على خشبة مسرح الحياة نقف، ليؤدي كل منا دوره، يتخذ كل منا مكانا محددا، يرتدي زيا محددا، و يحفظ حوارا محددا أيضا، ببساطة قد رسمت خطوط حياتنا بتفاصيلنا و شخصياتنا و أحلامنا حتى قبل أن نصعد للخشبة، و ما علينا كمؤديين في هذه المسرحية إلا اتباعها، ليتشبث كل منا بدوره، ليختبئ كل منا داخل صندوقه، ذلك الصندوق الذي أنشأ قبل نشأتنا، و إياك ثم إياك أن تحاول الارتجال، أو التفكير خارج الصندوق، أن تشعر أو تحلم خارج الصندوق، فذلك خطأ لا يغتفر، فلا رفاق التمثيل يتوقعون ارتجالا و لا الحاضرين يتوقعونه أيضا، فليس هذا ما اتفق عليه، في حركة ديناميكية نصعد لنمثل أدوارنا، نحاكي واقعنا، بينما تمثل الجماهير ردود فعلها، اندهاشها و استمتاعها و حتى تفاجئها. ينزل ممثل ليصعد مكانه آخر، ينهض متفرج ليجلس مكانه أخر، فبين خشبة و مقاعد مسرح الحياة نعيش.

هي مسرحية داخل مسرحية، في مسرح داخل مسرح، ننتقل من مسرحية بفرد واحد، يكون فيها هو الممثل و المشاهد أيضا، إلى مسرحية الأسرة، نتوسع و نوسع مسرحنا كذلك حتى يضم مجتمعا، فدولا، فشعوبا بأكملها، و كل بدوره قائم. نعتبر المرتجلين في الحياة شرذمة و شواذا داخل المجتمع، نقاوم التحرر، نقاوم العفوية، نخاف الاختلاف، نخاف التفرد، نكره الشجعان و نمقتهم، فبضعفنا يذكروننا، و بجرأتهم يستفزوننا، فبأي حق هم قرروا التحليق خارج أقفاصهم و التمرد على سلطة انتماءاتهم، و كيف تجرئوا على تغيير أدوارهم. ألم نؤمر كلنا بالالتزام بجزئنا المخصص من سيناريو القصة، أو بالأحرى ألسنا كلنا دمى متحركة، نتظاهر بالحرية و الإرادة، نتظاهر بالقيادة و التحكم في حياتنا، لكن الحقيقة هي أننا مجرد دمى متحركة تتحكم بنا البرامج اللاواعية، تتحكم بنا العادات و التقاليد، و القصص و الأساطير، كما تفعل بنا الأفكار و التوقعات و المعتقدات عن الحياة كذلك. لنشكل بذلك وعينا الجمعي، مسرحيتنا المشتركة.

نتفاخر بالانتماءات لنهون علينا مشقة الاغتراب عن أنفسنا، فكم منا ينتمي لدوره حقا، ينتمي لحياته حقا، و كم منا يظن أنه يفعل؟