كلماتهم...صحيح أن من الممكن أن يتكلم جميع الناس بهذه الطريقة وهذا الأسلوب...). الصفحة (395-396).

15-  (وأذكر أنني أوضحت في مقالتي أن جميع المؤسسين والمشرِّعين في تاريخ الإنسانية, من أقدمهم إلى أحدثهم, مروراً بأمثال ليسورجوس وسولون ومحمد {صلى الله عليه وسلم} ونابليون وغيرهم, يمكن أن يوصفوا جميعاً بأنهم مجرمون). الصفحة (404).

{ قال تعالى: (( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) )). (سورة الإسراء ) آية (48).

( قوله تعالى : انظر كيف ضربوا لك الأمثال عجبه من صنعهم كيف يقولون تارة ساحر وتارة مجنون وتارة شاعر .

فضلوا فلا يستطيعون سبيلا أي حيلة في صد الناس عنك . وقيل : ضلوا عن الحق فلا يجدون سبيلا ، أي إلى الهدى . وقيل : مخرجا ; لتناقض كلامهم في قولهم : مجنون ، ساحر ، شاعر . ).}. {موقع جامعة الملك سعود – المصحف الإلكتروني}.

كتاب ( الجريمة والعقاب ) (المجَلّد الأوّل ) (رواية), المؤلف: دوستويفسكي, ترجمة: الدكتور سامي الدروبي, الطبعة الأولى 2017, دار التنوير للطباعة والنشر, لبنان – بيروت.