على حافة التل جلست أراقب أسفله.
لمحت عيناي منظر لا مثيل له. غابة كثيفة من أشجار الصنوبر، تتوسطها بركة من الماء العذب تحف بها عدة حيوانات. في شمال البركة خمسة غزالات يقتربن ليروين عطشهن،لم يلحضن التمساح الذي كان على أهبة واستعداد للحصول على وجبة يمكن أن تشبعه لأيام. في الجنوب بطة خرجت للتو من البحيرة وتقود سبعة من صغارها نحو البر وكلهم فرح. وفي الشرق قطيع من أفراس النهر التي تشمئز عند رؤيتها يشربون الماء بأريحية فهم ملوك المكان.في الغرب كانت فتاة صغيرة أظنها تبحث عن القطة التي رأيتها للتو تجري وراء سنجاب دخل جوف شجرة الصنوبر، المكان جنة الله فوق الأرض . الشمس ترمي أشعتها على الأغصان، و العصافير تزقزق فوقها، ماء البحيرة عكس عليه لون السماء الأزرق والتي توسطتها سيدة النهار المسمات بالشمس .نهضت وأدرت وجهي للجهة المعاكسة لعلي أجد منظرا أجمل من هذا.
نظرت وتحسرت.
أمامي كانت هناك مدينة لاحد لها، مكونة من ناطحات سحاب لا تعد ولا تحصى، وأسفلها طرق مزدحمة بالسيارات،الدرجات،القطارات،والشاحنات التي تمر من جميع طرق المدينة و حتى خارجها. في وسط المدينة نافورة كبيرة يخرج من بطنها الماء، ثم في حواشيها الحمام يغتسل لعل هذا هو الجميل وسط ذاك الصخب. فهي في نظري تنظف ذنوبها بالماء وهو ما لا يحسن الإنسان فعله. فجأة رأيت رجلين وسط حي شعبي حقير، يتشاجران انتهى ذلك بسفك أحدها دم الآخر ثم فر هاربا وسط الأزقة الكريهة وانمحى أثره. لم أعر الأمر اهتماما فالفقراء كثيرون، إن مات أحد أو سجن لن يؤثر في المجتمع. تابعت الطريق بعيناي ووقفت عند باب أحد تلك البيوت في ذاك الحي، بيت يسمع منه صوت الموسيقى الشعبية،ويخرج من نوافذه هواء نثن تنفسه خرجت إحدى النساء منه ترتدي تنورة قصيرة بدون أكمام ولا سروال وجهها يشبه لوحات فنسنت فان جوخ، تجتر العلكة وبين الفينة و الأخرى تأخد نفسا من سيجارة وضعت في صحن زجاج أمامها، تبدأ الرحلة التي ليست بالبعيدة المكان. تجلس في كرسي أمام الباب وتصطاد البهائم مثلها، في داخل المنزل عشرات مثلها كل تشغل غرفة برفقة أحد قمامات المجتمع من الرجال. أدرت وجهي نحو أسفل المدينة، فالمنظر روع خاطري وأوشكت أن أشتمهن من مكاني .رمقت "كورنيش النيل" خرجت من إحدى قصوره مراهقة ملكة تلبس سترة حمراء وفستان أبيض مرصع بالكريستال، شعرها ذهبي ذات وجه أبيض وملامح كأنها رسمت بالقلم. بشفتين زهريتين، وشعر ذو خصلات مذهبة كأنها من حرير يصل طوله إلى نصف ظهرها، حاملة جروا صغيرا تلاعبه وتتجه به نحو سيارتها الفاخرة. المكان خال من الناس إلا سياراتهم وحارس المكان أحببت ذلك، لو لم يوقظني ضجيج السيارات من جديد. أعدت تركيزي لأرى هل هذا الجمال يطبق على المدينة برمتها، فأبصرت كمية من الغازات السوداء المنبعثة من المصانع خارجها، ثم مياة الصرف الصحي التي توجد في كل مكان، ومما لا يمكن أن تغفله العين مشهد مدن الصفيح التي شكلت سورا للمدينة. أزعجني ذلك، ونهضت محولة مقلتي نحو اللقطة الأولى فالغابة الهادئة أجمل بكثير.
عليك أن تحيا وأن تحيا وأن تعطي لحياتك ما تستحق.
سعاد أيت بوزيد