_ لم يردّ عليه الأستاذ و صمم على إنكار التهمة المُوجهة إليه ، بعد يومين من الإحتجاز ، أستدعت محكمة مدينة "عش الطاووس" المُتهم كي يُحاكم على جريمته التي لم يرتكبها ، في سيارة نقل المساجين ، كان الأستاذ ينظر إلى مدينته من خلال فتحة النافذة الضيقة ، لم يكن يعلم أنه سيرى مدينته لآخر مرّة في حياته ، و كان برفقته مُجرمان سيُحاكمان بدورهما في اليوم نفسه ، حينما وصلت العربة ، نزل الأستاذ بصعوبة و تنفس الصعداء لوقتٍ وجيز ، كان يرى نظرات الموجودين هناك إليه ، نظرات الخوف و القرف في آنٍ واحد ، نظرةٌ مليئة بالعنصرية ، إذ لو تحدثت تلك النظرات لقالت :" أنظروا ، إنه الرجل السيء ، إنه المجرم الذي حوّل مجتمعنا إلى مكب للقمامة !" ، رافقه الحارسان إلى الداخل أين تم وضعه في الزنزانة المُخصصة للسُجناء الذين سيُحاكمون من خلالها ، جلس ينتظر أن يُنادى عليه ، بعد ساعات من الإنتظار ، حانت لحظة سماع المُنادي و هو يقول :" القضية رقم 22096 " نهض الأستاذ من مكانه و توجه رفقة الحارس إلى قاعة المحاكمة ، كان يتنفس ببطئ و يُحاول تجهيز نفسه لإثبات برائته ، كان القاضي ينظر إليه على أنه عملٌ سهلٌ آخر ، ليس عليه أن يُفكر بعمقٍ مع كُل المتهمين و دليل إدانتهم موجودٌ أمامه ، نظر الأستاذ إلى والدّي الضحية و هُما ينظران إليه بمقتٍ شديد و الدموع تملأ عيناهما ، و أيضاً حضر لتلك المحاكمة مُعظم الطلبة الذين هم على صلةٍ بالأستاذ و أيضاً حضرتها خطيبته و البعض من أقاربها ، حينما وصل إلى مكانه، لاحظ القاضي شيئاً فقال :" أين محامي المُدعي عليه ؟"

تكلم مُحامي الإدعاء العام قائلاً :" حضرة القاضي ، لقد رفض المدعي عليه توكيل محامٍ و رفض أن نوكل له محامياً "

:" حسناً ، سيد ناصر شاهين ، فالتقف رجاءً لتبادر بقول إفادتك !"

نهض الأستاذ في مشهدٍ يحبس الأنفاس ، كان ينظر إلى القاضي نظرة أمل ، ينظر إلى الشخص الوحيد الذي يجب عليه أن يصدقه و يستمع إلى إفادته بحرص ، ينظر إلى الشخص الذي بيده مفاتيح السجن ، و لم يسأم بعد رغم كل ما حدث ، جعل لنفسه قوةً أخيرة ليواجه بها عسى أن يُفلح في تبرئة نفسه ، فالجميع انقلبوا ضده ، تكلم الأستاذ بعد أن منحه القاضي الإذن قائلاً :" سيادة رئيس المحكمة ، أقف اليوم أمامك أملاً بالإستماع إلى إفادتي التي صممتُ على قولها بلساني و ليس بلسان أحدٍ غيري ، حضرة القاضي ، يتهمونني في هذه القضية بأنني كنت على علاقةٍ جنسية بالضحية الذي كان يدرس عندي المدعو بالطالب نجيب خضار إثر اكتشاف طاقم الإدارة بجامعة مجد الأمة تجاوزاتٍ تربطني بالضحية ، و قد شكك عميد الكلية بي بعد توجيهه استدعاءً إلي يأمرني بالحضور لمناقشة المشكلة التي وقعت و محاولة الوصول إلى حلٍ لها ، و ما كان مني سوى الشعور بالغرابة و قد جعلني ذلك أغضب لطريقة كلام العميد معي ، طلبتُ منه استدعاء والدا الضحية لتبرئة نفسي و محاولة إيجاد حلٍ لمشكلته و محنته من باب النصح و الارشاد ، حتى تفاجئتُ أثناء عودتي إلى المنزل بإتصال غير مسبوق من خطيبتي تخبرني فيه بأن أحد طلابي توجه إلى منزلها و جعلها تصدق بأنني منحرف ، و الشيء الذي زاد من الطين بلة و شعوري بالغضب أكثر فأكثر ، هو استمرار هذه الأكاذيب من طرف الضحية و انعدام الثقة من أقرب الناس إلي ، فما كان مني هو التوجه إلى قسم الشرطة و تقديم شكوى بالطالب كونه تمادى في أفعاله الغريبة ، حتى أجد نفسي متهماً بقتله و إلقاء عناصر الشرطة القبض عليّ ، و ما لم يثبتوه إلى حد الآن هو سلاح الجريمة و دليل دامغ يثبت وجودي في الموقع ، كل ما وجدوه هو ورقة بالقرب من الضحية كُتب فيها إسمي ، حضرة القاضي أطالب سيادتكم بمراجعة تفاصيل القضية و إثبات ابتعادي عن مسرح الجريمة !"

القاضي :" حسناً ، سيد عثمان محامي الإدعاء العام ، تفضل !"

:" سيادة الرئيس ، حضرات المستشارين ، بعد الاستماع إلى إفادة المتهم الأستاذ ناصر شاهين حول تفاصيل ما حدث ، إلا أنه يؤسفني إثبات أن السيد شاهين يُشوه صورة الأستاذ الخلوق و صورة العلم في أذهاننا ، سيادة الرئيس ، نحن نثق أتم الثقة بعناصر الأمن و عملهم المتفاني في الحفاظ على مجتمعنا أمناً من المجرمين و الأخطار ، فكيف للسيد شاهين أن يُقلل من قدرات أمننا و الإدعاء بأن هنالك ثغرةً لم يُلاحظوها ؟ فحسب ما أراه أمامي ، إما أن يكون الأمن يُريد زج السيد شاهين بتهمة لم يرتكبها ، أو أن السيد شاهين يحاول تبرئة نفسه بهذا الأسلوب الساذج دون الاعتماد على محامٍ في تبرئته ، و بالعودة إلى تفاصيل الجريمة التي أخفى الأستاذ شاهين بعضاً منها تهرباً من الحقيقة ، فحسب ما تم الوصول إليه و استناداً إلى الأدلة و إلى المنطق الذي يجعل من الاستاذ مذنباً ، إليكم ما وقع يا سادة ، بعد تهديدات الأستاذ شاهين للطالب نجيب خضار ، لاحظت والدة الضحية خللاً ما في تصرفاته ، إلا أنه أخفى الامر عنها تبعاً لتهديدات الأستاذ المتواصلة ، حتى أتى اليوم الذي لم يستطع الضحية تمالك نفسه و خرج عن صمته بطريقة غريبة و هي من خلال جعل الإدارة يُلاحظون أن هنالك مجرماً خطيراً يقوم بابتزازه من خلال إقامة علاقات جنسية معه ، فحاول الطالب أن يُوصِل رسالةً تجعله يقف وجهاً لوجه مع مغتصبه و كي يشرح ما حدث بالتفصيل ، لكن عميد الجامعة لم يفهم رسالته و ظن بأنه هو بدوره يُحبذ فكرة العلاقة الجنسية مع أستاذه ، بعد أن علم الضحية عدم جدوى الرسالة ، حتى استطاع أن يبتكر طريقة يُجبر بها أستاذه على إيقاف التهديدات و هي من خلال اللجوء إلى خطيبته ، بعد أن أعلمها بالسر الخطير الذي يجمعه بخطيبها ، حتى غادر المكان أين إستطاع السيد شاهين أن يصل إليه و يقوم بقتله بطريقة وحشية للغاية ، و بشعوره بالغضب الشديد قام بتمزيق صورة تجمعه بخطيبته ، لكنه لم يلحظ أن الضحية تركت ما يشير إليه ، فقبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ، أشارت بصعوبة إلى هوية قاتلها ، و هو أنت يا أستاذ شاهين ، عليك بالاعتراف أمام السادة الحضور بأنك تعمدت قتله ، كل الأدلة تدينك يا أستاذ ، سيادة القاضي ، أطالبكم بأقصى العقوبات على المتهم ، و جعله عبرةً لكل من يرغب بأن تصبح الحياة متوحشة كالبرية يأكل فيها القوي الضعيف و يأثر فيها البشر من بعضهم البعض ، و شكراً"

يُتبع ...